"من يزيد ؟" ... بهذه العبارة يبدأ سماسرة المزادات العلنية في بغداد كلامهم بعد عرض السلعة وابلاغ من يرغب في شرائها السعر الأولي، لتبدأ بعدها رحلة المزايدة على السعر الى أن ترسو السلعة على صاحب أعلى سعر. وتتنوع السلع المطروحة في المزادات العلنية في بغداد بين أثاث منزلي وأثاث نادر وقديم. وتخصصت معارض عدة في سلع محددة يعرف مرتادوها سلفاً ما سيتم عرضه. وانتشرت في بغداد، بعد فرض الحصار الاقتصادي والضائقة التي حلت بالسكان، معارض متنوعة تعلن عن بيع الاثاث المنزلي المستعمل بطريقة المزاد العلني. ولاقت هذه الفكرة رواجاً واسعاً، لتزداد كميات الأثاث المنزلي المستعمل المطروحة في هذه المعارض، لا سيما بعدما عمدت آلاف العائلات العراقية إلى بيع أثاث منزلها لتمويل كلفة الهجرة خارج العراق، أو لتوفير لقمة العيش في زمن جعل الاثاث المنزلي المسألة الأقل أهمية في سلم أولويات العراقيين. وشهدت هذه المعارض حيوية بالغة قبل عام مضى، في أعقاب سقوط النظام السابق، وضعف سلطة قوات حفظ الأمن. إذ أقدم السارقون على اقتحام القصور الرئاسية والمقار الحكومية والمؤسسات والمنازل الخاصة ومنازل المسؤولين واستولوا على الأثاث والموجودات التي فيها ليطرحوها بعد ذلك في المعارض، بقصد الحصول على نقود بدلاً منها. وساهمت الأوضاع الاقتصادية المزرية وتدني دخل الأفراد في تطور صناعة متكاملة تسهم المعارض فيها في تغيير ملكية الاثاث وموجودات المنازل من الفئات الأقل دخلاً إلى الفئات الأفضل دخلاً وثراء. ويقول خضير راضي، صاحب"معرض النور"للمزاد العلني في بغداد:"غالباً ما كانت العائلة المهاجرة تبيع كل ما تملكه من أثاث دفعة واحدة". وكما في كل صناعة تنشأ وتتطور، تظهر بعض الممارسات السالبة. ويضيف خضير:"بعض أصحاب المعارض من عديمي الضمير كان يعمد الى بيع الاثاث المستعمل الذي اشتراه على أساس أنه جديد، ولكن بعد ترميمه أو اصلاحه لخداع المشترين". الشكوى نفسها تنطبق على معارض بيع التحف والاثاث والمقتنيات النادرة والثمينة التي لم تسلم من الغش والتحايل، فلطالما باع سماسرتها سلعاً مقلدة على أساس أنها أصلية ولطالما عمد أصحاب المعارض الى تشغيل سماسرة يندسون وسط المزايدين ومهمتهم رفع السعر الى أن ترسو السلعة على الشاري الذي لا يفقه من جودتها شيئاً والذي أقنعه كثرة طالبيها وهم يرفعون سعرها بأنها الافضل. وتخلو هذه المعارض من زحمة الزبائن اذا ما تمت مقارنتها بمعارض بيع الاثاث المستعمل. وغالباً ما ترسو التحف واللوحات والمقتنيات النادرة على شخص مجهول فضل توكيل غيره. ويؤكد عدد من أصحاب هذه المعارض أن"أكثر ما يباع فيها هي اللوحات الفنية للرسامين العراقيين"في حين تتكدس اللوحات الاخرى التي يدعي أصحابها أنها أصلية، ربما لأن الزبون العراقي فاقد الثقة بأصالتها أو لانه لا يعي أساساً ان كانت أصلية أو مقلدة أو لانشغاله بتأمين قوت يومه. ويقول باسل بشير، الذي يملك معرضاً للأثاث النادر إن"معظم الزبائن من الاثرياء الذين كانوا يشترون هذه السلع لاستثمار نقودهم فيها، أفضل من ايداعها في المصارف لأن سعر هذه السلع يزيد عادة ولا ينقص". وتختلف أسعار السلع المعروضة في المزادات العلنية بحسب نوع السلعة وعمرها وحجمها كذلك تختلف أسعار السلع العادية عن تلك النادرة. ويذكر بعض أصحاب المعارض أن مقتنيات كثيرة عرضت في مزاداتهم غالبيتها مسروقة من القصور الرئاسية والمتاحف العراقية خلال عمليات السلب التي اجتاحت بغداد بعد توقف العمليات العسكرية العام الماضي، ويؤكد انها بيعت بأثمان بخسة لجهل سارقيها قيمة ما يبيعون.