اختتم مهرجان الجاز في بيروت برنامجه أول من أمس بسهرة موسيقية استثنائية، كان الجمهور خلالها على موعد مع الموسيقي الهندي العالمي زكير حسين وفرقته التي قدمت أداءً موسيقياً عالياً وسط حضور جماهيري كبير أتى خصيصاً ليستمع إلى زكير الذي أطرب الجمهور وجعله يتفاعل مع موسيقاه النابعة من التراث الهندي في طريقة تلقائية، وكأنها ليست بالغريبة أو البعيدة عنه. مشهد زكير وفرقته يذكر بالموسيقي الباكستاني الراحل نصرت فتح علي خان، الذي كان علامة مهمة في المشهد الموسيقي الغربي، إذ كان الجمهور يتوافد بكثافة كبيرة لحضور أمسياته، وكأنه ذاهب الى حلقة من حلقات "الدراويش" ينتشي فيها روحاً قبل أن يطرب لها جسداً. التراث الهندي هو الآخر له هذه الخصوصية الروحية. وهي خصوصية تغور في عمق التصوف الهندي، الذي انبثقت منه موسيقى زكير، مازجاً إياها مع الموسيقى الغربية عبر إدخال آلة الغيتار من دون أن تأتي غريبة عنها. في حفلته الأخيرة قدم زكير حسين وأربعة من رفاقه مقطوعات موسيقية وغنائية عدة، كانت بدايتها مع المنشد الهندي شانكر، الذي قدم وصلات مختلفة أظهر فيها مقدرته على التنقل بين طبقة وأخرى، وقدرة على التناغم الصوتي مع الموسيقى المرتجلة. شانكر كان يغني وكأنه يخاطب جمهوراً يفهم لغته، متجاوزاً حاجز اللغة، ليكون الصوت هو الأساس، وليتحول الأداء اللحني الى جزء من التوليفة الموسيقية للمقطع المُنشد. عازف الإيقاع والرق الهندي سلفا جانيش كان هو الآخر نجماً صفق له الحضور كثيراً. وقدم سلفا مقطوعة منفردة ليست بالقصيرة، أظهر من خلالها قدرة عالية على الضرب على الرق، متفنناً في تنويع الإيقاعات الصادرة، بين أداء يمزج الهندي بالعربي وتحديداً المصري، ليتبعه بعد ذلك زكير حسين في وصلة منفردة على الطبلة. عازف الغيتار جون ماكلهلنج وعازف الماندولين شرينيفاز قدما وصلة مشتركة مع الجميع، جاءت على شكل حوار بين الآلات المختلفة، في عزف ارتجالي اتسم بالسرعة والمرح في آن معاً. حوار الآلات تلته مقطوعات عدة مشتركة، كان للطبل والرق فيهما حضوراً طاغياً، من دون أن يعني ذلك غياب الدور الأساس للغيتار والماندولين، إلا أن الجمهور كان مأخوذاً بأداء سلفا جانيش وزكير حسين. خاتمة موفقة لمهرجان الجاز البيروتي الأول، وهو الذي بدأ متواضعاً مع عابد عازرية، على رغم أهمية عازرية وموسيقاه، إلا أن الحضور تلك الليلة كان قليلاً جداً، واقتصر على بضع عشرات من المهتمين. الفرق الموسيقية اللبنانية التي كانت تقدم عروضها قبل وبعد العرض الرئيسي كل ليلة يمكن التساؤل عن معنى ومغزى حضورها؟ فهل هو حضور تكميلي وحسب، وكأنها مجرد خلفية موسيقية للجمهور أثناء استراحته قبل وبعد الحفل الرئيسي أثناء احتسائه الشاي، أم أنه حضور أساسي يهدف منه تقديم عروض موسيقية تتكامل مع الحفلات الرئيسية؟ كان من الأفضل أن توضع هذه الفرق الموسيقية في سياقها الصحيح ومكانها المناسب، بخاصة أن بينها فرقاً لها حضورها وأعمالها المميزة مثل فرقة in-version، التي من الممكن أن تنتقل في المهرجانات المقبلة من الهامش إلى المتن.