يرى خبراء ان العراق تحول بفعل ارتفاع معدلات بيع السلع المستعملة، الى مقبرة لطمر النفايات الاستهلاكية، إذ يبادر بعض التجار الى جمع السلع المستخدمة من أنحاء العالم وتصريفها في السوق المحلية. ويشيرون الى ان التجارة العراقية الخارجية تشهد منذ سنوات ظاهرة ابتدعها تجار كونوا خلال فترة وجيزة شبكة ضخمة منتشرة في العالم تقوم بمهمة جمع السلع المستهلكة ونقلها الى السوق العراقية، التي تتكبد مبالغ ضخمة لتسويقها وسط أخطار كشفت عنها وزارة التخطيط وكان آخرها تلوث كميات كبيرة من السلع اليابانية المنشأ بإشعاعات نووية. احد هذه الأسواق هو «سوق الحواسيب» في محافظة البصرة حيث تُباع الأجهزة المستعملة وفق مبدأ «أنت وحظك» في ظل غياب اي ضمانات تؤكد سلامة السلعة، ومبرر الشراء الوحيد أنها تحمل علامة تجارية عالمية بسعر منخفض في مقابل سلعة جديدة صينية الصنع وباهظة الثمن. «سوق الأثاث» في منطقة الزعفرانية في بغداد متخصصة باستيراد الأثاث الخليجي المستعمل الذي لاقى رواجاً كبيراً لمتانته، مقارنة بالسلع المحلية أو الصينية، ويتراوح سعر غرفة الضيوف ما بين 250 و800 دولار. أما «سوق ديار بكر» فمتخصصة باستيراد الأجهزة الإلكترونية وأدوات المطبخ والتحف وكلها مستعملة وتباع بأسعار زهيدة. التاجر حميد الدليمي المتخصص في بيع الأجهزة الكهربائية أكد في تصريح الى «الحياة» ان «تجارة الأثاث المستعمل والأجهزة الاخرى بدأت تسيطر على السوق المحلية، لأن المستهلك العراقي فقد ثقته بالبضائع الصينية»، وعزا السبب الى التجار العراقيين الذين «خاطروا بسمعتهم في مقابل تحقيق ارباح عالية، فهم يأخذون نماذج من مختلف السلع ويطلبون من الشركات الصينية إنتاج مثلها ويقولون لهم: لا يهمنا النوع والكفاءة بقدر ما يهمنا السعر الرخيص وهنا تأتي البضائع رديئة جداً». وأوضح ان رأس ماله يتراوح بين مليوني دولار وخمسة ملايين، وان نسب الإرباح جيدة، وقال: «هناك طلب واسع على اقتناء مكنسة ألمانية أو خلاط سويدي أو مدفأة نفطية يابانية، على رغم أنها مستعملة لكنها تعمل وتقضي الحاجة». وعن اساليب جمع البضائع قال: «استخدمنا عراقيين مهاجرين في دول مختلفة للعمل معنا في مقابل نسب ارباح مغرية لهم، فبدل بحثهم عن عمل في تلك البلدان وفرنا لهم عملاً لائقاً وكل ما عليهم هو تأمين هذه البضائع من مختلف الجهات ومن بينها مقابر الأجهزة المعطوبة في اوروبا، وبعضهم يشتري الأثاث من ساحات بيع المستعمل او من اصحاب البيوت هناك». مطمر نفايات الخبير الاقتصادي عماد العبود أكد ل «الحياة» أن هذه التجارة جعلت من العراق مطمراً لنفايات الدول أو منطقة للطمر الصحي، مؤكداً «أن نسبة كبيرة من البضائع مستهلكه تماماً وتُجمع من مكبات النفايات لتتحول إلى أموال في جيوب التجار». وزاد: «من الصعب تحديد حجم الاموال التي تنفق على هذه السلع، فهي تجارة تتم عبر شبكات وتدخل العراق من دون علم الجهات الحكومية ومن منافذ حدودية، اي عبر الحدود التركية مع إقليم كردستان ثم تتوزع الى بقية محافظات العراق». الناطق باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي قلل من تأثير استيراد تلك السلع في الاقتصاد العراقي معتبراً انها مطابقة للمواصفات. وأكد أن الوزارة تعاقدت مع شركتين فرنسية وكندية، أوكلت اليهما مهمة منح شهادة منشأ ومطابقة للمواصفات، ولا يسمح لأي بضاعة بدخول الأراضي العراقية إلا بعد استحصال شهادة مطابقة من هاتين الشركتين. وأوضح أن العراق يمتلك منافذ عدة حيث تعمل جهات معنية على فحص السلع من حيث الشروط، فضلا عن الفحص الإشعاعي، وأضاف: «تم أخيراً ضبط شحنة كاملة تضم كميات كبيرة من السلع المستهلكة آتية من اليابان ومعرّضة للإشعاع الذري الخطير، أعيدت الى بلد المنشأ». يذكر أن حجم التجارة العراقية الخارجية وصل عام 2011 إلى أكثر من 45 بليون دولار، ثلثاها لمصلحة القطاع الخاص.