إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولايات المتحدة تستغل أحداث أيلول لنشر الفوضى والإطباق على العالمين العربي والاسلامي . فضل الله ل"الحياة": لا صراع حضارياً مع الغرب بل معركة ضد الاستكبار والاسلام في حاجة الى دراسة معمقة بسبب التخلف في فهمه
نشر في الحياة يوم 15 - 09 - 2002

رفض المرجع الشيعي آية الله السيد محمد حسين فضل الله اعتبار الأجواء التي سادت بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر أجواء صراع بين الغرب والاسلام، بل هي "صراع مع استكبار يريد السيطرة على الشرق"، ورأى ان الهجمات ضد نيويورك وواشنطن على رغم سلبياتها، أفادت الاسلام وأيقظت الحاجة لدى العالم لمعرفة هذا الدين. وقال ان المسلمين أصيبوا بالكثير من التخلّف في فهم دينهم، داعياً الى دراسة معمقة للاسلام بغض النظر عن ردود الفعل السلبية. واتهم الولايات المتحدة باستغلال "الحرب على الارهاب"، لاغراق العالم في اثارات سياسية وأمنية واقتصادية و"رش" الفوضى والقلق فيه وتبرير انفرادها بالقرار والاطباق على العالمين العربي والاسلامي. وفي ما يأتي نص الحوار:
كيف تقرأ أحداث أيلول وتداعياتها بعد عام على وقوعها؟
لعل ما يميز هذا الحدث هو ان أميركا التي أصيبت بصدمة عنيفة في عنفوانها الاستعراضي وفي اختزانها لفكرة انها الدولة التي تملك موقع قيادة العالم كله بدرجات متفاوتة، حاولت ان تستعيد بعض عنفوانها في البداية ب"الحرب ضد الارهاب" التي أثارتها على أساس ان الارهاب يمثل اخطبوطاً يمد أذرعه الى اكثر من مكان في العالم ويستخدم أسلحة سرية خفية ويدخل في مفاصل المسألة الثقافية ولا سيما الدينية الاسلامية، ويتحرك من خلال اثارة الوجدان العربي والاسلامي في مفردات السياسة الأميركية، خصوصاً في ما يتصل بالموقف من اسرائيل.
حاولت الولايات المتحدة ان تغرق العالم كله من خلال هذا الشعار في إثارات اعلامية وسياسية واقتصادية وأمنية وثقافية فبدأت ترش الفوضى والقلق في كل مكان في العالم، وأدخلت هذا القلق في وجدان الدول الكبرى التي لم تواجه أي نوع من أنواع الأعمال الارهابية ولا سيما الاتحاد الأوروبي، وحتى الاتحاد الروسي الذي ربما يواجه مشكلة الشيشان ولكنها ليست مشكلة ارهابية بالمعنى المصطلح لهذه الكلمة. حاولت اميركا الافادة من هذه الصدمة التي أثارت مشاعر التعاطف معها تماماً كالذين يهرعون الى الشخص الذي أصيب بمصيبة في حياته أو في أهله مواسين اياه، وحصلت على الكثير من هذا النفاق العزائي. وعندما افاقت من هذه الصدمة وحصلت على بعض التعويض من خلال حربها على أفغانستان التي هي أضعف دولة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً باستخدام أكثر الأسلحة تطوراً في عملية عرض للقوة العسكرية أمام العالم باعتبار ما سيأتي، ولا سيما أمام دول العالم الثالث وفي مقدمها الدول العربية والاسلامية في اشارة الى أن هذه الحرب لن تقف عند افغانستان.
ونلاحظ ان الولايات المتحدة بعدما استوعبت هذه الصدمة عملت على استعادة السيطرة على العالم على اساس انها بدأت تواجه قبل 11 ايلول الكثير من حركات المعارضة في العالم الثالث، وبعض الانتقادات التي قد تصل الى موقف معارض من بعض دول الاتحاد الأوروبي، كما انها واجهت روسيا التي كانت تحاول ان تتفلت من القبضة الاميركية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ما جعل اميركا تشعر بالقلق على نفوذها في العالم الثالث وببعض الخلل في قيادتها للغرب من خلال هذه الحركة الاستقلالية للاتحاد الأوروبي الذي تحول الى قوة اقتصادية وسياسية منافسة. لذلك بدأت اميركا من خلال "الحرب ضد الارهاب" تتمدد في المواقع السياسية والأمنية كآسيا والشرق الأوسط وبدأت تطرح الكثير من المشاريع والحلول للمشكلات بطريقة توحي بها بأنها وحدها هي صاحبة القرار.
ولاحظنا، مثلاً، في القضية الفلسطينية، ان الموقف الأوروبي كان بدأ بالابتعاد عن الموقف الأميركي بانتقاده لاسرائيل ومحاولته التحرك في شكل شبه مستقل في هذا الشأن، كما ان روسيا نتيجة مصالحها في الشرق الأوسط، أو في العالم العربي والاسلامي، بدأت تتخذ موقفاً مستقلاً ربما يُضعف من القبضة الحديد الأميركية على المسألة الفلسطينية لمصلحة اسرائيل. فكان أن أدخلت الولايات المتحدة المسألة الفلسطينية في دائرة "الحرب ضد الارهاب"، واستطاعت الى حد ما ان تقنع أوروبا وروسيا والأمم المتحدة التي تحولت الى مجلس أمن قومي أميركي بدل ان تكون مجلس أمن دولي، بأن الذين يقومون بالانتفاضة هم ارهابيون، مستغلة العمليات الاستشهادية التي قد يسقط فيها مدنيون صهاينة. وهكذا رأينا كيف ضعف موقف الاتحاد الأوروبي وروسيا في تأييد المسألة الفلسطينية.
ومن جهة أخرى، بدأت اميركا تسوّق لحروب اخرى، ضد الصومال تارة وضد السودان اخرى، وبدأت أيضاً تتحرك في اثارة علامات استفهام حول موقعي مصر والسعودية، في محاولة للاطباق على العالم العربي والاسلامي لتزيده عجزاً على عجز، ثم أطلقت مسألة الحرب على العراق على اساس تمرد العراق على مجلس الأمن بحسب كلامها من خلال منع عودة المفتشين، ثم تطور الموضوع الى اسقاط النظام العراقي، مستفيدة من تأييد بعض فصائل المعارضة العراقية التي تمثل مواقع علمانية وإسلامية من جهة لتأخذ شرعية شعبية عراقية في ذلك.
نرى ان 11 أيلول كان حدثاً تشعر أميركا بأنه جاءها من عمق ما يسمى بالحظ لأنه أطلق يدها لتؤكد من جديد انها الدولة الوحيدة القائدة للعالم الذي لا بد من أن ينصاع لها، سواء على مستوى دول حلف الأطلسي أو على مستوى الدول الأخرى المتناثرة في مواقع النفوذ الأميركي.
لا صراع حضارياً
منذ الحرب الصليبية لم يخيم شبح الصدام بين الغرب والاسلام كما يخيم اليوم، وأعادت أحداث أيلول وما تلاها بقوة طرح اشكالية العلاقة بين الاسلام والغرب. هل كرست هذه الأحداث وتداعياتها مقولة الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا؟
لا أتصور ان المسألة هي مسألة عدم التقاء الشرق بالغرب، لأن المسألة لم تنطلق من خلال هذا الصراع بين القيم الاسلامية التي تمثل الطابع البارز في الشرق، أو القيم الروحية التي يمكن ان يختزنها الشرق بما فيها القيم البوذية والهندية وما الى ذلك، وبين الغرب الذي يرتكز في حضارته المعاصرة على القيم المادية من دون ان يتنكر للجانب الروحي ولكنه يعتبره مجرد ديكور للحضارة لا يدخل في عمقها بل يعطيها مسحة الروحية.
المسألة هي مسألة صراع بين استكبار يريد السيطرة على الشرق، أو استكمال هذه السيطرة التي بدأت منذ عهد الاستعمار الأول في القرن الماضي. ومن الطبيعي ان المرحلة السابقة على 11 ايلول كانت مرحلة استهان فيها الغرب ممثلاً بأميركا بالدرجة الأولى والاتحاد الأوروبي والدول الأخرى الكبرى التي تسمى الدول السبع أو الثماني بالشرق كله، باعتبار انه مجرد بقرة حلوب ومجرد اسواق استهلاكية ومواقع استثمارية أو مواقع استراتيجية من دون ان يُسمح له بأن يكون عنصراً فاعلاً قوياً يبني نفسه ويخطط للاكتفاء الذاتي في اقتصاده وسياسته وأمنه.
ومن الطبيعي ان الحدث الذي واجه أميركا من خلال عناصر شرقية أُعطيت عنواناً اسلامياً، كما تقول اميركا في اتهاماتها، وكما ظهر في الاعترافات الأخيرة، إن كانت اعترافات جدية، جعل أميركا ومعها الغرب يستفيدان منه من اجل إيجاد حال من تأنيب الضمير لدى المسلمين ضد الذين يتحركون سياسياً في المسألة الاسلامية، خصوصاً أولئك الذين يعتبرون العنف الوسيلة للوصول الى الأهداف، ما جعل المسلمين في العالم يعيشون عقدة ذنب وينهمكون في العمل على التخفف من هذه التهمة وإلصاقها بالمتطرفين والمتشددين والمتخلفين، فاستُنفر المثقفون والعلماء لتأكيد القيم الاسلامية المبنية على التسامح والاعتراف بالآخر.
كما عملت الولايات المتحدة ومن معها على تعبئة الشعوب الغربية ضد الاسلام وضد المسلمين من اجل الحصول على تأييد الرأي العام الغربي في أي عملية حرب تخوضها ضد موقع اسلامي، كما نلاحظ في الحملة الاعلامية التي تقودها أميركا الآن ضد العراق من اجل تعبئة الرأي العام. اذاً المسألة هي مسألة استغلال الحدث ضد الاسلام مع بعض الديكورات الاعلامية التي يتحدثون فيها بأن الاسلام هو دين تسامح ودين رفق.
لكننا من جهة اخرى نعتقد بأن هذا الحدث بما فيه من سلبيات ضد الاسلام، أفاد الاسلام كثيراً. اذ أيقظ الحاجة الى معرفة هذا الدين لدى العالم كله، وبعدما كان كثيرون من المثقفين أو من الناس العاديين يمرون بمسألة الاسلام مرور الكرام، كما نمرّ مرور الكرام بالفكر الهندوسي او الفكر البوذي، بدأ الناس يتساءلون أي اسلام هو هذا الاسلام الذي يدفع جماعة من الناس الى ان يفجروا أنفسهم في اعدائهم، وكيف يمكن لهذا الدين ان يبنيَ هذا الانسان بهذا البناء الروحي. ولهذا بدأ الناس يقرأون الاسلام للتعرف عليه، وبقطع النظر عما اذا كانت هذه القراءة سلبية أو ايجابية تبعاً للكتب التي يقرأونها الا انها فتحت نافذة كبرى على الاسلام في الغرب، وعلى المثقفين المسلمين والفاعليات الاسلامية ان تستفيد من ذلك في المستقبل من أجل ان تقلب الهيكل على رؤوس الذين حاولوا أن يسقطوه على رؤوسنا.
تحدثتم عن البناء الروحي لمنفذي 11 أيلول. هل نفهم من ذلك انكم تضعون هؤلاء في المرتبة نفسها التي تضعون فيها منفذي العمليات الاستشهادية؟
بالطبع لا. نحن منذ البداية استنكرنا احداث أيلول على أساس الفقه الاسلامي لأننا لا نجيز استعمال الطائرات التي يركبها أُناس مدنيون لتتحول الى قنابل متفجرة، او ضد الناس الذين يترددون على مركز التجارة العالمي. وفرّقنا بينهم وبين الاستشهاديين في فلسطين، أو سابقاً في لبنان، لأن هناك فرقاً بين أن تقوم بمثل هذه العمليات وأنت في حال حرب مع الآخر تأخذ بخناقك ولا تجعل لك مجالاً للدفاع عن نفسك إلا بهذه الطريقة، وبين الحرب السياسية التي لا تشعر فيها بالضغط العسكري الذي يطبق عليك. وقلت آنذاك اننا نعارض الادارة الاميركية في كل سياساتها ولكننا في الوقت نفسه لا نحاربها بهذه الطريقة، ولا سيما اننا نريد صداقة الشعب الأميركي، ولا نريد المساس به بمثل هذه العمليات، خصوصاً ان في أميركا ملايين العرب والمسلمين من الذين تحولوا الى مواطنين اميركيين، كما اننا لا نشعر بأي سلبية ضد الشعوب الأخرى التي جاءت من سائر انحاء العالم لتتحول الى جزء من الشعب الأميركي.
اذاً تعتبرون ان الولايات المتحدة استغلت احداث ايلول للتمدد ولتحقيق مصالحها السياسية والأمنية، وكأن جوهر الصراع الحالي مصلحي فقط وليس له أي جانب حضاري؟
أنا لا أتصور ان المسألة مسألة حضارية لأن الرئيس الأميركي الذي طرح عناوين الحرية والحضارة والتسامح كقيم تحملها اميركا للعالم، تحدث الى جانب ذلك، صدقاً أو كذباً، بأن الاسلام لا يتنكّر لهذه القيم الحضارية وأن المسألة هي مسألة الناس الذين لم يفهموا الاسلام أو الذين يستغلون الاسلام. لذلك لم تُطرح المسألة كقيم تصادم قيماً، بقطع النظر عن الدوافع في هذه الطروحات. ولذلك ربما تحركت بعض عناوين هذا الصراع على الأرض، لكنها لم تتحول الى حرب ثقافية بين الاسلام وبين الحضارة الغربية بالطريقة الحادة التي تجعل المسألة صراعاً بين الحضارات.
لكن سيطرة من يحملون عقيدة يمينية على الادارة الأميركية الحالية واستخدام مصطلحات من نوع الحروب الصليبية وطروحات صراع الحضارات، إضافة الى لائحة طويلة من التصنيفات التي استخدمت من نوع "معنا أو ضدنا" ومحاور شر وخير وتقسيم العالم الى فسطاطين... الخ. أليس ذلك كله ارهاصات أولى لمثل هذا الصراع؟
في عمق الفكر الاسلامي وفي عمق الفكر الغربي هناك عناصر حقيقية للصراع. لكن المسألة هي هل ان هذا الحدث انطلق من طبيعة هذا الصراع الثقافي أم انه انطلق من الصراع بين المستكبرين والمستضعفين، ومن صراع المصالح التي نعرف بأن الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة لا تؤمن الا بها. وإذا كان بعض الرؤساء الأميركيين يتحدث تارة بلغة دينية أو بلغة روحية، كما لاحظنا ذلك مع جيمي كارتر أو جورج بوش الآن، فليس معنى ذلك أن اميركا تتحرك من خلال الخلفيات الدينية أو الروحية. لهذا هناك فرق بين أن يكون الصراع دينياً أو حضارياً، وبين أن يكون سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتُستغل فيه المشاعر الدينية، أو بعض المفاهيم الدينية، كمفردة من المفردات التي توظَف في هذا الصراع.
الاسلام والعنف
إذا نظرنا الى معظم النزاعات الدموية في العالم نجد حضوراً للمسلمين كما هي الحال في الشيشان وآسيا الوسطى وكشمير والهند والفيليبين واندونيسيا وكوسوفو ناهيك عن الصراع العربي - الاسرائيلي. ألا يكرس ذلك الاسلام كدين عنفي ويجعل الارهاب مسؤولية ومشكلة اسلامية بحتة؟
لا اعتقد ان المسألة بهذه الدقة التي يثيرها السؤال، لأننا لو أردنا أن نأخذ من هذه المفردات عنوان الارهاب أو عنوان العنف كوسيلة وحيدة للوصول الى الأهداف فإننا لن نبرئ أي دولة في العالم من ذلك. ماذا عن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي اللتين وجهتا ضد المدنيين وليس ضد العسكريين اليابانيين؟ ماذا عن مواجهة فرنسا للاحتلال النازي، ومواجهة أوروبا في الحرب العالمية الثانية لألمانيا؟ ماذا عن الدعم الأميركي للأفغان ضد الاتحاد السوفياتي؟ ان مسألة أن تحارب من اجل استقلال بلدك عندما لا تتمكن من الحصول على هذا الاستقلال والتحرر من المحتل بالطرق السلمية هي مسألة حضارية تؤكدها كل الحضارات من باب الدفاع عن النفس لأن الدفاع عن الحريات لأي شعب من الشعوب أمر مقدس على كل المستويات.
إذا أخذنا القضية الفلسطينية، هل يمكن ان نحصرها بالعنف؟ جرّب الفلسطينيون كل الأساليب السلمية وقدمت السلطة الفلسطينية، التي لا يرضى عنها الكثير من الفلسطينيين ومن العرب والمسلمين، التنازلات في اتفاق اوسلو وغيره من الاتفاقات. لكن اسرائيل لم تقبل اعطاء الفلسطينيين أي حق في تقرير المصير إلا بالطريقة التي يتحول فيها الشعب الفلسطيني الى هامش من هوامش الشعب اليهودي. وعندما نتحدث عن المقاومة الاسلامية في لبنان نرى انها انطلقت من اجل ان تحرر لبنان من الاحتلال الصهيوني ولا تزال. الشيشانيون يمثلون شعباً احتُلّ من قبل روسيا منذ عشرات السنين ويحاولون ان يتحرروا من هذا الاحتلال.
أما الكشميريون فهم يطالبون بتطبيق قرار حق تقرير المصير الذي أصدرته الأمم المتحدة منذ انفصال باكستان عن الهند والذي ترفض الهند تطبيقه، فأين العنف؟ ربما يتحدث البعض عن الجزائر، لكننا نعتبر ان المسألة هناك تتعلق بجهات في الداخل يرتبط بعضها بأميركا وبعضها الآخر بفرنسا، وعلى هذا الأساس تتحرك مواقع النفوذ، لذلك نتصور أن الاجهزة الأمنية المرتبطة بهذا المحور الدولي أو ذاك هي التي تقود هذه العمليات وتستغل هؤلاء الاغرار، وإن كنا لا نبرئ بعض المتخلفين من المسلمين لقيامهم بهذا لأن الاسلام على كل المذاهب وكل الاتجاهات يرفض كل ما يقوم به هؤلاء، إذا صحّ انهم يقومون به، جملة وتفصيلاً، لأنه أي دين وأي اسلام يوافق على قتل النساء الأطفال والشيوخ؟
لكن في بعض المواقع التي تتحرك فيها تنظيمات اسلامية يجرى استخدام وحشي للعنف يصل حد قطع الرؤوس كما في الفيليبين مثلاً وغيرها؟
صحيح، ولكن الأمر لا يتعلق بالعالم الاسلامي فقط، على رغم المفردات الموجودة في بعض مواقع هذا العالم والتي ربما لا تكون الوسائل فيها وسائل انسانية أو تكون وحشية. ولكن نتساءل ماذا عن العنف الذي تمارسه الألوية الحمراء والمافيات في كولومبيا وغيرها والجيش الايرلندي وتفجيراته في قلب بريطانيا، وهكذا في اسبانيا؟ العنف من المسائل التي قد تنمو في شعب من الشعوب تحت عناوين سياسية أو شخصية.
اميركا نفسها التي تقود "الحرب ضد الارهاب"، هل تستطيع ان تمنع الارهاب الفردي في داخلها. ماذا عن طالب يدخل الى المدرسة ليقتل أساتذته ورفاقه؟ نحن لا ننكر وجود بعض الحالات الارهابية الموجودة في العالم العربي والاسلامي ونرفضها ونحاربها جملة وتفصيلاً لأن القرآن تحدث بأكثر من آية عن رفض الاعتداء "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، والقرآن ركز على حل المشكلات بالرفق "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالَّتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". وهكذا الحديث النبوي الشريف الذي يقول "إن الرفق ما وُضع على شيء الا زانه وما رفع عن شيء الا شانه وإن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".
ذلك كله لا ينفي ان هناك اشكالية في العلاقة بين الاسلام والغرب. كيف تمكن مواجهة هذه الاشكالية؟
عندما ندرس العلاقة بين الاسلام والغرب من خلال الحركية التاريخية السياسية والأمنية والاقتصادية لا نشعر بأنها مشكلة دين يختلف مع دين، أو حضارة تختلف مع حضارة، وإن كان بعض الرواسب التاريخية لا يزال موجوداً في وجدان بعض القادة الغربيين كما ينقل لنا التاريخ المعاصر عن الجنرال الفرنسي أو الانكليزي الذي وقف على قبر صلاح الدين في دمشق، وخاطبه: ها قد عدنا يا صلاح الدين.
لكن المسألة كانت مسألة المصالح الاستعمارية التي تريد ان تسيطر على العالم الاسلامي تماماً كما سيطرت على مواقع أخرى في العالم في اميركا اللاتينية والهند. لذلك نعتبر ان سطح الصراع هو سطح سياسي يختزل الجانب الأمني والاقتصادي وليس سطحاً ثقافياً، وإن كان الغرب من خلال مثقفيه ومفكريه يحاول ان يجتذب العالم الاسلامي الى ثقافته والى عاداته وتقاليده، كما ان المسلمين الذين يعيشون في الغرب يحاولون ان يجتذبوا الغربيين الى الاسلام. في الغرب اليوم جاليات اسلامية تتعاظم اعدادها، وأصبح المسلمون متجذرين هناك، وغالبية شبابنا تذهب الى الغرب للتعلم كما يقصده السياسيون المضطهدون في العالمين الاسلامي والعربي ليعيشوا فيه حرياتهم السياسية والثقافية.
لم تحدث بين العالم الاسلامي وبين العالم الغربي مشكلات حادة خارج نطاق الاستعمار وخارج نطاق الحركات التي تريد ان تسيطر على اقتصاد المسلمين وعلى امنهم وسياستهم، واعتقد ان علينا ان نخطط كمسلمين للحوار مع الغرب، وإن كان ذلك لن يحصل في شكل واقعي الا اذا كفّ عن السيطرة على المقدرات الاسلامية، لأن المسألة السياسية ستصطدم بالمسألة الأمنية وستخلط كل الأوراق. لكننا في الوقت نفسه نصرّ على ان نخطط ونفسح المجال للحوار بين الاسلام والغرب من خلال النوادي الثقافية لأن الغرب ليس هو الادارات فقط، بل هناك طيف واسع من النوادي الثقافية والجامعية وغيرها مما يمكن لنا أن ندخل فيه في حوار مع الغرب. وعلينا أن نوظف الوجود الاسلامي في الغرب من خلال العلاقات التجارية أو العمالية أو علاقات التزاوج التي تحصل، لإفهام الغربيين معنى الاسلام ولنزع هذه العقدة الغربية من الاسلام. وأعتقد ان بعض المسلمين نجحوا في ذلك.
ولكن ما هي امكانية الحوار في ظل التنميط السائد للاسلام في معظم الدول الغربية، ومع موجة صعود اليمينيين الى الحكم في عدد كبير من الدول الغربية وتنامي الشعور المعادي للمهاجرين، خصوصاً المسلمين منهم؟
اليمين المتطرف يتحرك في النطاق السياسي الاداري، ولكن الشعب ليس كله يميناً متطرفاً. ولذلك رأينا أن الشعوب الغربية بدأت تُسقط اليمين المتطرف كما حدث في فرنسا وفي أكثر من موقع. مسألة الصراع بين اليمين المتطرف الانعزالي المتعصب وبين اليسار أو بين الوسط أو ما الى ذلك، هو صراع داخلي في الغرب، وعلينا ان ندخل في هذا الصراع من خلال المسلمين الذين يملكون هوية غربية من جهة، وأن نعمل على اللقاء مع الفئات الأخرى.
الفارق بين الذهنية العربية أو الشرقية وبين الذهنية الغربية ان الغربيين اذا واجهوا مشكلة اعتبروها قضية لا بد من البحث فيها. أما نحن فإذا واجهنا مشكلة نسقط أمامها ونعتبر انها القضاء والقدر. ليس هناك قضاء وقدر خارج ارادتنا، ونحن الذين نصنع القضاء والقدر بقدر ما أوكل الله إلينا عملية الاختيار في فعل الأشياء "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
مستقبل الاسلام السياسي
صدرت في الغرب أخيراً دراسات وكتابات تعتبر ان الاسلام السياسي يتجه نحو الضمور وان اللجوء الى العنف على ما حدث في الولايات المتحدة هو آخر ارهاصاته. كيف ترى الى مستقبل الاسلام السياسي وحركاته؟
اعتقد ان الحركات الاسلامية، بقطع النظر عن رأينا في بعضها وفي السلبيات التي قد تختزنها هذه الحركة أو تلك في أساليبها أو تمثلها لأهدافها، ازدادت قوة وتجذرت في وجدان الشعوب الاسلامية التي تعيش القهر والإذلال الذي زادته الخطط الأميركية من خلال 11 أيلول عمقاً وتجذراً. لذلك الحركات الاسلامية قد يموت بعضها الذي لا يحمل قدرة على مواكبة الحياة، ولكن الحركات التي تنطلق من وعيها للإنسان ومن دراستها لتجاربها ومن انفتاحها على كل التطورات في العالم ومن ممارستها للنقد الذاتي ستبقى. ومنذ كان الاسلام واجهته التحديات وقد يمر بحال ضعف واضطهاد لكنه لن يسقط بل يظل في حركة تصاعدية لأن القضية هي قضية ان الانسان كله بحاجة الى الاسلام كله.
ألا تعتقد ان هناك حاجة الى حركة اصلاح ديني تنفتح على الآخرين وتخرج المسلمين من اطار الاطلاقية في رؤيتهم الى الغرب الى رحاب الحوار والتفاعل معه؟
نعتقد بأن المسلمين أصيبوا بالكثير من التخلّف في فهم الاسلام، من خلال عناصر التخلف التاريخية ومن خلال مواقع التخلف الثقافية، لذلك علينا ان نعمل على دراسة الاسلام دراسة عميقة من الداخل بغض النظر عن ردود الفعل السلبية او الايجابية من هنا وهناك لأن المسألة هي ان نعرض الاسلام كما أنزله الله وكما ينفتح على كل مشكلات الانسان في الحياة لأن الله قال لنا: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم"، فالإسلام هو دعوة الى الحياة المتحركة المنفتحة على الانسان كله وعلى الحياة كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.