بين ليل بيروت وليل طوكيو مسافات شاسعة وثقافات تختلف حدّ السيف، لكن «أسطورة الغيتار» الياباني ريو كواساكي استطاع في حفلته أول من أمس على خشبة مسرح بابل في بيروت، أن يمدّ جسوراً عبر نغماته الموسيقية ربطت الحضور بثقافته العريقة وأبحرت بهم الى أبعد من الأمكنة والأميال والحضارات. الرجل النحيل ذو الشعر الأبيض الناعم الطويل، حوّل غيتاره أوركسترا موسيقية كاملة ليعزف لنا مقطوعات من تأليف زملائه، أو من تأليفه وهو المعروف كمؤلف موسيقي وأول من وضع برنامج كومبيوتر تأليفي للموسيقى الإلكترونية، مع انه مجاز في فيزياء الكوانتوم إضافة الى انه منتج للموسيقى ومؤسس شركة «ستلايتس» للأسطوانات. يغمض الستيني «الشاب» عينيه وتخطو أنامله السحرية في شكل لا إرادي على أوتار الغيتار ممسكاً به كأب رؤوف يحمل طفله الراشد. يركع أرضاً أو يجلس على الكرسي، ينحني ثم يقف جاعلاً جسده ركيزة أو مساحة حرّة للآلة. يتفاعل مع الآلة ويطوّعها لتتفاعل معه، فيمسيان نغمة بل نغمات تتحاور في ما بينها. تارة يعلو صوت الحوار المتشنّج، وتارة ينخفض لنشعر أننا أمام مشاهد درامية مختلفة، حزينة رومنسية، ثائرة وساكنة، حالمة ومشرئبّة. وكواساكي الذي يعدّ أحد أهم عازفي الغيتار في العالم ومعروف في عالم ال «جاز فيوجن» الذي يعتبر أحد مؤسسيه الى جانب جون مالافن وغيره، يعرف كيف يقفز بين النوتات الموسيقية ليرتجل نغمات استثنائية كما فعل في المقطوعة ما قبل الأخيرة في الحفلة بعنوان «أغنية للحرية». تبدأ هذه المقطوعة بنغمات حالمة هادئة كأنها تنذر بعاصفة بعد السكون. لكنها سرعان ما تعلو في منتصفها معلنة عن ثورة حمراء أطلقتها يدا عازف الدرامز اللبناني فؤاد عفرا الذي أعطى نكهة خاصة للحفلة بإيقاعاته المتميّزة. ثم تعود نغمات الثورة وتنخفض من جديد، ثم تعلو كموج البحر ومدّه وجزره. يذكر أن كواساكي المقيم حالياً في استونيا يزور لبنان بدعوة من شركة «نيو أوريزون» لإحياء خمس أمسيات موسيقية في بيروت، كانت أولاها في نادي «Eight» الليلي وسط المدينة، وعلى مسرح بابل الذي يختتم فيه الفنان الياباني أمسياته الجمعة 3 نيسان (أبريل) المقبل. كما يحيي حفلتين في «Bar Louie» في الجميزة غداً وبعد غد، يرافقه فيها كل من فؤاد عفرا (درامز) وعمر حرب (غيتار بايس). ولد ريو كاواساكي في 25 شباط (فبراير) 1947 في طوكيو. أصدر منذ بداية السبعينات أكثر من ثلاثين اسطوانة كعازف منفرد وأكثر من ثلاثين أخرى كعازف مشارك لأهم موسيقيي الجاز أمثال جل أفتر والفن جونز وتوني وليام وتيد كيرسون وتيو ماسيرو. كما حلّ محل لاري كوريال العازف المعروف في فرقة تشيكو هاملتون منذ بداية سيرته الفنية في اليابان كثالث أهم عازف غيتار فيها ألف فرقته المحترفة وكان لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره. وقدمت هذه الفرقة حفلات في عدد من نوادي الجاز الليلية في طوكيو بين عامي 1969 و1973. انتقل كاواساكي الى نيويورك عام 1973 حيث تلقى عرضاً للعزف مع فرقة «جولي ولسن» في مهرجان «نيو بورت» للجاز. وبعد شهور دعاه جِل أفتر للانضمام الى فرقته الموسيقية التي كانت تعمل آنذاك على تسجيل أسطوانة موسيقية لجيمي هندركس. في عام 1978 اكتشف الموسيقى الهندية وتعلم العزف على آلة الراغاس، فسجل أسطوانة «رنغ توس» التي تمزج بين الموسيقى الشرقية والغربية. ألف فرقة جاز-روك «ذا غولدن دراغون» التي أحيت حفلات في شكل دائم خلال الثمانينات. سجل بعدها ألبومه «ريو» في شركة «فيليبس» للأسطوانات وذاعت شهرته بتأليفه كامل موسيقى الأسطوانة وحده. بين عامي 1986 و1990 أصدر سلسلة من أسطوانات موسيقى الرقص المتنوعة التي صدرت عن شركة أسطواناته الخاصة «ذا ستلايتس ستيشن». وبين عامي 1990 و2000 عاد الى الجاز عازفاً للغيتار. من عام 2000 حتى اليوم يقطن كاواساكي في تالن عاصمة استونيا بعدما غادر نيويورك، حيث ألف تريو مع أبرز عازفي الجاز في استونيا. وهو كان عازف الغيتار الاساسي في فرقة الأوبرا الوطنية في استونيا.