على رغم وجود توافق في بعض الاهداف البعيدة المدى، فإن من السهل ملاحظة اختلاف كبير في موقفي الولاياتالمتحدة وأوروبا تجاه اسرائيل. فالاصرار الأميركي على دعم اسرائيل واضح وثابت وهو يختلف عن موقف أوروبا المتأرجح بين الدعم الخفي تارة، وبين الانتقاد الذي قد لا يتجاوز وسائل الاعلام، تارة اخرى. وتتحمل أوروبا مسؤولية تاريخية ورئيسة في تكوين الدولة الصهيونية على أرض فلسطين. بينما يتعاطف الاميركان، وخصوصاً البروتستانت منهم، مع اليهود لأنهم يعتبرونهم ضحايا تعرضوا لاضطهاد أوروبي طيلة قرون. فهم يعتبرون أنفسهم أكثر انسانية ورأفة من الأوروبيين الكاثوليك. وقد قام اللوبي اليهودي المنظم بعمل دؤوب لكسب الشعب الاميركي الواقع تحت تأثير الصدمة التي أحدثتها عمليات إبادة اليهود في أوروبا. ويتعمد الأوروبيون الآن نسيان ما حدث لليهود في الماضي، ويحاولون التكفير عنه باستمالة يهود اسرائيل. الا ان نتائج استطلاعات رأي حديثة اكدت ان وجهة نظر الأوروبيين تجاه اليهود، وإن كان السؤال متعلق باسرائيل، لم تتغير. فأغلب الأوروبيين لا يؤيدون سياسات اسرائيل، بل هم يعتبرونها أكبر خطر وشيك على السلم العالمي. ويسيطر اليهود الأميركان الآن، وعلى رغم قلة عددهم، على أهم مراكز القرار السياسي، وعلى مفاصل الاقتصاد الأميركي وكيف أصبحوا بذلك متحكمين في الاقتصاد العالمي. وقد شجعت سياسات الولاياتالمتحدة التي تسمح للمجموعات العرقية والدينية المختلفة بالحفاظ على خصوصياتها، على بروز اليهود كأهم جالية متماسكة ومؤثرة. ولم يستفد المهاجرون العرب من مساحة الحرية المتاحة في الولاياتالمتحدة لتكوين لوبي عربي على غرار اللوبي اليهودي، ربما رجع ذلك لتأخر اكتشاف النفط لديهم، بينما سبقهم اليهود في ميدان المال والاعمال بقرنين على الأقل. وبعد تدمير الدولة العثمانية التي كانت مهابة على رغم مرضها، رأى الأوروبيون ان العالم العربي مهلهل، بعد ان تشرذم وتحوّل الى فسيفساء لدويلات ضعيفة لا حول لها ولا قوة. وكان أغلبها تحت الاستعمار او الانتداب، لا فرق. وحسبوا ان نهوض العالم العربي من سباته يتطلب قرنين او اكثر من الزمن. فقرروا تنفيذ وعد بلفور وزرع هذا الكيان الغريب. وهكذا ضرب الأوروبيون عصفورين بحجر واحد. فكان الهدف الاول تخلصهم من اليهود من على أرضهم، والثاني جعل اسرائيل شوكة في خاصرة العربي والإسلامي، ما سيجعل عدويهم السابقين في صراع دائم لمدة غير قصيرة. وقد تواصل الدعم الأوروبي لاسرائيل حتى وقف هذا الكيان على قدميه كما خطط له آنفاً. وكان هذا الدعم في أغلب الاحيان سرّياً حتى لا يغضب الاصدقاء العرب الذين هم اقرب، جغرافياً، الى أوروبا من اسرائيل. وقد تجلى هذا الدعم في سنة 1957، حين سلمت فرنسا اسرائيل التقنية النووية كرد على دعم عبدالناصر للثوار الجزائريين في حربهم التحريرية. ولم تكن الولاياتالمتحدة موافقة على تزويد اسرائيل بالسلاح النووي. كذلك تحالفت أوروبا مع اسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر الذي نأت عنه أميركا ايضاً. وقبل ايام فقط، سمعنا عن مساعدة فرنسية في تحديث الطائرات الاسرائىلية، ولعل ما خفي كان أعظم. بعد كل هذه الحقائق التاريخية، لا يزال بعضنا يراهن على وقوف الأوروبيين الى جانب العرب والمسلمين في قضاياهم، وهم الذين استعمروهم ونهبوا خيراتهم قبل اسرائيل. كما لا يزال كثير من المفكرين العرب يفندون حقيقة الاضطهاد الأوروبي لليهود، وفي اعتقادهم انهم يخدمون قضيتهم، وهم في الواقع، يؤدون خدمة للأوروبيين. ان مواقف الأوروبيين من قضايا منطقتنا تبقى مرتبطة الى حد كبير بعلاقتهم مع الولاياتالمتحدة، وبمصالحهم الاقتصادية لا غير. فإذا ساءت علاقتهم مع الولاياتالمتحدة، كما حدث في العراق، تظاهروا بمخالفتها لغرض الابتزاز فقط. وما ان تلتقي مصالحهم حتى يترك جميعهم العرب امام مصيرهم البائس. كما لم تَزُل ابداً الأطماع الأوروبية في المغرب العربي الذي لا تزال أراضيه وجزره محتلة. المبروك بن عبدالعزيز كاتب تونسي [email protected]