يتعرض الاسلام لحملة مغرضة بعد ان دخل بعض الخارجين عليه في شراكة عجيبة مع اعدائه من صهاينة ومتطرفين وحاقدين لتشويه صورته والاساءة اليه بشتى الوسائل والممارسات والاعمال المستنكرة ضمن جهود محمومة لمنع انتشاره ووقف مده المتعاظم في العالم. كما يتعرض المسلمون لحملة ظالمة تعمل على اظهارهم بالمتخلفين والارهابيين الذين خلت من قلوبهم الرحمة وتحويلهم الى مجرمين لا يسمح لهم بإثبات براءتهم لتعمم التهم عليهم، إذ لا يستثنى منهم حتى المعتدلين والرافضين لأي لجوء للعنف والارهاب. وعلى رغم فظاعة ما جرى خلال السنوات الماضية فإنه من باب التجني والافتراء ترديد مزاعم الصهاينة وغيرهم بأن المسلمين ارهابيون، او بأن كل الارهابيين مسلمون وهذا زعم مردود عليه لأن أي انسان بسيط يعرف جيداً من اين خرجت جرثومة الارهاب ومن زرعها في ديارنا ومن تسبب بها ومن حولها الى سياسة دولة واسلوب حياة حيث يخضع الحق للقوة المعراة بدلاً ان تسود قوة الحق. ولو اردنا ان نفصل اكثر فإننا يمكن ان نسرد قائمة طويلة بالارهابيين وتاريخهم وجرائمهم الموثقة منذ بداية التاريخ مروراً بحروب اوروبا ومحاكم التفتيش والحروب الصليبية والحروب الاستعمارية والنازية والفاشية وتصفية شعوب بكاملها مثل الهنود الحمر في اميركا وغيرهم وصولاً الى استخدام القنابل الذرية ضد المدنيين الآمنين. اما في عصرنا هذا فنذكر بقائمة اخرى تبدأ بالجيش الجمهوري الايرلندي والباسك والألوية الحمراء والقمصان السود والكوكلوس كلان وحروب السيخ والهندوس والتاميل، ورواندا وبوروندي وغيرهما. اما في المنطقة العربية، وفي العصر الحديث، فتاريخ ارهاب الاستعمار طويل وأسود لم يزايد عليه وينافسه ويفوقه ظلماً ووحشية سوى ارهاب الصهيونية الذي بدأ ارهاب افراد ومنظمات ثم تحول الى ارهاب دولة يسرح ويمرح ويقتل ويدمر وينتهك المقدسات وحقوق الانسان تحت سمع العالم وبصره، وفي بعض الاحيان بمباركة من المهيمنين عليه ومن الذين ينتظمون اليوم للدفاع عن الديموقراطية وحقوق الانسان ويزعمون انهم يشنون حرباً مقدسة ضد الارهاب مستخدمين ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين مكيال دعم وغض الطرف عن الصهاينة ومكيال الشك والاتهام والادانة لكل ما هو عربي واسلامي. ولا نخشى على الاسلام من كيد الكائدين فهو شرع الله، وله رب يحميه مهما اشتدت هجمات الاعداء ولكننا نخشى على المسملين الذين يعيشون حال حصار متشعب: حصار ذاتي وحصار خارجي وحصار حضاري. فغالبية المسلمين ابرياء لا علاقة لهم بالارهاب وينبذون العنف ويدعون للمحبة والتعايش ولا يطلبون سوى الكرامة واحترام عقيدتهم وخصائصهم والحصول على وسائل العيش الكريم ولا يجوز ابداً تحميلهم اوزار ما تقدم عليه قلة منهم تبنت العنف وسيلة للتعبير عن رأيها وموقفها عن قناعة وايمان او عن تعصب وتطرف او عن انسياق وراء مدسوسين يدعون الغيرة على الاسلام والمسلمين وهم كانوا ولا يزالون يتلاقون مع اهداف اعداء الدين الحنيف في الاهداف او في الوسائل عن جهل او عن سابق تصميم واعداد. ويمكن الجزم بأن اكثرية المسلمين المنتشرين في العالم هم من الاكثرية الصامتة المتألمة لما يجري ولا تريد ان تعبر عن رأيها على رغم خوفها من ان تدخل في خانة"الشيطان الاخرس"، فهي إما خائفة بعد ان سقطت رهينة لسطوة اصحاب الفكر المتطرف او ناقمة على الظلم الذي يتعرض له المسلمون، والعرب في مقدمهم، من فلسطين الى العراق، ومن كشمير الى الشيشان وفي انحاء اخرى من العالم، وحتى من الداخل حيث يصبح"ظلم ذوي القربى اشد مضاضة"! وعلى رغم ان زلزال تفجيرات 11 ايلول سبتمبر الذي مرت ثلاث سنوات عليه الاسبوع الماضي يعتبر نقطة تحول في مسيرة الارهاب وما يسمى بالحرب عليه من الولاياتالمتحدة وغيرها فإن من يتابع مجريات الاحداث يدرك جيداً ان ارهاصات الازمة بدأت قبل هذا الموعد بكثير اي منذ القرن الماضي، وتجددت الهجمة على الاسلام بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار الشيوعية عندما ظهرت نظريات"صراع الحضارات"و"نهاية التاريخ"لصموئيل هانتنغتون وفرنسيس فوكويوما وغيرهما وصولاً الى صعود"اليهوسيحيين"من المحافظين الجدد المؤيدين لاسرائيل في الولاياتالمتحدة. وفي ملفاتي الكثير من الوقائع والوثائق التي تدين الارهاب والارهابيين وتفضخ مخططاتهم وضرباتهم الموجعة للاسلام والمسلمين كما تفضح الحملات المغرضة المنظمة الهادفة لتوجيه ضربات مماثلة وفق حديث صراع الحضارات و"الاسلاموفوبيا"ومزاعم خطر الاسلام على الحضارة الغربية بل واعتباره الخطر الوحيد المهدد بزعزعتها. وعند عودتي الى الملفات وجدت الكثير من التفاصيل والمعلومات والوقائع في كتابين اصدرتهما قبل 11 ايلول بسنوات عدة هما"الاعلام والاسلام"المستند الى محاضرة ألقيتها في بيت القرآن في البحرين عام 7991 و"هموم العرب عام 0002"وسردت فيه هموم العرب المرتقبة في القرن الحادي والعشرين وعلى رأسها هم العنف والارهاب... اما الكتاب الثالث فأصدرته بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن تحت عنوان"العرب والغرب بعد الزلزال"وشرحت فيه ابعاد الحدث وخلفياته وأسبابه ووسائل منع تكراره، وهذا ما يؤكد نظريتي بأن الصراع بدأ قبل الزلزال وان ما قام به منفذو التفجيرات وغيرها قد تحول الى وقود وأوراق قوة وذرائع وحجج لأصحاب الغايات والمطامع والمخططات الحاقدة والمعادية للاسلام من اجل شن حربهم وتعميم الاتهامات على الجميع. ولا اعتقد ان هناك من ينكر انه لولا هذه الممارسات والاعمال المستنكرة والمدانة لما جيّش الرأي العام العالمي ضد الاسلام والمسلمين والعرب ولما تمكنت الولاياتالمتحدة وغيرها من غزو افغانستانوالعراق والهيمنة على العالم وتخويف الشعوب وتجفيف مصادر الاعمال والنشاطات الخيرية. كما لا اعتقد ان هناك من ينكر ان اسرائيل وشارونها وليكودها وجحافل متطرفيها ما كانوا ليتمكنوا من شن حربهم الظالمة والوحشية ضد الشعب الفلسطيني والمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وغيرها ولما استمروا في غيهم وارهابهم المتمادي في الغطرسة واستخدام القوة المفرطة وانتهاكاتهم لحقوق الانسان ومبادئ الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة لولا تحول الانتفاضة عن خط سيرها الاول وتأثرها الكبير بزلزال 11 ايلول. فقد كانت الانتفاضة الفلسطينية تحظى بدعم عربي واسلامي وعالمي لا نظير له. وكانت اسرائيل محشورة في زاوية ضيقة ومحاصرة حتى من حلفائها مما دفعها بالقوة للاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولته المستقلة قبل ان تسحبه وتمزقه مستغلة الفرصة الذهبية التي حصلت عليها كهدية مجانية من المشاركين في تفجيرات ايلول وغيرهم. كما كانت اوضاع الدول العربية والاسلامية اقوى بكثير مما هي عليه الآن، وكان المسلمون داخل ديارهم وفي ديار الاغتراب يحققون تقدماً في اثبات وجودهم والدفاع عن هويتهم واقامة مراكز لهم وبناء مساجد لممارسة حقوقهم وشعائرهم المقدسة قبل ان يداهمهم الزلزال ويضعهم في مواقع المتهمين ويضعف من قدرتهم على العمل والتحرك والدفاع عن قضاياهم خصوصاً ان بعض الارهابيين قد تمادوا في ممارساتهم باستخدام العنف ضد الاطفال والمدنيين الابرياء وكان آخرها عملية المدرسة التي ذهب ضحيتها مئات الاطفال وألبت الرأي العام العالمي ضد المسلمين والعرب الذين ترددت مزاعم غير مؤكدة ان عشرة منهم كانوا مشاركين في العملية، وبكل اسف فإن وسائل الاعلام العربية اعادت ترديد هذه المزاعم على رغم عدم اثبات صحتها. ونشير ايضاً الى الضرر البالغ الذي تسببت به عمليات خطف الابرياء في العراق من سائقين وخدم وطباخين وناشطين في الاعمال الانسانية. وشوهت هذه العمليات صورة المقاومة العراقية ولم تخدم سوى قوات الاحتلال وإلا كيف نفسر اختطاف الصحافيين الفرنسيين وهما ينتميان الى دولة وقفت بشراسة ضد غزو العراق. وبصورة عامة كيف نبرر عمليات تفجير ضد مدنيين وقتل العشرات منهم بزعم محاربة الولاياتالمتحدة والكفار؟ وكيف نبرر عمليات اجرامية ضد الشعب السعودي المسلم المؤمن والسعودية التي تحمل راية التوحيد وتدافع عن القضايا الاسلامية والعربية؟ هذه الاسئلة وغيرها تدفعنا لطرح سؤال كبير لم يعد هناك مجال لتجاهله وهو متى سيوضع حد لهذا الفكر الضال والمسيء للاسلام والمسلمين؟ ومتى ستتوقف عمليات الارهاب داخل اوطاننا وفي العالم ويتم اللجوء لوسائل حضارية مشروعة للتعبير عن مواقفنا والدفاع عن قضايانا؟ وكيف تنتهي هذه الدوامة القاتلة التي تقوم على العنف والدم ولا تولد سوى العنف والدم. لا شك في ان هناك وسائل وطرقاً عدة لمعالجة هذه الآفة ولكن يجب اولاً الاتفاق على الاعتراف بوجود علة ثم تقبل اللجوء للعلاج وتناول الدواء ولو كان مراً وعندها يمكن الانتقال الى مرحلة التعامل مع القضية برمتها ومن كل جوانبها عبر حوار بناء يحدد الخلفيات والابعاد والاسباب ووسائل العلاج. وقبل البدء بالحوار لا بد من الاتفاق على تبني مسلمات تبدأ بالتخلي عن العنف والوسائل غير الشرعية والعودة الى الاصول: اصول الاسلام وفي المحبة والتعايش والسلام والجهاد الحقيقي بأكبره وأصغره، ودين الحوار والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والوسطية البعيدة من الغلو والتطرف والعنف وفق المبادئ القرآنية التالية: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم لأن الاسلام لا يفرض عقيدته على الآخرين بالقوة التزاماً بقول الله تعالى لا إكراه في الدين والتزاماً بقول الله تعالى لكم دينكم ولي دين. وهو يقرر علاقة البر والإحسان مع غير المسلمين، يوم لا يكون منهم اعتداء وجور وهذا في قول الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين. ولأن الاسلام يؤكد حركة الانسان وعدم قتله بغير حق وهذا بيّن في قول الله جل شأنه انه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً. والاسلام يؤكد مبدأ المحبة والتراحم والتعاون ويربط ذلك بالايمان ربطاً موثقاً كما هو في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وعندما يتم الانطلاق من هذه المبادئ يتوجب على الجميع عدم التهرب من تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم من القمة الى القاعدة في وضع خطة شاملة تقوم على اعادة بناء القوة الذاتية واصلاح الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحل المشكلات الداخلية والتعجيل بسياسات وخطط الاصلاح والانفتاح الداخلي لنزع اي فتيل للتوترات والمشكلات وسحب البساط من تحت اقدام المستغلين الذين يعملون على بذر بذور الفكر المتطرف والتحريض على العنف والارهاب وذلك من طريق معالجة اسباب الفقر وايجاد فرص عمل للشباب وحل مشكلات البطالة وآثارها ومكافحة الفساد المستشري في عالمنا وتشجيع الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر وتطوير الاعلام واصلاحه لازالة الشوائب والحد من استخدامه كوسيلة للترويج للفكر المنحرف كما تفعل بعض الفضائيات العربية. ولا بد ايضاً على الصعيد العربي الاوسع من الانفتاح الكامل وحل الخلافات وتحقيق التكامل وفتح الحدود وتنفيذ مشاريع السوق العربية المشتركة ومنطقة التجارة الحرة والتعاون في مجال مكافحة الارهاب قولاً وفعلاً ومنع استخدام اراضي اي دولة عربية واسلامية كمعبر للارهابيين والانفتاح على دول الجوار ثم الانتقال على الصعيد الخارجي لتشجيع الحوار بين الغرب والشرق والاسلام والمسيحية على اسس سليمة بعد تحصين الذات وتوحيد المواقف العربية والاسلامية وحل مشكلات الاقليات العرقية والدينية والطائفية وتحقيق مبدأ التعايش بين الجميع وعدم تهميش اي فئة وخصوصاً المسيحيين العرب الذين كان لهم دور بارز في النهضة العربية والحفاظ على اللغة العربية وعدم تجاهل الدور الكبير الذي يمكن ان يمارسوه لانجاح الحوار العربي والاسلامي والدفاع عن القضايا العربية في العالم ولا سيما في الولاياتالمتحدة وأوروبا. ولا بد قبل كل شيء من الحصول على اعتراف غربي وعالمي بالحضارة العربية والاسلامية وهوية العرب والمسلمين وحضارتهم وحقوقهم المشروعة واعتراف آخر لا بد منه بأن جذور الارهاب وذرائعه ومبرراته وأرضه الخصبة تنطلق من الظلم الذي تعيشه المنطقة ومخلفات الاستعمار وجرائم الصهيونية وممارسات اسرائيل العدوانية وانحياز الولاياتالمتحدة الكامل لها. وأي تهرب من هذه الاعترافات يعني صب الزيت على النار وتأجيج لهيب الاحقاد وتوسيع دائرة الارهاب وتهديد الأمن العالمي ومعه مصالح الجميع والولاياتالمتحدة على رأس القائمة. ويخطئ من يظن ان الحل الامني والعسكري هو الحل العملي والاسلوب الوحيد الناجع لمكافحة الارهاب. فعند تحقيق المتطلبات التي عددتها تمكن الاجابة عن السؤال الملح عن متى وكيف ينتهي الارهاب؟... وبعدها يمكن البدء بخطوات عملية مدروسة تبدأ داخل كل دولة بمشاركة قيادييها ومفكريها وعلمائها ورجال الدين فيها وممثلي مختلف وجهات النظر ثم تنتقل الى عمل عالمي كبير عبر مؤتمر دولي يدعو اليه العرب لمجابهة الارهاب باسلوب علمي وعقلاني وعملي وحكيم حتى نرتاح من هذه الآفة ونرتاح معها لنعيش في أمن وأمان وكفانا دم ودموع وأهوال ورعب وقلق. * كاتب وصحافي عربي.