لم تنجح الولاياتالمتحدة في تمرير الصيغة الأصلية لمشروع القرار الذي قدمته مع فرنسا إلى مجلس الأمن بشأن لبنان. لكن الصيغة المخففة لا تلغي أن السلطات اللبنانية تجد نفسها اليوم أمام وضع جديد، وأن سورية تجد نفسها هي الأخرى أمام وضع جديد يتعلق بوجودها العسكري في لبنان وبما يتعداه أيضاً. وإذا تركنا جانباً الخطب الحماسية وعبارات الشجب فإن أي حريص على لبنان وسورية مدعو إلى المجاهرة بحقيقة مفادها ان الاعتراف بالمشكلة ومعالجتها هما السبيل الوحيد لقطع الطريق على سيناريوهات الصدام الباهظ. لا بد أولاً من ملاحظات تتعلق بالقرار وظروف صدوره. لقد وضع مجلس الأمن يده على الوضع في لبنان، رافضاً أن يأخذ في الاعتبار موقف سلطاته الرافض حق المجلس في التدخل وهذا يعني أن المجلس عامل السلطة اللبنانية بوصفها مغلولة اليدين أو منصّبة بطريقة غير طبيعية. وبصدور هذا القرار اعتبر المجلس الوجود العسكري السوري في لبنان وجوداً غير شرعي، أي أنه لم يأخذ بحجة السلطة اللبنانية ان اتفاق البلدين يضفي شرعية على هذا الوجود. والملاحظة الثالثة هي الدور الفرنسي البارز في صوغ مشروع القرار وتمريره ما جعله قراراً أميركياً وأوروبياً قبل أن يكون قراراً دولياً. والملاحظة الأخيرة ما كشفته عملية التصويت وهو افتقار سورية ولبنان إلى حليف دولي كبير صالح للعب دور المظلة أو الضمانة أو محطة الانتظار الآمنة. على الصعيد العملي، يمكن القول إن السلطات اللبنانية ستواجه من الآن فصاعداً مشكلة تتمثل في هذا القرار كلما حاولت اللجوء إلى الشرعية الدولية أو طرق أبواب المؤسسات المالية الدولية. ويمكن القول إن أميركا باتت تمتلك سلاحاً اضافياً في أي مواجهة مع سورية وورقة ضغط إضافية في أي حوار معها. وجدير ببيروتودمشق أن تتنبها إلى خطورة أن تستغل إسرائيل هذا القرار لتنفيذ عدوان واسع رداً على أي تصعيد في مزارع شبعا أو على أي دور اقليمي ساخن لبعض "الميليشيات" التي طالب القرار بتفكيكها. إن أول خطأ يمكن أن يحدث هو التصرف وكأن القرار لم يصدر، وأنه سينام سريعاً في ادراج الأممالمتحدة ويتحول منسياً تحت غبار الأيام. أما الخطأ الأكبر فسيكون الاعتقاد بأن بيانات الأحزاب والهيئات والحركات المتعاطفة تكفي للرد على القرار. وأخطر ما يمكن أن يحدث هو الانزلاق إلى مواقف تودي بسورية ولبنان إلى عزلة دولية لا يمكن أن تخفف منها بيانات تصدرها الجامعة العربية باسم عالم عربي متصدع حتى الانهيار. لم يغلق الباب تماماً بعد أمام معالجة تضمن عدم تحول القرار إلى مواجهة تنجب قرارات أشد أو ضغوطات مؤذية تهدد الاستقرار أو السلامة. ومفتاح المعالجة ابقاء خيار الحوار متقدماً على ما عداه، فالوضع لا يسمح باغلاق النوافذ والتحصن بانتظار التصدي لرياح أشد. إن وجود الرئيس اميل لحود الذي تثق سورية بنهجه وشخصه يجب أن يكون عاملاً مساعداً في هذا السياق. فباستطاعة لحود ترميم المصالحة الوطنية اللبنانية حتى وان استلزم ذلك قرارات غير سارة. وباستطاعته بعد تشكيل حكومة وفاق وطني حقيقية أن يرمم معها صورة السلطة اللبنانية وصورة مؤسساتها وان اقتضى ذلك تغييراً لبعض نهج الولاية الأولى. وباستطاعته بعد ذلك أن يبلور مع الرئيس بشار الأسد تصوّراً للعلاقات السورية - اللبنانية يعفي دمشق من فخ الإدارة اليومية للشأن اللبناني ويرسي توازناً بين متطلبات السيادة اللبنانية ومصالح سورية ومخاوفها. وإذا حدث ذلك سيتمكن لبنان وسورية من تجنب العزلة ومن التحاور مع الولاياتالمتحدة ومع الشرعية الدولية أيضاً. أي ناظر إلى الوضع في المنطقة يستنتج أن القرار الذي أصدره مجلس الأمن يستلزم من بيروتودمشق قرارات جريئة وحكيمة. ويأمل المرء بأن يتصف بعض اللبنانيين الذين يسلكون طريق بيروت - دمشق بالقدر اللازم من المسؤولية والجرأة وبُعد النظر، خصوصاً أن لبنان سيخرج خاسراً من أي مشروع لزعزعة استقرار سورية.