أصبحت نضال جريو في تموز يوليو الماضي، بدعم من سلطة التحالف، أول امرأة تعيّن قاضية في مدينة النجف الشيعية المحافظة. لكنها، بعد انقضاء ستة اشهر، لم تبدأ حتى الآن بممارسة مهامها. وعندما كانت نضال تستعد لأداء القسم قبل ان تتولى منصبها، اقتحم محامون المكان محتجين على تعيين النساء كقضاة. وفُضّ الاحتفال إثر ذلك، ولا يزال تعيينها معلقاً. ويخشى كثير من النساء العاملات في العراق من ان تكون المكاسب التي حققنها خلال السنوات الاولى من حكم صدام حسين البعثي العلماني، في التعليم وموقع العمل والمكانة في الحياة الزوجية، معرضة للخطر جراء تصاعد النزعة الاسلامية المحافظة. وقالت الطبيبة النسائية لينا عبود 28 عاماً، التي كان والدها ناشطاً في المعارضة ضد صدام، "اذا لم نؤكد على حقنا الآن، لن نتمكن من القيام بذلك في وقت لاحق". وعلى رغم معاناة النساء في ظل ديكتاتورية صدام، كانت لديهن حقوق اكثر مما لدى كثيرات في الشرق الاوسط. كان بإمكانهن التصويت والذهاب الى المدرسة وتولي مناصب حكومية وتملك عقارات. وضمن النظام السابق كان للمرأة الحق في ان تمنع زوجها من الاقتران بزوجة ثانية، وهو شيء يحلّله الاسلام. لكن نفوذ الاسلاميين المحافظين تزايد في اعقاب انهيار نظام صدام، وبشكل خاص وسط الغالبية الشيعية ولكن ايضاً وسط الأقلية السنية. ويعتقد على نطاق واسع بأن شخصيات علمانية مثل احمد الجلبي، وهو شيعي ذو ميول غربية يدعمه البنتاغون، يتراجع نفوذها لصالح زعماء دينيين مثل آية الله السيد علي السيستاني. ويرتبط كثير من رجال الدين بصلات وثيقة مع ايران بعدما أمضوا سنوات في المنفى خلال عهد صدام. وفي بعض المدن جنوب البلاد، وايضاً في مناطق شيعية في بغداد، قامت جماعات من الشبان بتوجيه من رجال دين بالتجوال في الشوارع لفرض قواعد لباس على النساء. ولا تنتاب هذه المخاوف كل النساء. فهناك آراء محافظة قوية حتى وسط النساء المتعلمات. وقالت جنان العبيدي، وهي من الاعضاء الشيعة في مجلس بلدية النجف وعارضت تعيين نضال جريو قاضية، ان "لكل رجل وامرأة عراقية الحق في ان يملي الدين الذي يعتنقه احواله الشخصية". واضافت ان "الوقت حان لأن يمنح الدين الفرصة لإثبات قدرته على اعطاء النساء حقوقهن". وترتدي اشواق سامي 29 عاماً، وهي ربة بيت سنية في بغداد، الحجاب لكنها تقول ان ذلك ينبغي ألاّ يجعلها تصوّر على نحو نمطي باعتبارها مضطهدة او متخلفة. وعبّرت أشواق عن قلقها من التهديد الذي ستمثله حقوق المرأة وفق النمط الغربي على الثقافة العراقية. وقالت "لا أريد ان يكون العراق مثل اميركا. كل ما يهمني هو ان يكون اي شخص يتولى الحكم واحداً منا، يفهم ثقافتنا ومعاناتنا. وليس شخصاً كان في المنفى يعيش حياة مترفة، ثم يعود ليقول لنا ماذا نفعل". وكانت سلطة التحالف بقيادة الاميركيين سعت الى رفع مستوى وعي النساء، برعاية برامج لتقديم المشورة اليهن بشأن انشاء اعمال تجارية صغيرة وتنظيم جماعات للنقاش حول قضايا المرأة في ارجاء البلاد. لكن نساء كثيرات ينتقدن سلطة التحالف لإخفاقها في دعم وتشجيع حقوق النساء بقوة توازي ما توحي به وعودها، ويعتقدن ان اي مكاسب احرزت ستتضاءل بعد تسليم السيادة الى حكومة عراقية جديدة في تموز يوليو المقبل. وكان الحاكم المدني الاميركي بول بريمر عيّن ثلاث نساء فقط من مجموع 25 عضواً في مجلس الحكم الذي حددت عضويته وفقاً للانتماء القومي او الديني من دون مراعاة للجنس. ولم ترشح اي امرأة لعضوية اللجنة التي تتولى اعداد مسودة الدستور الانتقالي للعراق. ولا توجد سوى امرأة واحدة، وزيرة الاشغال العامة نسرين برواري، في الحكومة الموقتة التي تضم 25 وزيراً. وقالت نضال جريو 45 عاماً، وهي شيعية تمارس مهنة المحاماة منذ 15 سنة، ان تجربتها في النجف مثيرة للقلق. وقالت انه في عهد صدام "لم يجرؤ أحد" على منع شخص معيّن من تسلم وظيفته. واضافت ان مسؤولي "التحالف" أبلغوها بأنهم لن يبطلوا الاعتراضات على تعيينها "كي يحموني من تهور الآخرين". واستقبلت كثير من النساء العاملات بقلق كبير قراراً اتخذه مجلس الحكم في كانون الاول ديسمبر الماضي بالغاء قانون ينظم الزواج والطلاق وحضانة الطفل والميراث ويسمح لكل طائفة بتطبيق أحكام مذهبها. ولم يصادق بريمر، الذي يملك حق "الفيتو"، على القرار الذي لقي معارضة قوية حتى داخل مجلس الحكم. وفي كانون الاول ديسمبر الماضي وجهت حوالي عشر نساء مذكرة الى بريمر تشير الى ان سلطة التحالف "خلقت هذه المجالس التي يهيمن عليها الرجال" وهي ملزمة بأن "تعالج هذا التمييز، وتصحح البنية الفاشلة للسلطة". وعقد مسؤولون في "التحالف" ومجلس الحكم بعدئذ اجتماعات عدة مع منظمات نسائية. وشكّلت لجنة استشارية من نساء عراقيات للتعامل مع قضايا المرأة. وقالت الطبيبة النسائية لينا عبود انها ستنشط من اجل نظام حصص يضمن مقاعد للنساء في الهيئة التشريعية والحكومة.