"خريطة الطريق" التي مُنّيَ الفلسطينيون بنشرها رسميا، أي بأن تعتمدها الرباعية الدولية وترعى تنفيذها، بعد أن يشكلوا حكومة جديدة، خطة جيدة اذا اخلص جميع الاطراف المعنية في تنفيذها وتقيدوا بالجداول الزمنية لمراحلها وراعوا ان تكون الخطوات المطلوبة من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي متزامنة. ولن يكون هناك غنى عن دور اميركي قوي لضمان التنفيذ، مع أن المستبعد أن تتدخل الادارة الاميركية الحالية على نحو يضمن تسوية عادلة وشاملة. واذا بدأ تنفيذ "الخريطة" في غضون أيام من فوز الحكومة الفلسطينية برئاسة محمود عباس ابو مازن بثقة المجلس التشريعي الاسبوع المقبل، فإن الوصول الى خاتمة عملية السلام سيستغرق، حسب نص "الخريطة"، 23 شهراً من الآن، أي في حلول نهاية 2005. ولكن الاسباب الداعية الى التشاؤم بإمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي التي احتلت في حرب 1967 بحلول ذلك الموعد أكثر وأقوى من الاسباب الداعية الى التفاؤل. اذا نظرنا أوّلاً الى الغاية التي تنشد "خريطة الطريق" الوصول اليها، وجدنا أنها تغري الجانب الفلسطيني بأن يغذ السير لادراكها. ذلك ان الخطة تنص في المرحلة ما قبل الاخيرة منها مباشرة على أن يتوصل الطرفان الى "اتفاق نهائي شامل ودائم ينهي الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني في 2005 من خلال تسوية عن طريق التفاوض بين الطرفين على اساس قرارات مجلس الامن 242 و 338 و 1397 تنهي الاحتلال الذي بدأ في 1967" بما في ذلك حل "عادل ومنصف وواقعي لقضية اللاجئين وحل عن طريق التفاوض لوضعية القدس". أما الخطوة النهائية في "الخريطة" فهي منسجمة مع المبادرة العربية اذ تقضي، بعد قيام الدولة الفلسطينية، بأن "تقبل الدول العربية بعلاقات عادية مع اسرائيل وبالامن لجميع دول المنطقة في اطار سلام عربي - اسرائيلي شامل". ولكن أي متابع لسياسات حكومة ارييل شارون يعلم أنها لا تنوي تطبيق "الخريطة"، وأنها سجلت مئة تعديل وتحفظ على ذلك النص، عادت فكثفتها ضمن 14 تعديلاً، الامر الذي سيجعل "الخريطة" خطة اسرائيلية أحادية الجانب. ومهما يكن من أمر، فإن شارون طالما شجع الاستيطان وعارض وقف بناء المستوطنات وتوسيعها، وأنه يريد ضم غور الاردن الى اسرائيل اضافة الى المساحات الواسعة التي قضمها من اراضي الضفة الغربية اثناء عملية اقامة السور الامني العنصري الفاصل بين اسرائيل والضفة. لكن السبب الآخر القوي الذي يدعو الى التشاؤم هو ان الرئيس الاميركي جورج بوش سيبدأ قريباً جداً حملته لانتخابات الرئاسة المقبلة، وهي فترة لا بد له ان يتجنب خلالها اغضاب اللوبي الصهيوني الواسع النفوذ في الولاياتالمتحدة المتحالف مع اليمين المسيحي الاصولي هناك والمتفوق في جمع التبرعات للحملات الانتخابية. والأمر الذي يعنيه ذلك هو أن بوش لن يفكر، حتى مجرد تفكير، في ممارسة أي ضغط على اسرائيل لاقناعها بتنفيذ "خريطة الطريق" حسب النص الذي سينشر قريباً. أما الحكومة الفلسطينية فلن تخدم مصلحة شعبها اذا لم تمعن النظر- قبل الاقدام على أي مجازفات قد تثير صدامات داخلية - في التطورات المحتملة اسرائيلياً واميركياً. ذلك ان شارون لن يتغير. وسواء فاز بوش أم لم يفز بولاية رئاسية ثانية، فإن ادارته تضم عناصر ليكودية كثيرة، وهذا لا ينبىء بخير.