السماء وقاع البحر في آخر تموز يوليو 1944 ركب انطوان دو سانت - اكزوبيري طائرته الاميركية ليحلّق فوق جنوبفرنسا ولم يعد. ساد الاعتقاد بأن الطائرة المقاتلة اسقطت فوق جبال الألب وكبرت اسطورة الكاتب الذي اصبح بطل حرب. في نيسان ابريل الماضي كان على وزارة الثقافة الفرنسية ان تعترف ان طائرة سانت - اكزوبيري سقطت في الواقع في مرسيليا لأسباب قد لا تحدد ابداً. اختارت الحكومة نفاد الاوكسجين سبباً للحادث في غياب أي دليل على اي سبب. تحتفل فرنسا بالذكرى الستين لوفاة انطوان دو سانت - اكزوبيري وسط حرص الوسط الادبي على شهرة احد ابنائه، وتمسك الطبقة السياسية بوجه مشرق من الحرب العالمية الثانية التي اتهمت فيها فرنسا بالاستسلام السريع للنازية والتعاون السهل معها. في ربيع العام 2000 بدأت الاسطورة تتهافت عندما عثر لوك فانريل، صاحب مدرسة للغطس في مرسيليا، على جهاز هبوط لطائرة لوكهيد لايتننغ اف-5 في البحر. فور استخدام هذه الطائرة في منطقة العمليات في المتوسط حيث اسقطت ثلاث فقط منها. كان فانريل عثر على حطام طائرتين، وعندما وجد حطام الطائرة الثالثة ادرك انه امام قبر انطوان دو سانت - اكزوبيري. لم يبتهج الجميع بالاكتشاف الذي قايض وضعاً ملائماً بحقيقة مزعجة. اسرة الكاتب الثرية استخدمت نفوذها لغرض منع على الغطس والصيد في منطقة البحث، ولم يرفع المنع الا بعد ان تفحصت شركات التنقيب وأقنية التلفزيون الحطام. في الخريف الماضي رفع هذا، واذا به خالٍ من ثقوب الرصاص. لم تُسقط طائرة الكاتب المقاتل بل اسقطها هو في البحر، على ان كثيرين يرفضون مجرد التفكير ان البطل انهى حياته القصيرة بنفسه. تعلم الطيران اثناء الخدمة العسكرية لكنه لم يكن طياراً ماهراً. افسدته والدته بعد وفاة والده، فبقي يتكل عليها في مراهقته وأول رجولته. فشل في البحرية والعمل المكتبي وبيع الشاحنات، ووجد خلاصه اخيراً في الطيران. عندما قام بالمهمة الاولى للبريد الجوي مر قرب المحلات المضاءة وهو يتوهج ب"نشوة الاحتقار المتكبرة". كان الطيران مهمة مقدسة، وأحس الطيارون بالتفوق الروحي بستراتهم ونظاراتهم الخاصة وتحليقهم فوق الجميع. عندما انتقل الى سلاح الجو وجد الطائرة الاميركية اكثر تطوراً من قدرته على السيطرة. انتقدها وتعرض للاهانة عندما اوقف عن الطيران. اتصل بالجنرال دوايت ايزنهاور، القائد الاعلى للحلفاء، لكن الجنرال شارل ديغول ألمح في خطبة الى تعاون سانت - اكزوبيري مع حكومة فيشي المؤيدة للنازيين، مستنداً اساساً الى بيع كتابه "رحلة الى أراس" في فرنساالمحتلة. اقتنع ديغول بأن سانت - اكزوبيري حرّض الاميركيين ضده، وامتنع الكاتب عن تأييد الجنرال علناً. طموح العسكري السياسي، قال لأصدقائه، تقدم على مصلحة فرنسا. كانت الغلبة للسيف. وضع الجنرال الكاتب تحت المراقبة، منع بيع كتبه في فرنسا الحرة، ورفض طلبه المشاركة في القتال. فكر في وصمة الخيانة التي ستلازمه بعد التحرير، وبدأ يكثر من الشرب. حوادث الطيران التي تعرض لها احداها في صحراء ليبيا في 1936 خلّفت وجعاً لا يطاق في الرقبة والظهر. والديون الكبيرة التي راكمها اصباته باليأس. لو عاش كان اثرى من كتاب واحد. ترجم "الأمير الصغير" الى مئة لغة، وتباع منه سنوياً في العالم مليون نسخة. اختاره الفرنسيون كتابهم المفضل في العام 2000، ويصمد في شكل دائم مع كتابين آخرين له في لائحة الكتب العشرين الاولى. زوجته اضافت الى ثقل قلبه. كانت كونسويلو غوميز كاريو من السلفادور، وصعقت زوجها الثالث من النظرة الاولى. قيل ان عجزه تسبب بفشل الزواج، لكنه اتخذ عشيقات كثيرات او جاهرت كونسويلو بعلاقاتها بلا حرج. عاد يقاتل مع سربه بعد منع طال ثمانية اشهر، لكن انحدار مستواه اقلق رؤساءه، فاتفقوا سراً على منعه من الطيران. قبل اختفائه بثمانية ايام ذكر لقائد سربه انه سيختفي يوماً ما والافضل ان يفعل في مهمة قتال. اعطاه اوراقه الخاصة وأخبره ماذا يفعل بها في حال موته. كان شكا لأصدقائه من سيطرة الآلة والاستهلاك في العالم الذي يقف خلف الزاوية. ينتظر نهاية الحرب، ووجد سعادته في الطبيعة، بعيداً من الحضارة، على ملمس من "قشرة الكوكب العارية". زوجته التي ورثت نصف حقوق الطبع تركتها مع الاوراق الخاصة لسائقها خوسيه مارتينز عند وفاتها في 1979. كانت اوحت شخصية الوردة في "الأمير الصغير" وأملت على عشيقها ديني دو روجمون، نموذج شخصية الثعلب، "ذكريات الوردة" الذي اتهم سانت - اكزوبيري بالقسوة والطمع والانانية والخيانة. لم تنشر المذكرات فأصدرها ورثتها في العام 2000 وانبهجوا بتصدرها قائمة المبيعات، على ان الكتاب فقد صدقيته عندما اكتشف صحافي سويسري ان دو روجمون كتب المخطوطة لا كونسويلو. كان سانت - اكزوبيري 1900-1944 سيد الاختزال، واختصر "رحلة ليلية" من 400 الى 180 صفحة قبل الطبع، كلمة زائدة واحدة قد تفسد كل شيء، قال، ورحل من دون ان يقول كلمة واحدة. الى الوراء دُر حدد كبير اللاهوتيين في الفاتيكان، الكاردينال جوزف راتزنغر، دور النساء في رسالته الى اساقفة الكنيسة الكاثوليكية عن "تعاون الرجال والنساء في الكنيسة والعالم". في اهم بيان عن دور النساء في نحو عقد، حث هذا المرأة على "الاصغاء، الترحيب، التواضع، الاخلاص، المديح والانتظار" التي امتلكتها مريم العذراء بقوة وفي شكل طبيعي. على رغم مطالب نسويات بما هو "لنا" احتفظت النساء بحدس عميق بالخير في السلوك الذي ينتج الحياة ويساهم في نمو الآخرين وحمايتهم. لكي تحقق النساء انفسهن عليهن ان يعادين الرجال، لكن التفكير القتالي ادى الى فوضى مضرة كانت لها آثار مدمرة في تركيب الاسرة. قدرة المرأة الفريدة على الانجاب تتيح لها النضج بسرعة ومعرفة جدية الحياة ومسؤولياتها. ولأن مساهمتها فريدة عليها الحضور في عالم العمل ومؤسسات المجتمع. لكن ثمة نساء يرغبن في تكريس انفسهن للمنزل وعليهن ان يقمن بذلك من دون ان يلعنهن المجتمع او يعاقبهن ويمكن النساء اللواتي يرغبن في القيام بعمل آخر ان يفعلن ذلك ضمن برنامج ملائم لا يفرض عليهن الخيار بين التخلي عن اسرتهن وتحمل ضغوط دائمة. علينا العودة الى الستينات. من اين نبدأ؟ أبواب العالم للسنة الثالثة على التوالي اختار الفرنسيون عجوزاً في الخامسة والتسعين امرأتهم المفضلة وسط التساؤل ما اذا كنا نعطي الاجوبة الحقيقية في استطلاعات او تلك التي علينا اعطاؤها لكي نتظاهر بالعمق والجدية. تغلبت الأخت ايمانويل على نجمات الفن ونام الفرنسيون هنيئاً لأنهم برهنوا ان الضمير الجمعي لا يزال يقظاً. اول السبعينات كانت الراهبة تزور القاهرة وراعها وضع جامعي القمامة، فقررت العيش معهم. عادت الى بلادها بعد اكثر من عقدين عندما اعاقت سنها التزامها. تحولت نجمة اعلامية وأسرت مواطنيها بحماسة ضميرها وشبابه. خاطبت، وهي تعرف ولا تعرف، كاثوليكية فرنسا النائمة. جسّدت تعاليم المسيحية في وقت شكت الكنائس من قلة المصلين والراغبين في الكهنوت. انتقالها من ازقة القاهرة الفقيرة الى صالونات باريس لم يرهبها. اقنعت المحسنين والسياسيين بالتبرع لجمعياتها الخيرية التي تهتم اساساً بالأطفال المحرومين في العالم، وزارها الرئيس جاك شيراك ومنافسه وزير الدفاع نيكولا ساركوزي في مقرها في جنوبفرنسا. ربحت قلوب الفرنسيين باعترافها بالطبيعة البشرية وتغيرات العصر. تؤيد زواج الكهنة واستخدام موانع الحمل، ولا تعطي نفسها اهمية الأم تيريزا. تبقي جمعياتها الخيرية مستقلة عن الكنيسة، وأصدرت في الربيع "ما غاية الحياة؟" الذي باع 120 ألف نسخة. دهشتها شعبيتها لكنها تقول بمرح انها لن تنفعها عندما تقف على ابواب السماوات. او تظهر على شاهد قبرها. لاعب كرة القدم من اصل جزائري زين الدين زيدان شاركها محبة الفرنسيين. اختير الفرنسي المفضل ولكن سقط بعد ان انسحب الأب بيير الناشط في العمل الخيري من المنافسة. فاز الكاهن سبع عشرة مرة آخرها العام الماضي وقال كفى. طريق آخر لم ينهِ رئيس اساقفة يوركه ديفيد هوب ولايته في القصر الجميل القديم الذي خصص له. طلب العودة كاهن رعية بسيطاً وكان له ما اراد. لم يرتح وسط ابهة المنصب لكنه قبله لأنه كان ارادة الله، وأعاد للكنيسة سنوياً 12 ألف جنيه استرليني من راتبه البالغ 50 ألفاً. سيتقاضى 18 ألفاً سنوياً بعد تخليه عن منصب الرجل الثاني في الكنيسة الانغليكانية. تخلى قبل ذلك عن وراثة شركة والده لأنه "دعي" الى الكهنوت. انتقد عمل الكنيسة الممل في المستويات العالية لشموليته ومحاولته حل كل المشاكل بتشكيل لجان. يفضل زيارة الناس في بيوتهم وعقد زيجاتهم والصلاة على موتاهم وتعميد اطفالهم. وقّع مع رئيس الكنيسة الانغليكانية الدكتور روان وليامز رسالة الى رئيس الوزراء انتقدت معاملة الاسرى العراقيين. وساهم في تعبيد الطريق امام النساء في الكهنوت الذي أقر قانونه في اول التسعينات.