في دورته العربية الأولى، توّج "سوبر ستار" ثلاثة نجوم من "الدرجة الأولى"، بغض النظر عن تسلسل الأولوية النجومية في ما بينهم: السورية رويدا عطية والأردنية ديانا كرزون واللبناني ملحم زين. وبعد مرور أقل من عام على تتويجهم نجوماً لنا، نحن أهل الوطن العربي، لم تتخطّ أي من أغنياتهم "الأولى" درجة الشهرة المتواضعة، شهرة تعني بأن المستمع أدرك وجود الأغنية، قد يكون حفظ بعضاً من كلماتها، لكنه لم يشعر ب"الحاجة" الملحة لسماعها كلما أدار جهاز الراديو. لم تخلق أغنياتهم "الأولى" حالة كالتي خلقها التصويت لهم خلال أسابيع "سوبر ستار" الطويلة. قد يكون التصويت، مجرد فعل التصويت، هو تحديداً ما خلق الحالة الشعبية الهائجة. وقد تكون العصبية الوطنية هي السبب أو قد يكون الأمل بنجوم من فئة ذوي الأصوات وليس الأجساد. وعلى رغم ذلك، لم يهادن جمهور التصويت عند السماع، لم يقبل بألبومات تنتمي إلى الحياة الموسيقية العادية، خاب ظنه فتنازل عن حماسته لمصلحة اللامبالاة. لكن لماذا لم تأتِ ألبومات نجوم ثلاثة على مستوى شهرتهم؟ نالوا شهرتهم بينما كانوا يغنون أم كلثوم وصباح ووديع الصافي. اشتركت في السماع حينها الذكرى الكامنة في رأس كل مستمع، مع أداء يكاد لا يهين صاحب الصوت الأصلي، مصدر الذكرى الحلوة. كانوا وكأنهم أمناء على تراث من دون أن يكونوا على مستواه أو أكبر منه. وانتهت المسابقة، انتهت أشهر التذكر. ولذلك كان ربما الانتظار: انتظار خلود جديد على لسان ابن العصر، من دون الحاجة للغوص في الذكريات. الجمهور احتاج ابناً لعصره يأتي على مستوى أذنه وليس على مستوى خصره. وكانت خيبة الأمل. لم تكن صدمة، كانت خيبة أمل. فمن اعتاد الغرق لا يخشى من البلل. للأسف. كانوا شباباً في برنامج فني. لا يعرف المستمع حجم ثقافتهم الموسيقية. كان الجمهور يضطلع يومياً على حجم أصواتهم. لا يعرف حجم آذانهم. لا يعرف ما إذا كان نجومه قادرين على سماع أغنية جديدة وإبداء الرأي بها، قادرين على الاختيار. والنتيجة: لم تتميز أي من أغنياتهم عن مستوى السوق... لا بل وتخلفت عن قدرة "الأغنية الضاربة" فيه. أضف إلى ذلك أن ملحم زين، مثلاً، جسّد صورةً للبناني يشتهيها: كان ذلك الفتى صاحب الغمازات الذي يغني العنفوان الجبلي ويقول "آه" تمتد ولا تنقطع. كان كالخارج من زمانه ليخاطب عاطفة أهل زمانه. تماماً كديانا كرزون التي كادت تكون نجمة الأردن الوحيدة، بكل ما للتفرد من إيجابيات. لكنهما عادا بألبومين خاصين تغيب عنه خصوصية أي منهما، تلك الخصوصية التي صنعتهم نجوماً وصوّت لها جمهورهم. كان من السهل أن "تضرب" أغنية عاطفية جبلية لملحم، لماذا إذاً إصدار تلك الأغنية التي لا تتمتع بهوية، تلك الأغنية الخجولة الانتماء؟ قد يكون لتلفزيون المستقبل حصة في إطفاء الوهج النجومي عنهم. أراد تلفزيون "المستقبل" أن يصنع نجوم طرب، فقدمهم في برنامج غنوا فيه طرباً. وتحمل الفضائية اللبنانية مسؤولية اللامبالاة تجاه نجومها، كونهم شباباً في مستهل العشرينات، والخبرة تنقصهم حكماً. يحمل "المستقبل" مسؤولية صناعتهم نجوماً لبرنامج لا أكثر. نجح البرنامج، فلم تعد تهم بعدها المسؤولية الموسيقية التي ادّعى أهل البرنامج رفع لوائها. ومن جهة أخرى، مشت حبيبة ملحم زين وتركته وحيداً فبكت وردةٌ "إنت مشيتي". وكانت ديانا كرزون تؤكد لحبيبها أنه مهما نساها، ستكون بانتظاره كوعد اليائس "إنساني ما بنساك". أما رويدا عطية فقد تعبت "معاه"، وظلمها هواه، إلا أن قسمتها في الحياة هي أن تهواه "تعبت معاك". هؤلاء، بالمناسبة، عاشوا قصة النجاح في صورها الأكثر سعادة. لم يشاركوا ذلك الأمل وتلك السعادة مع ناخبيهم. خصّوهم، منذ البدء، بتعاسة حب، بهجر وبإصرار على رغم التجاهل... بأقلام ثلاثة شعراء مختلفين! في المقابل، تأتي نانسي عجرم في إصدارها الأخير الذي حقق، كالعادة، نجاحه لتقول بقوة "الدلال" في الحب وليس مطلوباً منها أكثر من ذلك. كذلك هو حال إليسا مثلاً وهي تغني رومنسية الحب. وبعدما استوى الستار مع السوبر ستار، ما عاد متوقعاً من غناء اليوم أن يؤمن السعادة الروحية. هي سعادة استهلاكية عابرة، تلك المرجوة منه. فليؤمنها على الأقل!