أن ينبري الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان الى الدفاع عن القرار 1559 بقفازيه الأميركي والفرنسي، مبرراً ذلك بعدم جواز تعديل الدستور اللبناني"لمصلحة شخص"هو الرئيس اميل لحود، فذاك بكل بساطة سابقة في تاريخ المنظمة الدولية. سابقة، على خطى واشنطن ادارة بوش التي تبرر سياساتها ومصالحها تارة بعقيدة الحرب الوقائية، وأخرى بحرب على الارهاب، وعلى أنظمة"ديكتاتورية". ومرة أخرى يثبت أنان عجزه عن اخراج الأممالمتحدة من مظلة ديكتاتورية التفرد الأميركي بتقرير مصير الدول، بل شعوبها... وإلا ألا يجوز طرح السؤال لماذا لبنان وليس سواه؟ وهل يحق لمنظمة دولية ميثاقها تأسس على مبدأ حفظ الأمن والسلام في العالم وحمايتهما، تبرير تدخل بعض أعضائها في شؤون آخرين... بما يؤدي الى زعزعة الاستقرار، واشاعة كوابيس المواجهات والحروب؟ لا يلغي ذلك بالطبع، حقيقة ان التدخل لمحاولة تدويل الملف اللبناني مجدداً، يستغل التدخل السوري، بصرف النظر عن اهدافه كما تبررها دمشق، وعن حقيقة ان التمديد للحود جاء بشرعية نيابية، يفترض انها تعكس تمثيلاً شعبياً. ومهما قيل عن سقوط سورية في"فخ"اميركي، فالواقع انها أعطت مثالاً فاضحاً عن سوء قراءة أهداف الصقور في ادارة بوش، بصرف النظر عن سوء هذه الأهداف وشرورها. حصل ذلك بعد تمرير"قانون محاسبة سورية"، ووسط محاولات لتوسيع"محور الشر"، على أن تبقى المنطقة في مقدم المواقع المستهدفة في حروب يريد البنتاغون ان تكون الاستراتيجية الثابتة في الولاية الثانية لبوش. والأكيد أن سوء حظوظ دمشق، بعد الحرب على العراق وفيه، يكتمل بتعميم المفهوم الأميركي لمطاردة"الارهاب والارهابيين"في العالم، بحيث يصبح اسرائيلياً وروسياً وهندياً وباكستانياً و... تصبح سورية بين فكي الكماشة الأميركية الاسرائيلية: اتهامات بدعم"ارهاب حماس وحزب الله"، وبانتهاك سيادة لبنان، وبتسليح الحزب بوصفه ميليشيا بين تلك الميليشيات التي يطالب القرار 1559 بتفكيكها وتجريدها من السلاح. وعلى رغم ان القرار خُفف لئلا يتضمن اشارة الى سورية بالاسم، فرسائله واضحة: الثلاثون يوماً لدى انان كي يقوّم مدى تطبيق"الشرعية الدولية"الأميركية الفرنسية هذه المرة هي عملياً انذار ملطف، علماً ان باريس تدرك قبل واشنطن تعذر الاستجابة اليه خلال فترة شهر. فالمطلوب بكل وضوح، بعدما حسمت غالبية نيابية التمديد للرئيس اللبناني، بدء مرحلة تدجين"حزب الله"، وبدء العد العكسي لتنظيم الانسحاب السوري من لبنان، وكلتا المسألتين أصعب من الثانية، لأنهما تعنيان انتزاع آخر الأوراق الاقليمية من يدي دمشق. يحصل الانسحاب بداية 2005 أم يتأخر قليلاً، مجرد تكهن، لا يبدل في حقيقة الفشل السوري في الاستفادة من جهود"العرّاب"الفرنسي الذي انقلب الى الخندق الأميركي للمرة الأولى منذ تمرد على غزو العراق. صحيح أن هذا"العرّاب"وضع قائمة نصائح طويلة ومؤلمة للنهج السوري، لكن الصحيح أيضاً ان علاجات بالتقسيط، داخلياً واقليمياً، تبقى أقل إيلاماً مما لو أتيح لشارون وصقور البنتاغون، بدء مرحلة إحكام فكي الكماشة... وهي مرحلة لا تبدو بعيدة. من بعض الأمثلة الحقائق: من يردع رئيس الوزراء الاسرائيلي عن تنفيذ تهديداته، إذا شاء ضرب سورية في العمق، بذريعة دعمها"حماس"و"حزب الله"؟... أو تدمير قرى الجنوب اللبناني لمعاقبة الحزب على صلات بالحركة، وهو في القرار الدولي الأخير مجرد ميليشيا يجب نزع سلاحها، لا مقاومة، وبالمفهوم الأميركي حزب مرتبط بالارهاب. بمعنى آخر، أي ضربات"وقائية"اسرائيلية لسورية ستتذرع هذه المرة بقرار من الشرعية الدولية، واضح ان أهدافه اتخذت قضية التمديد للرئيس اللبناني مجرد ذريعة بسيطة، لفتح أبواب واسعة أمام تدويل ملف الوجود السوري في لبنان، والتمهيد لحرق ورقة المقاومة، كي يرتاح شارون من"توازن الرعب"على الحدود، وهدايا نصرالله الصاروخية، و"اسطورة"حزب رفعت أعلامه في الأراضي المحتلة عام 1948. المكافأة الأميركية لدمشق على تعاونها في العراق جاءت مرة، حصل ذلك مع طهران بعد حرب افغانستان، وسيحصل مرات لأن لمكافآت بوش طعماً واحداً، وقائمة الحروب طويلة.