ربما يكون قطاع السياحة الحديث في معظم البلدان الأوروبية قد شهد تحولاً واضحاً في مستوى الثقافة والوعي السياحي، والدليل على ذلك ارتفاع نسبة السياحة العالمية الى المناطق والبلدان التي تجمع بين معالم التاريخ الحضاري القديم وجمال الطبيعة الساحرة، كما هي الحال بالنسبة الى البرتغال التي تعتبر واحدة من أبرز البلدان الحاضنة لتاريخ غني بالمفردات والمواقع التي تشكل جزءاً مهماً وأساسياً من التاريخ البشري. فالمواقع الأثرية والسياحية التي تزخر بها البرتغال تحتفظ بنكهة التاريخ القديم وبمتعة المشهد الطبيعي الذي لا تحدده قطعة واحدة معينة من أراضي أو مياه هذا البلد الواقع في الخاصرة اليسرى من شبه الجزيرة الأيبيرية، وإنما مجمل المواقع الجبلية والسهلية، وكذلك السواحل الرائعة التي تعتبر من أشهر الشواطئ الأوروبية على الاطلاق، لنظافة مياهها وانبساط أرضها الرملية وامتدادها الى حواف الجبال الملونة التي تشكل في مواسم الربيع والصيف لوحة تشكيلية رائعة الجمال. ويجد السائح الأجنبي الذي يزور البرتغال انسجاماً شديد الترابط بين هذه الطبيعة الساحرة وحالات الطقس التي تغطي معظم المدن السياحية البرتغالية. ففي الصيف يستطيع الزائر أن يختار بين اعتدال الجو أو حرارته، ومن يريد الاصطياف من دون ممارسة الرياضة والألعاب السياحية يمكنه التوجه الى الشمال حيث محافظة "داورو" التي تحمل اسم نهر يجري فيها، وهناك نطلع على تاريخ حافل بالآثار والشواهد، ونتمتع بطبيعة ساحرة للغاية. فشواطئها الساحلية تعتبر من أروع السواحل، وهي مدينة تحتضن أجمل الحدائق، وبيوتها موزعة على شكل قرى محاصرة بالغابات والمزارع الطبيعية الفاتنة، خصوصاً منطقة "بوفوادي فارزيم" الواقعة على الشاطئ الأخضر "كوستا فيرده"، وفيه ساحل رملي معروف يجذب سنوياً آلاف السواح من أرجاء العالم، فضلاً عن ساحل آخر هو من أبرز سواحل الصيد البحري في البرتغال. وهناك كذلك المنطقة الصيفية السياحية الأخرى "فيلادوكونده" الواقعة عند نهر "ايفي" وتتصل عبره بمنطقة "بوفوادي فارزيم". وفي هذه المنطقة يحافظ السكان على تقاليدهم القديمة في الصيد البحري وبناء السفن الصغيرة. وفي هذه المحافظة توجد مدينة "بورتو" التي تعد ثاني أهم مركز صناعي في شمال البلاد وتقع على القمم التي ينبع منها نهر "داورو". وهي من المناطق التي تجذب اصحاب الاعمال من أنحاء العالم للاطلاع على الصناعات المحلية وعقد الصفقات المختلفة. وتكثر في هذه المحافظة المراكز السياحية المختلفة والكنائس القديمة المبنية على الطراز الباروكي والمشهورة بأبراجها المتميزة، إحداها من تصميم المعماري الايطالي نيكولاس ناثروي العام 1763 وبرجها يضم ستة طوابق مؤلفة من 225 درجة. ويمكن التنقل بين المدن البرتغالية الساحلية بواسطة السفن والزوارق، فالساحل يمتد على مسافة تبلغ نحو 848 كيلومتراً، ومحيطها المائي يعتبر كنز البرتغاليين لأنه مصدر الثروة السمكية، كما وأنه لعب في مراحل الإكتشافات البحرية دوراً أساسياً في تاريخ البرتغال. وفي الشمال يوجد عدد من المدن السياحية البارزة، لكن من الصعب عرضها مرة واحدة، وهي لا تقل جاذبية عن مدن الوسط والجنوب. وإذا انتقلنا الى الوسط، فلا بد ان نرسي قاربنا في العاصمة السياسية والتاريخية لشبونة، وهي رمز المدنية العربية القديمة التي كانت عنصراً حضارياً عميقاً في التاريخ البرتغالي. فحين بدأت تظهر ملامح الاستيطان في هذه البقعة الواقعة على الميناء الطبيعي الكبير المسمى "مار دي بالها"، أخذت تنمو بنمو الاستيطان الفينيقي الأول الذي كان أساس نشوئها. ثم جاء الاغريق وبعدهم الرومان والقبائل الجرمانية وأخيراً العرب نحو عام 715. ومنذ ذلك الحين أخذت هذه البقعة دورها في حضارة البرتغال وأطراف أوروبا الأخرى، والعرب هم الذين أطلقوا عليها اسم "لشبونة" ولم تستطع غزوات الصليبيين في ما بعد تغيير هذا الاسم التاريخي للعاصمة البرتغالية. كانت لشبونة خلال أربعة قرون جزءاً من الامبراطورية العربية، وتعرضت في مراحل مختلفة لهجمات الصليبيين، الى أن سقطت أخيراً في العام 1147 بيد الملك الفونس الأول بعدما حاصرها نحو أربعة أشهر. لشبونة واحدة من أجمل المدن السياحية الأوروبية. في الجزء الشرقي منها أقدم حي يدعى "الفاما" الذي تعرض لهزة أرضية العام 1755، وكان انشئ قديماً على أساسات مدينة يونانية، وكان الى جانبه شارع "روافد دي ساور محمد" وشارع "رواق سؤدد" وفيه المسرح اليوناني المغطى، وقلعة القديس جورج التي تعتبر من المعالم التاريخية المهمة. وفي الشمال توجد كنيسة "السيدة زينب" المبنية العام 1755، والمسرح الوطني في ساحة "براغا" وقربه مبنى المحطة والعقد الكلاسيكي المبني في القرن الثامن عشر. حي "باريدو" ينتمي الى أجمل مواقع المدينة وفيه تتقاطع الطرق والمواصلات وتنتشر على جوانبه المحلات التجارية المختلفة، وهو من مناطق التسوق السياحي المعروفة. وتعتبر مدينة "فيلا ريل" التابعة لمحافظة لشبونة مركز المحافظة الصناعي الرئيسي، وفيها معالم تاريخية عدة. كما وان جبالها رائعة الجاذبية وسواحلها الرملية مشهورة لدى عشاق السياحة، ومناظرها الرومانسية المحاطة بقرى الصيادين والآثار التاريخية والسهول الخضراء المليئة بكروم العنب وحقول الزيتون والحبوب والذرة تشكل مشهداً بانورامياً يمتاز بالحيوية والفتنة المميزة. وتعتبر مدينة "كالداس دارانيها" واحدة من ابرز مدن المصحات، واسمها باللغة العربية "عيون الماء الملكية" وقد اكتشفها القرويون العام 1484 بعد خروج تيارات بخارية من جوفها. وإذا انتقلنا الى الجنوب فلا بد أن نختار مدينة "الكارخي" كنموذج سياحي وتاريخي فريد من نوعه، فهي تتمتع بسواحل أطلسية مشمسة ذات رمال بيضاء تتزاوج فيها مشاهد رومانسية رائعة، عناصرها مستمدة من الجبال والمياه والمروج. ويوجد فيها عدد من الموانئ الصغيرة التي تحتضن الزوارق والسفن المختلفة الأحجام. البرتغال بلد سياحي من الطراز الأول، فهو يستقبل سنوياً ملايين عدة من السياح على مدى فصول السنة. ويشكل العرب نسبة لا بأس بها من الزوار، أولاً لأن طقسها مناسب للسياحة وثانياً لأنها سوق رخيصة للتبضع وثالثاً لأن فيها تراثاً تاريخياً جذاباً ساهم العرب في صياغته على مدى قرون، ورابعاً لأن أهل البرتغال الذين يصل عددهم الى عشرة ملايين نسمة يمتازون بطيبة خاصة ما يجعلهم متعاونين للغاية مع الزوار والسواح من مختلف أرجاء العالم.