لا مصلحة للعرب في زعزعة استقرار سورية. زعزعة استقرارها تعني اكتمال الانهيار العربي، خصوصاً بعد النكبة التي ضربت العراق. ولا مصلحة للبنانيين في زعزعة استقرار سورية حتى وان عارض قسم منهم اسلوبها في ادارة الشأن اللبناني أو عارض مبدأ الادارة نفسه. وربما لا تكون للولايات المتحدة مصلحة في زعزعة استقرار سورية لأن حصولها قد يشيع في المنطقة مناخاً مناقضاً لما تسعى واشنطن اليه. ويمكن القول ان لا مصلحة لسورية في اصطدام عنيف ومباشر مع الولاياتالمتحدة. وعواقب الاصطدام بالقوة العظمى الوحيدة لا تحتاج الى شرح. ولا يغيب عن بال دمشق ان الزمان تغير، وان موسكو اليوم ليست موسكو الأمس، وان بكين تقرأ في كتاب آخر. وان أوروبا لا تشكل ضمانة أو مظلة اذا كانت حليفة فكيف حين يكون الخلاف مع الولاياتالمتحدة وبعض أوروبا معاً، وليس غياب الحليف الدولي هو المتغير الوحيد. القوات الاميركية ترابط اليوم قرب الحدود السورية. واميركا ما بعد 11 ايلول سبتمبر مختلفة عما قبله. والانهيار العربي لا يسمح لسورية بالإفادة من أي مظلة عربية فعلية في حال حصول صدام كامل مع اميركا. لا شك ان الوجود العسكري الاميركي في العراق عنصر لا تستطيع دمشق تجاهله خصوصاً بعد الشكاوى الاميركية من مسألة ضبط الحدود. لكن العنصر الضاغط الآخر هو القرار رقم 1559 لمجلس الأمن الذي يطالب سورية عملياً بالانسحاب الكامل من لبنان. ولا يغيب عن ذهن دمشق ان فرنسا كانت القوة الدافعة وراء استصدار هذا القرار. وهكذا صار باستطاعة الموفدين الاميركيين ان يحملوا في جعبتهم خلال زياراتهم الى دمشق ورقة المطالبة بقرار اتخذته الشرعية الدولية. وواضح ان ما يحرك الادارة الاميركية ليست المصلحة العراقية أو اللبنانية وانما شعورها بأن الدور الاقليمي لسورية يشكل عقبة أمام البرنامج الاميركي الجديد في المنطقة. وفي هذا السياق تأتي محاولات تطويع سورية عراقياً ولبنانياً وفلسطينياً. قبل القرار 1559 كان الوجود العسكري السوري في لبنان يطمئن دمشق الى دورها الاقليمي ويمنحها أوراقاً للاحتكاك أو التفاوض في ما يتعلق بمستقبل عملية السلام. بعد صدور القرار وانتقال بعض القوى التي كانت حليفة لسورية الى معسكر المعترضين على اسلوب ادارتها لليوميات اللبنانية أو على مبدأ هذه الادارة، ينذر الوضع اللبناني بالتحول نقطة ضعف لسورية أو فرصة للضغط عليها قد تتحول في النهاية مشروعاً لزعزعة استقرارها. يمكن القول هنا ان الرئيس اميل لحود وشركاءه في الحكم اضاعوا في السنوات الست الماضية فرصتين: الأولى تركيز العلاقات اللبنانية - السورية على قواعد اكثر توازناً والثانية انجاز ملف المصالحة الوطنية وتحصين الدولة ومؤسساتها. اضاعة الفرصتين سهلت قيام الوضع الحالي في لبنان وسهلت صدور القرار 1559. لا مصلحة للبنان في ان يكون مسرحاً لمواجهة سورية - اميركية على أرضه ولا في ان يكون عذراً أو مبرراً لزعزعة استقرار سورية. وربما يكون باستطاعة اللبنانيين لعب دور في خفض حرارة الأزمة التي بحثها ريتشارد ارميتاج مساعد وزير الخارجية الاميركي أمس في دمشق. وهذا الخفض يحتاج الى قرار سوري بإعادة قراءة المشهد اللبناني ومعانيه ومخاطره وبحيث تطلق دمشق مبادرة لاستدراك الفرصتين اللتين اضاعهما عهد لحود وهما تشجيع استكمال المصالحة في لبنان واعادة صوغ العلاقات السورية - اللبنانية على قاعدة تنفيذ اتفاق الطائف والتعامل مع القرار 1559.