خاض مناحيم بيغن انتخابات الكنيست ثماني مرات على رأس لائحة "حيروت" "ليكود" لاحقاً، وخسر. ولم يفز بغالبية الاّ في المرة التاسعة، في 1977، واصبح رئيساً للحكومة. ومع ذلك، خلال ال29 سنة التي سبقت هذا الانتصار، لم يكن موقعه كزعيم للحزب مهدداً. وبصفته القائد الاعلى السابق ل"إيرغون" في ظروف العمل السري، وكخطيب جماهيري قادر على إثارة مشاعر عامة الناس فضلاً عن ادائه الرائع في البرلمان، كان محصناً تجاه الهزيمة ويحظى بإعجاب اعضاء الحزب حتى عندما يمنى بهزيمة كاملة. ولم تتغير هذه الحال على امتداد تلك السنين التي امضاها في صحراء البرلمان، باستثناء مرة واحدة: بعد الهزيمة الانتخابية في 1965، فقد رفع نجم صاعد، وهو المحامي المعروف المناهض للفساد شمويل تامير، راية التمرد داخل الحزب مطالباً باستبدال بيغن. كانت هناك حاجة الى وجه جديد وجه تامير، بالطبع، والى برنامج جديد من اجل اجتذاب اسرائيل جديدة لا تتذكر امجاد العمل السري. كانت المعركة حامية وشنيعة، ولجأ بيغن، على رغم خطابه الشعبوي والدعوة الى التوحد في مواجهة المحن، الى المقامرة بكل شيء. وفرض انشقاقاً في الحزب. فطرد تامير مع مريديه وكان احدهم إيهود اولمرت. لكن بيغن اكتسب وجهاً "وسطياً" جديداً بفضل الاندماج مع "الحزب الليبرالي" الصغير ولكن المعروف، اضافة الى انضمامه الى حكومة الوحدة الوطنية عشية حرب 1967. وفي انتخابات 1969 ارتفعت حصته من الأصوات. وكان اداء حزب تامير ضعيفاً. انضم معظم اعضائه، ومن ضمنهم اولمرت، في النهاية الى ليكود. مع ذلك، بقيت ذكرى هذا الصراع الداخلي عندما قاتل رفاق العمل السري القدامى احدهم الآخر بلا هوادة في فروع الحزب - تعتمل في الصدور. وهي ما تزال، الى حد ما، تلازم ليكود. هكذا صيغ معتقد من نوع ما: لا تفكر ابداً بانشقاق. وفي مرحلة ما بعد بيغن، تحت قيادة اسحاق شامير التي واجهت منافسة قوية، عندما تحداه مراراً منافسون شعبويون خصوصاً ليفي وشارون في 1988 و1991-1992، كبح كلا الطرفين حماسته في اللحظات الحاسمة، وابرما اتفاقات موجعة. وينطبق الشيء ذاته على المعارضة الاسوأ بكثير ل"بيبي" نتانياهو، خصوصاً من شارون في 1997- 1999، كانت جلسات اللجنة المركزية لليكود عاصفة وصاخبة. وفي بعض الاحيان كانت الجلسات تعلّق بعدما يدخل متهورون في اشتباك بالايدي يبثه التلفزيون على الهواء. لكن شخصيات اكثر هدوءاً كانت تفرض سيطرتها في النهاية. وجرى التوصل الى حلول وسط، لفترة من الوقت على الاقل. هذه هي الخلفية التي ينبغي ان تؤخذ في الاعتبار عند تفسير الاحداث التي يشهدها ليكود منذ ان اعلن شارون، قبل ثمانية اشهر، نيته تنفيذ "خطة الانسحاب" من قطاع غزة والطرف الشمالي الغربي للضفة الغربية، ليخلق بذلك ايضاً سابقة اخلاء مستوطنات، أي ذبح احدى بقرات ليكود المقدسة. وكما جادلت في هذه الصفحات قبل 6 اشهر، فان هذا النزاع الداخلي وليس "اتفاق جنيف" الذي جرى الاسراف باطرائه هو الذي يمكن ان يقرر مصير اسرائيل والنزاع العربي الاسرائيلي ايضاً لسنوات مقبلة. قبل نصف سنة، لم يعرض سوى الفصل الاول من المسرحية. وشهدنا الاربعاء الماضي، في مؤتمر اللجنة المركزية لليكود، ذروة الفصل الثاني. وكما يعرف القارئ بالتأكيد فان شارون مني بهزيمة على ايدي ما يسمى بالمتمردين. وهذا لا يعني انه لم يكن يتوقع حدوث ذلك على رغم العمل الاحسن تنظيماً الذي انجزه رجاله هذه المرة، بخلاف الاداء غير المتقن قبل استفتاء الحزب في الربيع. وكانت الاجواء في بطانته كالحة على مدى اسبوعين على الاقل، الاّ ان تصميمه على مواصلة المعركة و"الانسحاب" كان واضحاً. لكنها كانت هزيمة. لم يعد رئيس الوزراء يتحكم بحزبه على رغم ان "خطة الانسحاب" التي يتبناها تحظى بتأييد ثلثي ناخبي ليكود. ويبدو الانجاز الذي حققه المتمردون لافتاً اكثر، أخذاً في الاعتبار ان لديهم زعيماً باهتاً يفتقر الى الحيوية هو عوزي لاندو. انه يتصف بالصدق والصرامة الايديولوجية، ويعاني ضعفاً في القدرة على مخاطبة الجمهور، يشغل حالياً منصب وزير من دون وزارة. ويحيط به بضعة نواب طموحين للغاية من الصف الثاني. وكان موقف "بيبي"، الذي يبدي تحفظات قوية بشأن "الانسحاب"، متقلباً كالعادة. فهو، على رغم كل تحفظاته، يدعم علناً شارون الذي يحتاج اليه كي ينجح كوزير للمال ويضع حداً للشكوك بشأن ما اذا كان مجرد متكلم معسول اللسان لا يملك اي قدرات تنفيذية. إضافة الى ذلك، يفضل "بيبي" الى حد كبير ان يرى شارون يضعف تدريجاً ولكن بثبات ويتخلى عن موقعه في النهاية، ليمهّد بذلك الطريق لعودة "بيبي" الى السلطة على نحو سلس. لذا صوّت "بيبي" رسمياً لمصلحة رئيس الوزراء في اللجنة المركزية، لكنه تجنب القاء كلمة. والنتيجة هي ان خزياً مضاعفاً لحق به: يشك كلا المعسكرين به لكونه "شخصاً مخادعاً". الشيء ذاته ينطبق على شخص آخر متقلب: وزير الخارجية سيلفان شالوم. لكن لا يمكن التغاضي عن حقيقة ان المتمردين، على رغم ضعف قيادتهم، انتصروا، في "الفصل الثاني" على الاقل. وكون شارون يفتش عن شركاء جدد في الائتلاف الحاكم يرجع الى حقيقة ان المتمردين يتحكمون ب11 وربما 12 عضواً من اعضاء كتلة ليكود في الكنيست الذين يبلغ عددهم 40. لذا فإن "خطة الانسحاب" تحظى، في احسن الاحوال، بتأييد 47 او 48 من اعضاء الكنيست المنتمين الى احزاب الائتلاف. الأعضاء الثلاثة المتبقين من الحزب الديني القومي سيصوتون ضدها أيضاً. من هنا الحاجة الى حزب العمل وحزب "حارديم" الاشكنازي. يرفض "شاس"، حزب السفارديم اليهود الشرقيين، خطة شارون. وتتحدر الكتلة الاساسية للمتمردين من النواة الايديولوجية ل"إيرغون" وحزب حيروت. كان والد لاندو شخصية بارزة في كلاهما. وهي كتلة ما تزال ملتزمة فكرة اسرائيل الكبرى. ويتمتع هؤلاء بالدعم المعنوي والتنظيمي والمالي من جانب الحركة الاستيطانية. وعلى نحو مماثل ترك مستوطنون كثيرون صفوف ليكود، قبل سنتين او ثلاث سنوات، وانضموا الى ليكود، مبررين ذلك بان المعركة الفعلية ستجرى داخل الحزب الأبرز. ونجحت هذه الكتلة في اجتذاب حشد متنافر من الساخطين يتألف من اعضاء في الكنيست كان في ودهم ان يصبحوا نواب وزراء، وهم ناشطون من مراتب وسطى في الحزب يشعرون بأنهم خدعوا لانهم لم يحصلوا على اي من تلك المناصب التي يطمحون اليها في مجالس ادارة شركات الخدمة العامة وتمنح على اساس المحسوبية للحكومة، ولم يعينوا رؤساء بلديات واعضاء مجالس محلية. كما يشعر هؤلاء بالمرارة بسبب الخفوضات في الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة للبلديات. اذا اعطى شارون بيريز وزارة الخارجية كثمن مقابل انضمام حزب العمل الى الائتلاف، فان شالوم وما لا يقل عن 4 من اعضاء الكنيست سينفصلون عن معسكر رئيس الوزراء. ولا يقل لاندو شراسة عن شارون في تصميمه على المضي الى نهاية الشوط، اخذاً في الاعتبار هدف الصراع. وهو بالنسبة الى لاندو ليس سوى مصير اسرائيل الكبرى. بعض مساعديه يبدو اقل تصميماً. ويوجد هنا شيء من لعبة "من يجبن اولاً". لكن في كلا المعسكرين اطلقت كلمة "انشقاق" المحرمة، اذ يؤكد كل منهما انه ينبغي تحاشيها ولكن يلمح الى ان المعسكر الآخر يسعى اليها. وتغذي التوتر المنفعل اتجاهات خفية متنوعة: شارون يزدري "الرافضين" الذين اذلوه، والمتمردون يعبرون عن استيائهم من تعامله الخشن وتجاوزه للناشطين في قواعد الحزب الذين يكدحون من دون جدوى، وهم يشعرون بمرارة بسبب "خيانته" لمشروع الاستيطان الذي كان فعل الكثير من اجل ترسيخه. في مثل هذا الجو لا يمكن استبعاد ان يمضي كلا المعسكرين الى نهاية الطريق. وقد ينجم عن ذلك انشقاق و/او انتخابات مبكرة في "الفصل الثالث" من المسرحية. * كاتب اسرائيلي.