يتساءل المرء لم كل هذا الجدل الدائر حول ترحيب الرئيس الاميركي جورج بوش بخطة فك الارباط الفصل الاحادي التي طرحها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون؟ اذا عدنا بالذاكرة الى عام 2000، نجد ان خطط السلام الاميركية قد اوضحت بما لا يدع مجالاً للشك ان اسرائيل ستحتفظ ببعض مستوطنات الضفة الغربية، وان قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين ستحسم من خلال اعادة توطينهم في فلسطين واماكن اخرى غير اسرائيل. وقد تجسدت هذه المبادئ منذ ذلك الحين في كل اتفاقية سلام فلسطينية اسرائيلية غير رسمية، وذلك بدءاً من اتفاقية جنيف وحتى حملة"صوت الشعب"وفي كل اقتراح غير رسمي بما في ذلك الاقتراح الذي تقدمت به مجموعة الازمات الدولية. الم يكرر السيد بوش هذه المبادئ بكل بساطة كي يوفر للسيد شارون غطاء سياسياً للانسحاب من قطاع غزة، وهو الخطوة التي يكون الشعب الفلسطيني هو المستفيد الاول منها؟ مع ذلك، فالامر بالنسبة الى الفلسطينيين يكون اما تقديم تنازلات في اطار مفاوضات ثنائية، او قبول تلك التنازلات في اطار اتفاق شامل وعادل يتقدم به طرف ثالث. اما الولاياتالمتحدة فليس لها ان تختار من بين الحلول الوسطية المختلفة حلولاً يقبل الفلسطينيون بها، ومن ثم الاعلان عنها في اعقاب مناقشات تتم مع الجانب الاسرائيلي ولا يشارك فيها الجانب الفلسطيني وان يتم ذلك في مقابل اتخاذ شارون خطوة يكون قد اعلن عن اتخاذها بالفعل، بينما لا يوجد لدى الولاياتالمتحدة اي ضمانات تكفل تنفيذه لتلك الخطوة. وبشيء من الدهشة والعجب، يرى الفلسطينيون ان بوش يعطي ما ليس من حقه ان يعطيه كي يتنازل شارون عما ليس من حقه الاحتفاظ به. ويكمن الخطر هنا في بيان بوش الذي قد يؤدي الى تلاشي صدقية الولاياتالمتحدة ومكانتها كوسيط امين في عملية السلام، في الوقت الذي وصلت فيه سمعة الولاياتالمتحدة في المنطقة الى ادنى مستوياتها، حيث قد يؤدي هذا البيان الى تهديد الجهود التي تهدف الى تحريك اطراف اخرى مثل المصلحين من بين ابناء الشعب الفلسطيني وكذلك الدول العربية المعتدلة مثل الاردن ومصر والتي تحتاج الولاياتالمتحدة الى جهودها لتحقيق عملية انسحاب ناجحة ومستقرة من قطاع غزة. وتحاذر هذه الاطراف الآن من المشاركة في مشروع ينظر اليه على انه تجريد احادي الجانب للفلسطينيين من جميع حقوقهم. كما ان هذا البيان لا يؤدي الى حض الفلسطينيين على قبول الحلول الوسطية التي تريد الاطراف المعتدلة ان تروجها على انها اتفاق عادل، والتي يمكن ان يشجبها الراديكاليون الآن حيث انها تعتبر حلولاً وسطية مفروضة على الشعب الفلسطيني. والاهم من ذلك، ان قرار بوش الخاص بتحديد التنازلات الفلسطينية قد ادى الى تغيير فرضية"الأخذ والعطاء"التي تتسم بها المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي يتمسك فيها كل جانب ببعض المساومات انتظاراً لإبرام اتفاق نهائي. وكان معظم الفلسطينيين على استعداد للنظر في ضم اسرائيل لبعض مستوطنات الضفة الغربية ولكن في اطار السياسة التبادلية للارض. كما بدا ان معظم الفلسطينيين على استعداد للتسليم بعدم اعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في اسرائيل، ولكنهم كانوا بحاجة الى صفقة عادلة تعوضهم عما فقدوه والى لغة حوار منمقة تخفف من حدة الصفعة. وكان معظمهم مستعدين للقيام بذلك فقط في اطار حل شامل لقضايا مثل قضية القدس والامن وحقوق المياه. عندما تستأنف المفاوضات في نهاية المطاف، فانها ستتم في اطار مشوه وغير متناسق: فما الذي يمكن ان يطالب به الفلسطينيون في مقابل الحلول الوسطية التي من وجهة النظر الاسرائيلية قد اصدرتها وباركتها الولاياتالمتحدة بالفعل؟ ولا تكمن الاجابة عن هذه الاشكالية التي اوجدتها الولاياتالمتحدة الاميركية في التراجع عن مواقفها بل تكمن في اتخاذ خطوة اكثر جرأة الى امام، وان تضع خطة مفصلة انطلاقاً مما قاله بوش، تهدف الى التوصل الى تسوية نهائية والحصول على دعم دولي واسع النطاق لها. وهناك تفسير منطقي قوي وراء نهج بوش، ففي ظل نقص الثقة بين الاطراف، لا يمكن ان تفكر اسرائيل في ان تخطو خطوة صعبة على طريق من دون ان تعرف مقدماً ما هي نهاية هذا الطريق، وينطبق ذلك تماماً على الجانب الفلسطيني. اما اذا ادى التصور الانتقائي للاتفاقية النهائية الى استئصال الفلسطينيين المعتدلين وتقويض احتمالات التعاون الدولي في عملية السلام، فمن الممكن ان تسفر عملية الوصول الى اتفاق شامل وعادل عن نتائج عكسية. لذلك، يجب تمكين الجماهير الفلسطينية المعتدلة من اتخاد اجراء ضد الفئات الرافضة التي تعمل في الظل واستعادة صدقية الولاياتالمتحدة والحصول على التأييد الدولي خصوصاً من الدول العربية والاوروبية لتعزيز الخطة الاميركية ودفعها بقوة على مستوى المنطقة. ومنذ توليها للسلطة في الولاياتالمتحدة الاميركية، رفضت ادارة بوش النداءات التي وجهت لها كي تعالج القضايا التي تحتاج الى حلول نهائية بصورة فاعلة. والآن حيث بدأت السير على الدرب فقد قبلت الولاياتالمتحدة بصورة ضمنية الانتقال من اتفاق سلام يتم التوصل اليه فقط من خلال مفاوضات ثنائية الى اتفاق سلام يتم اقتراح مضمونه من الخارج. ويجب على بوش الا يقف في منتصف الطريق فاتفاقية السلام ليست قائمة طعام يتم الانتقاء منها حسب الطلب، بل يجب ان تعرض اتفاقية السلام في صورتها الكاملة او تركها بالمرة. وينبغي على بوش ان يكمل اللوحة التي بدأ في رسمها وان يعرض على جميع الاطراف نظرته الواقعية لتحقيق تسوية شاملة وعادلة وقابلة للتطبيق. * غاريث ايفانز: وزير سابق للخارجية الاسترالية، الرئيس الحالي ل"مجموعات الازمات الدولية". روبرت مالي: مدير برنامج الشرق الاوسط. وللاطلاع على الاقتراحات المفصلة الصادرة عن مجموعة الازمات الدوليةICG's بشأن"المرحلة الاخيرة للصراع في منطقة الشرق الاوسط". يمكن زيارة موقع www.crisisweb.com