"ساعدوا القرصان لعد النقود الموجودة في الصندوق وتقاسموا الكنز معه... احزروا عدد النقود الذهبية الموجودة في الصندوق وادخلوا سحب الليرات الذهبية الثلاث". لخدمة تلك المسابقة، خصصت احدى الفضائيات الموسيقية العربية مساحة توازي ربع شاشتها، عمودياً، ليملأها رسم كنز وقرصان والرقم الذي على كل مشترك أن "يحزره" ويرسله. وعلى فضائية موسيقية أخرى، يحضر مستطيل آخر بلون وردي، تزيّن أسفله قلوب حمر، يستقبل رسائل الحب العمودي... وفي أسفل الشاشة، يحضر الشريط الأفقي، كموضة باتت قديمة، كصورة باتت بديهية. تعبر مداخلات المشاهدين. يتحادثون: رغبات وتعليقات كثيرة تنتشر كانتشار المراهقين في أرض وطن. يريد أن يتزوج من شقراء، تريد أن يتأكد ميدو من إخلاصها. ميدو؟ لا، ليس لديه أي شك، هي تغيظ فيدو، ولذلك غازلت ميدو. وهي؟ هل هي ذاتها؟ لا أحد يدري. ف"هي" كثير و"هو" كثير، والشريط يستوعب الكثير الكثير، ضمن حدود "أخلاقية" تحرص ألا تصطدم، و"راحة" المتفرجين الشباب... يسرع الشريط في عبوره، ارتفاعه يضيق بكمية الكلمات التي تعبره، عليه أن يسرع. وفجأة، ومن دون إنذار، يقفز مربع من الشريط الأفقي، عند الزاوية المقابلة للقرصان، لتحضر فيه صورة. الصورة هي لمواطن. تبدو غريبة جداً صورة المواطن في مربع في أسفل القناة الفضائية ومن داخل فيديو كليب كثيراً ما ترقص فيه فتاة، فتاة أو فنانة. تكسر تلك الصورة الزمان والمكان، فتحضر متشنجة من على طرف كنبة، كأن صاحبها استيقظ للتو من النوم، بألوان الصورة الهاتفية وليس تلك الممنتجة تلفزيونياً، بألوان كئيبة بات من المرحب بها تلفزيونياً. هل انتهى المشهد عند هذا الحد؟ كلا طبعاً. أعلى الشاشة يحوي، وفي شكل أفقي أيضاً، كلمات وأرقام حاضرة، كالرمز الإنتخابي، للدلالة على الأغنية، عند طلبها، هاتفياً. أفقياً، عمودياً... فأفقياً، فهاتفياً. كالإطار تحيط الرسائل الهاتفية بالشاشة. فنانون يقبعون في إطار من الهواتف الخلوية، كعيّنة من البضاعة التي يمكن تأمين "طلبية" منها، بواسطة رسالة هاتفية. ينصرف "الفنانون" للترفيه عن مشاهدين يبحثون عن الرقم السري. وإن خطرت على أي بال أغنية محددة بينما هم يتحدثون، بينما هم يفكرون، ليس عليهم إلا أن ينظروا إلى أعلى فيطلبون الرقم الموجود على الشاشة. أما الموسيقى، فتحضر كمجرد خلفيّة على تلك قنوات. خلفية موسيقية تضفي بعض الطابع السعيد على تجارة إلكترونية. لذلك، ربما، تسعى "الفنانات" جاهدات للفت نظر القابع خلف هاتفه. غابة من الرسائل الهاتفية تحد قطاع الموسيقى المتلفزة. غابة من المصالح التجارية المتبادلة تحكم فناً حديث الولادة في الوطن العربي: فن الفيديو كليب. لا بد لمخرجيه من أن يأخذوا في الإعتبار، عند الإخراج، حجم المساحة المخصصة لصورتهم ولنجمهم من الشاشة. عليهم أن يخرجوا على مقياس الهاتف. فالهاتف ينتج الكليب، بطريقة غير مباشرة، ولذلك على الهاتف أن يتشارك المساحة والكليب. هو تحالف التلفزيون والهاتف، على إيقاع موسيقي. كم تبدو مسألة النوع الموسيقي، حينها، عبثية... كمن يبحث في ألوان فراشة ترفرف فوق مستنقع، كمن ينتظر وردة تنمو في حقل ألغام.