توقفت الطبيبة سميرة عن قيادة سيارتها الى المركز الطبي الذي تعمل فيه منذ شهور. في كل مرة تطأ فيها قدماها شوارع بغداد لرعاية المرضى تغطي شعرها بغطاء للرأس تجنبا لأي اهانات أو حتى أعمال عنف. قالت الطبيبة التي طلبت عدم الافصاح عن اسمها الحقيقي خشية الانتقام:"أضع هذا الغطاء في كل مرة أخرج فيها لأنني لا أريد مشاكل. نسمع قصصاً عن وقوع هجمات من كل نوع". ومضت تقول:"عاد وضع المرأة مئة سنة الى الوراء منذ الحرب. أنا طبيبة وأريد اعادة بناء بلادي، لكن ليس هذا هو العراق الذي انتظرته كل تلك السنوات السوداء في ظل حكم صدام حسين. سأترك العراق ولكنني سأصوت ضد الاحزاب الدينية". كانت نساء العراق بين أكثر النساء العربيات تعلماً وتحرراً في السبعينات، حتى جاءت الحروب والعقوبات الدولية التي فرضت على نظام صدام، ما أدى الى تراجع وضع المرأة. وعلى رغم إطاحة صدام قبل عامين يقول الكثير من النساء انهن يشعرن الآن بقيود أكثر من أي وقت مضى، وان أعمال العنف الواسعة الانتشار أصابتهن بخوف شديد بحيث لم يعد بمقدورهن الخروج بمفردهن. كما أن تزايد التشدد الاسلامي أجبر النساء من كل الاديان على تغطية رؤوسهن. وقالت بشرى جرجس وهي عاملة نظافة مسيحية في بغداد:"في بعض الاحيان أرتدي الحجاب للحماية. شقيقاتي في الموصل غالباً ما يرتدين الحجاب لان نساء غير محجبات قتلن هناك". وأضافت:"تدهور الوضع الامني يؤثر على الجميع ولكن من المحتمل أنني أشعر بخطر أكبر لانني أربي ثلاث بنات وحدي". وأدى تزايد أعمال العنف الى افساد ما كان من المفترض أن يكون بداية جديدة مشرقة للعراقيات اللاتي يتمتعن حالياً بتمثيل سياسي أكثر من أي وقت مضى. اذ ان هناك ست وزيرات من بين 34 وزيرا الى جانب خمس نائبات للوزراء. والاحد المقبل سينتخب العراقيون مجلساً وطنياً جديداً من 275 عضواً يخصص ربع المقاعد فيه للنساء، ما يعني منحهن كلمة مسموعة غير مسبوقة في صوغ الدستور الذي يبت في كل قضايا الاسرة مثل الطلاق وحضانة الاطفال. هذا المستوى من التمثيل أعلى من التمثيل في غالبية الدول الغربية. ففي الكونغرس الاميركي يمثل النساء 15 في المئة من الاعضاء في حين تبلغ نسبة النساء في مجلس العموم البريطاني نحو 18 في المئة. وفي العام الماضي ساهمت الحملات التي شنتها جماعات مدافعة عن حقوق المرأة في احباط قرار لمجلس الحكم العراقي الذي لم يعد له وجود حالياً كان من شأنه اخضاع قوانين الاحوال الشخصية المنفتحة نسبياً في العراق للشريعة. وقالت ميسون الدملوجي نائبة وزير الثقافة التي ترشح نفسها في قائمة"تجمع الديموقراطيين المستقلين"العلماني:"عارضنا بشدة هذا القرار. عزز هذا من وضع المرأة في العراق الجديد لأنه للمرة الاولى حارب المجتمع المدني السلطات السياسية وانتصر". ومضت تقول"ما من شك في أن بامكاننا القيام بذلك مرة أخرى. من نعم العراق الوضع القوي للمرأة. انظر الى ما تغلبن عليه". واذا حققت جماعات شيعية دينية بزعامة ساسة من رجال الدين نتائج طيبة في الانتخابات كما يتوقع البعض فستطرح هذه القضية من جديد. وتخشى ينار محمد رئيسة"منظمة حرية المرأة"في العراق من تغليب الشريعة على القانون المدني، ما يؤدي في رأيها الى"تدهور وضع المرأة بشكل آلي". والنساء ينقسمن تجاه تطبيق الشريعة التي يمكن اخضاعها لتفسيرات متحررة أو محافظة شأنهن شأن الرجال. وتريد سلامة الخفاجي التي ترشح نفسها ضمن قائمة"الائتلاف العراقي الموحد"اللجوء الى الشريعة في تحديد الخطوط العامة للدستور الجديد، لكن من دون أن تصبح هي وحدها القانون المطبق. وقالت المرشحة التي ترتدي العباءة السوداء:"الشعب العراقي مسلم ولديه تقاليد مرتبطة بالشريعة لا يمكن محوها. نريد القوانين التي تتواءم مع الشريعة". وواصلت الخفاجي عملها السياسي على رغم نجاتها من ثلاث محاولات للاغتيال. وأردفت قائلة"الشريعة تمنح المرأة حقوق الرجل نفسها في الطلاق. انها لا تجبر النساء على ارتداء الحجاب. هذا نزاع يدور بين الليبراليين المتطرفين في الخارج والاسلاميين المتطرفين. غالبية العراقيين والاسلاميين التقدميين معتدلة".