تعتمد سياسة أميركا في الشرق الأوسط - أقله منذ أوائل الستينات من القرن الماضي ركيزتين أساسيتين: حماية النفط وحماية إسرائيل. حماية النفط لأسباب عدة أهمها تأمين استدامة الاقتصادات الأوروبية والآسيوية التي لا غنى لها عن النفط العربي، ولا غنى للاقتصاد الأميركي عنها، وحماية إسرائيل لأسباب داخلية انتخابية. نلقي في هذا المقال نظرة تاريخية مقتضبة على هاتين الركيزتين لنستشعر إمكانية حصول أي تغيير في السياسة الأميركية الشرق أوسطية في المستقبل المنظور. عندما اكتُشف أول بئر للنفط في الخليج سنة 1908 في منطقة مسجد سليمان في جنوبإيران كانت الإمبراطورية البريطانية في أوجها وقد هيمنت على طريق التجارة بين إنكلترا والهند بعد مواجهات بينها وبين الدول الأوروبية الأخرى كإسبانيا والبرتغال وفرنسا وغيرها للسيطرة على تجارة مربحة، لا تقتصر على بضائع كالبهارات والحرير كما يقال عادةً، بل تتعداها الى تجارة الأفيون والرقيق. وفي سنة 1931 بدأ أول بئر نفط في الضفة الغربية من الخليج، وبالتحديد في البحرين، العمل، وكانت المضاربة بدأت بين الشركات الأوروبية والأميركية للتنقيب عن النفط وإنتاجه وبيعه، ولكن، كل هذا ضمن السيطرة السياسية والعسكرية البريطانية. ولكن حركات التحرر في المنطقة كانت قد بدأت لتُضعف هيمنة الإمبراطورية البريطانية. ففي إيران كانت ثورة رضا شاه الذي تسلّم الحكم سنة 1921 أضعفت قبضة بريطانيا على هذا القسم من المنطقة. ثم في أواسط العشرينات كانت ثورة عبدالعزيز بن سعود الاستقلالية في نجد والحجاز التي بدأت بعدها انتفاضة العرب ضد الاستعمار، البريطاني بالدرجة الأولى. إلا أن بداية نهاية نفوذ الإمبراطورية البريطانية في المنطقة بدأ مع انتفاضة رئيس وزراء أيران في حينه محمد مصدق الذي أمم شركة النفط الإنكليزية الإيرانية سنة 1951. حاولت بريطانيا أن تحرك جيشها وأسطولها الموجودان في المنطقة ولكن ذلك لم يثن مصدق. ولم تستطع أن تتخلص منه ألا بعد أن تدخلت وكالة الاستخبارات الأميركية ورتبت انقلاباً عليه فاعتقل ثم نفي الى قريته ووضع في الإقامة الجبرية الى أن توفي عام 1967. واستلم رئاسة الوزراء قائد الانقلاب الذي نصبته وكالة الاستخبارات الأميركية فأعاد الأمور الى ما كانت عليه مع شركة النفط الآنفة الذكر. من هذه النقطة بدأ النفوذ الأميركي يحلّ مكان النفوذ البريطاني وبدأت الشمس التي كانت لا تغيب عن الإمبراطورية البريطانية بالغياب تدريجاً. فعندما احتلت إيران الجزر الثلاث في الخليج – أبو موسى والطنب الكبرى والطنب الصغرى - لم تحرك لندن ساكناً على رغم أنها كانت دائماً تعلن أن هذه الجزر هي عربية. أما رصاصة الرحمة على الهيمنة البريطانية فقد جاءت سنة 1973 عندما قررت الدول العربية المنتجة للبترول، بقيادة المملكة العربية السعودية وملكها فيصل بن عبدالعزيز، قطع إمدادات النفط عن الدول الأوروبية التي ساندت الولاياتالمتحدة في إقامتها جسراً جوياً للإمدادات العسكرية لإسرائيل بعد أن كانت هذه الأخيرة على شفة الانكسار أمام الجيشين المصري والسوري فهددت غولدا مئير يومها باستعمال قنابل ذرية لضرب القاهرة ودمشق. وكان من نتيجة هذا الحظر أن ارتفعت أسعار النفط وجعلت الناس في أوروبا وأميركا تقف في صفوف طويلة أمام محطات الوقود كما جعلتهم يخفضون درجة التدفئة في بيوتهم الى 15 درجة مئوية واتخاذ إجراءات أخرى مؤلمة لتوفير استهلاك الطاقة. أما اقتصادياً فعم التضخم المالي هذه الاقتصادات فارتفعت الأسعار في شكل سريع كما ارتفع سعر فائدة الدولار حتى قارب ال 20 في المئة وعم الكساد الاقتصادي معظم بلدان أوروبا وأميركا وصولاً الى آسيا الشرقية. ونتيجة لهذه الحادثة تسلمت أميركا مسؤولية حماية أمدادات النفط العربي فوضعت خطاً أحمر على أي تلاعب في هذه الإمدادات. ولم تتكرر حادثة 1973. إذ تم وضع سلاح النفط جانباً على رغم حروب إسرائيل المتتالية والمساندة الأميركية المطلقة لها. وعندما قام صدام حسين بالدوس على هذا الخط الأحمر في غزوته للكويت حشدت الولاياتالمتحدة خلال 7 أشهر ما يقارب 600 ألف مقاتل إضافة إلى حوالى 200 ألف جندي من 18 دولة حليفة فأخرجت صدام من الكويت وظلت تحاصره عسكرياً واقتصادياً إلى أن نالت منه كما هو معروف. وهذا الخط الأحمر الذي وضعته أميركا منذ حظر النفط سنة 1973 تسانده الدول الأوروبية بقوة إذ أن هذه الأخيرة أعطت أميركا الدور القيادي في الشرق الأوسط وأصبحت دولها لاعبة في الأوركسترا الأميركية في المنطقة. وحتى الاتحاد السوفياتي لم يحاول يوماً انتهاك هذا الخط الأحمر على رغم الحرب الباردة الطويلة بينه وبين الغرب. ولذلك نرى اليوم أن أميركا هي التي توزع الأدوار في المنطقة برضا كل الأطراف، فهي سلمت الفلسطينيين لمصر، وإيران للأوروبيين على مستوى التفاوض اليومي، والمفاوضات السورية - الإسرائيلية إلى الأتراك ومن ثم الفرنسيين – على أن تتدخل هي عندما تنضج الأمور أو تدعو الحاجة. وتنبع أهمية الملف الإيراني النووي بالنسبة الى الأميركيين من أن حصول إيران على السلاح النووي يعتبر تهديداً لأمن النفط العربي كما تعتبره أميركا أيضاً تهديداً لأمن إسرائيل، أي أنه ينتهك حرمة الخطين الأحمرين – أمن النفط وأمن إسرائيل. حماية اسرائيل يقودنا الكلام الى الركيزة الثانية في السياسة الأميركية الشرق أوسطية، أي حماية إسرائيل. حصل الاعتداء الثلاثي على مصر عبدالناصر سنة 1956 واشتركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل واحتلت هذه الأخيرة شبه جزيرة سيناء بكاملها ووصلت الى قناة السويس قبل أن يتوقف الهجوم بأوامر أميركية، إضافة إلى التهديدات السوفياتية. وعندما رفضت إسرائيل الانسحاب من سيناء هددها الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور بقطع كل المساعدات الأميركية الى أن أذعنت إسرائيل وانسحبت من كل سيناء بعد أن اهتزت حكومتا بريطانيا وفرنسا تحت وطأة الرفض الأميركي للحرب ونتائجها. وكانت هذه أول مواجهة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل وآخر مرة يربح فيها الرئيس الأميركي هذه المواجهة. وكان سبب هذه النتيجة هو أن شعبية أيزنهاور كانت غير مسبوقة إذ أنه كان قائد قوات الحلفاء التي ربحت الحرب ضد ألمانيا النازية، وفي الوقت نفسه كان اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة ما زال في طفولته. حصلت بعدها مواجهة بين ريتشارد نيكسون – وريث أيزنهاور - واللوبي الإسرائيلي على رغم أن نيكسون أحاط نفسه بعدد من المعاونين اليهود – أمثال موري تشوتينر رئيس حملاته الانتخابية وهنري كيسنجر وزير خارجيته الذي بقي الى جانبه حتى ساعاته الأخيرة في الحكم، وعلى رغم إنقاذه لإسرائيل في حرب 1973 بإرسال الطائرات والآليات والمعلومات الاستخبارية وهي على شفا الانهيار. وكان سبب تلك المواجهة التسريبات حول كلام ناب تفوه به نيكسون عن اليهود وعن الضغوط التي كان اللوبي الإسرائيلي يمارسها عليه (وكان هذا اللوبي تطور وقوي بعد حرب 1973 التي اعتبرها اليهود الأميركيون مؤشراً خطراً محدقاً بإسرائيل يوجب مساندتها). ولم يغفر له اللوبي الإسرائيلي هذا الكلام معتبراً إياه معادياً للسامية كما يقولون فساعد في النهاية - من خلال مؤيديه في الكونغرس - على عزله من منصبه. المواجهة الثالثة حصلت في عهد جورج بوش الأب، فبعد مفاوضات فاشلة بين وزير خارجيته جيمس بيكر والإسرائيليين حول طلب أميركا إيقاف بناء المستوطنات سئل بيكر عما إذا كان سيعاود المفاوضات فقال إن رقم هاتفه هو كذا وكذا فإذا أراد الإسرائيليون أن يتكلموا معه فما عليهم سوى الاتصال على هذا الرقم. تبع ذلك قرار رئاسي بوقف المساعدات الأميركية لإسرائيل التي قد تذهب الى بناء المستوطنات. وجاء يوم الحساب في الانتخابات الرئاسية التي خسرها بوش الأب لمصلحة بيل كلينتون على رغم الشعبية الكبيرة التي كان قد حظي بها نتيجة عملية عاصفة الصحراء التي حرر الكويت من خلالها. تعلم كلينتون الدرس فجاء بأعضاء من اللوبي الإسرائيلي وسلمهم عملية السلام في الشرق الأوسط وعلى رأسهم دنيس روس ومعاونه أرون ميلر وغريمه مارتن أندك أحد مؤسسي هذا اللوبي، ورام إيمانويل كمستشار سياسي واستراتيجي وغيرهم، وهكذا أراح فكره من أية مواجهة قد تحصل بين إدارته واللوبي الإسرائيلي. أما بوش الابن الذي تبع كلينتون فقد سلم السياسة الخارجية والدفاعية للمحافظين الجدد وهم في غالبيتهم الساحقة من اليهود المتطرفين لمصلحة إسرائيل، إلى حد أنهم في يوم ما اختلفوا مع بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل في حينه لأن هذا الأخير لم يستجب طلباتهم بخصوص السياسة الإسرائيلية نحو الفلسطينيين لأنها كانت، بنظر نتانياهو نفسه، شديدة التطرف ولا يمكن تمريرها في حينه. وتظهر المساندة الأميركية لإسرائيل بوضوح من خلال استعمال حق النقض الفيتو في مجلس الأمن. فعند بداية عمل الأممالمتحدة كان الفيتو من حصة الاتحاد السوفياتي في شكل شبه كامل حتى أن كلمة فيتو في أروقة الأممالمتحدة استبدلت في حينه بكلمة «نيات» أي «لا» بالروسية. ففي المدة ما بين 1946 و 1950 استعمل الاتحاد السوفياتي حق النقض 53 مرة بينما لم تستعمله ولو مرة واحدة أي من الدول الخمس الدائمة العضوية. إلا أن استعمال السوفيات هذا الحق انخفض تدريجاً إلى أن وصل إلى أقل من مرة واحدة في السنة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، واختفى في شكل شبه كامل بعدها. أما الفيتو الأميركي فانه استعمل للمرة الأولى في بداية السبعينات ثم تكثف استعماله إلى أن وصل الى ما بين أربع وخمس مرات سنوياً في الثمانينات، لكنه تراجع مؤخراً وأصبح استعمال حق النقض في مجلس الأمن نادراً في شكل عام. والهبّة الكبيرة في استعمال الولاياتالمتحدة حق النقض التي حصلت في السبعينات والثمانينات كان سببها الدفاع عن إسرائيل، إذ أن الغالبية الساحقة أو شبه الكاملة جاءت لنقض مشاريع قرارات تدين إسرائيل بشكل أو بآخر. أما التراجع في استعمال الفيتو الأميركي مؤخراً فيعود إلى أنه تم إفهام الدول الأعضاء بوضوح أن لا جدوى من تقديم شكاوى على إسرائيل في مجلس الأمن. وكان الموقف الأكثر وضوحاً سنة 2002 على لسان مندوب أميركا لدى الأممالمتحدة - جون نيغروبونتي- والذي سمي لاحقاً بعقيدة نيغروبونتي - ويتلخص بالآتي: إن الولاياتالمتحدة ستستعمل حق النقض لكل مشروع قرار بالنسبة الى إسرائيل لا يحتوي على النقاط الآتية: أولاً: إدانة قوية وواضحة لكل أعمال الإرهاب والحض على الإرهاب. ثانياً: إدانة بالاسم ل «شهداء الأقصى» و «الجهاد الإسلامي» و «حماس»، أي المنظمات الفلسطينية التي أعلنت عن مسؤوليتها عن هجمات إنتحارية في إسرائيل في وقت أو في آخر. ثالثاً: نداء الى كل الفرقاء لإنهاء الأزمة. رابعاً: الطلب بتحسين الحالة الأمنية كشرط لأي نداء لانسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية لمواقع ما قبل أيلول (سبتمبر) 2000 أي بداية الانتفاضة الثانية. واليوم يحاول باراك أوباما أن يتعامل مع إسرائيل في شكل يخالف توجهات حكومتها اليمينية المتطرفة على قاعدة أن أمن إسرائيل هو هدف استراتيجي أميركي، لكنه لن يتم تحقيقه في شكل كامل ونهائي إلا إذا توصلت إسرائيل الى تحقيق السلام مع الفلسطينيين والسوريين. عهد اوباما قرر أوباما مواجهة إسرائيل على رغم علمه بما حصل لسابقيه معتبراً أن باستطاعته ربح هذه المواجهة لسببين رئيسيين: أولاً: أنه - أي أوباما - وصل الى سدة الرئاسة بمستوى شعبية هو الأعلى بين الرؤساء منذ بدأت الاستطلاعات في هذا المجال، وأن مسانديه، من يهود وغيرهم، متحمسون له ولا يتركونه بسهولة. ثانياً: أن اللوبي الإسرائيلي انقسم على نفسه بظهور مجموعة جاي ستريت قبل وصول أوباما الى الحكم بسنة، وهي تنادي مثله بالسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل بناء على فكرة الدولتين وحدود 1967، على أساس أن أمن إسرائيل في الأمد البعيد لا يتأمن إلا من خلال السلام مع العرب. واستعمل أوباما بعضاً من طريقة كلينتون فعين مؤيدين معروفين لإسرائيل كرؤوس حربة في مواجهة اللوبي الإسرائيلي اليميني - أي منظمة إيباك في شكل خاص – منهم رام إيمانويل – رئيس موظفي البيت الأبيض – ابن الإرهابي بنيامين إيمانويل حامل الجنسيتين الإسرائيلية والأميركية والذي كان عضواً في منظمة إرغون المسؤولة عن فظائع إرهابية عدة كتفجير فندق الملك داود ومجزرة دير ياسين وغيرهما. ومن المعروف أن رام إيمانويل كان تطوع في الجيش الإسرائيلي خلال حرب الخليج الأولى وأنه من المقربين من منظمة إيباك. ومنهم كذلك دايفيد أكسلرود كبير مستشاري البيت الأبيض وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية وغيرهما. ولكن رغم كل ذلك لم يتطابق حساب الحقل مع حساب البيدر. حاول أوباما مواجهة الحكومة الإسرائيلية في قضية بناء المستوطنات على أساس أن يتوقف هذا البناء كلياً كشرط لبدء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. بدأت حملة اللوبي الإسرائيلي اليميني (إيباك) على أوباما مباشرة إذ استطاع اللوبي أن يحصل على تواقيع أغلبية من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ على رسالة موجهة إلى أوباما تطالبه بعدم الضغط على إسرائيل. وظهرت مقالات تهاجم أوباما على أنه «أكبر عدو لإسرائيل» بعكس بوش الذي كان يعتبر «أكبر صديق لإسرائيل» كما بدأت بعض وسائل الإعلام الموالية لإسرائيل، بنعت رام إيمانويل «باليهودي الذي يكره نفسه» (self-hating Jew) حتى وصل الأمر بما يسمى باليمين المسيحي الى توزيع منشورات وقمصان كُتب عليها «صلوا لأوباما سفر المزامير رقم «8:109»، ويقول هذا السفر «لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن، وليأخذ وظيفته (شخص) آخر». ولهذا السبب (وأسباب أخرى تتعلق بتغيير النظام الصحي وحرب أفغانستان وغيرهما) انخفضت شعبية أوباما من أعلى مستوى شعبية لأي رئيس أميركي عند دخوله البيت الأبيض إلى أقل مستوى شعبية لأي رئيس أميركي بعد تسعة أشهر على تسلمه الحكم. وأمام هذا الانخفاض غير المسبوق في شعبيته بدأ أوباما بالتراجع أمام اللوبي الإسرائيلي فقبل بإيقاف موقت للاستيطان باستثناء القدس حيث ستبني إسرائيل أكثر من 1000 وحدة سكنية في الشهر خلال هذه المدة إضافة الى الوحدات التي يعلم الجميع أنها ستبنيها في أماكن مختلفة بذريعة أو بأخرى. وهكذا خسر أوباما معركته الأولى (ولربما الأخيرة) مع اللوبي الإسرائيلي وبدأت سياسة أميركا تعود إلى حالتها الطبيعية التقليدية، أي حماية إسرائيل بالشروط الإسرائيلية. في الخلاصة، نعود إلى بداية هذه الكلمة بأن حماية إسرائيل وحماية النفط هما الركيزتان الأساسيتان لسياسة أميركا الشرق أوسطية لم تتغيرا منذ أوائل الستينات. فأميركا لن تسمح لأحد بالتلاعب بأمن النفط العربي وهي مستعدة لاستعمال كل ما أوتيت من قوة لمنع ذلك وهي تحمي إمدادات النفط العربي باسمها واسم البلاد الأوروبية والشرق آسيوية التي تساندها في هذا المجال نظراً لحاجتها لهذا النفط وتسليمها أمر حمايته للولايات المتحدة. وأميركا لم تغير من علاقاتها مع إسرائيل منذ أوائل الستينات على رغم محاولة بعض رؤسائها من دون جدوى مواءمة حماية إسرائيل مع المصالح الأميركية، ولن تتغير هذه العلاقة لتصبح أقل انحيازاً لإسرائيل إلا إذا ضعف اللوبي الإسرائيلي اليميني داخل الجالية اليهودية الأميركية أو ترعرع وقوي اللوبي العربي الذي بدأت طلائعه بالظهور بشيء من الوضوح منذ انتخابات سنة 2000 الرئاسية الأميركية، وهذه أمور تتطلب بعض الوقت حتى لو نجحت. ولذلك فانه من الصعب أن يتصور المرء حصول أي تغير جذري في هذه السياسة في المستقبل المنظور. أما الاتكال على قدرة أي رئيس أميركي، في الحالة الحاضرة، على تغيير هذه السياسة - فنهلل له كما هللنا لنجاح باراك حسين أوباما في الانتخابات الرئاسية وكأنه صديق العرب ومخلصهم - فيبقى ضرباً من الخيال. * سفير لبنان السابق في واشنطن رئيس مركز الدراسات والمشاريع الإنمائية (مدما).