وجه الرئيس جورج بوش في 14 نيسان ابريل ضربة موجعة الى آمال الفلسطينيين، والى كل الذين يتطلعون الى حل عادل ومتوازن ومشرف ودائم للنزاع العربي الاسرائيلي المستمر منذ وقت طويل. واعقب ذلك ما هو اسوأ عندما اضاف رئيس الوزراء توني بلير مباركته بشكل عام لما كان الرئيس بوش ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون اتفقا عليه. ويعرف الرئيس بوش بانه حديث العهد بالشؤون الدولية، وكل ما يصدر عنه يشير الى فهم سطحي للشرق الاوسط، فيما ينفذ اجندة للمحافظين الجدد تفتقر الى الجاذبية والواقعية. ولا يوجد ادنى شك في ان نتيجة اجتماعه مع شارون في البيت الابيض - وهو اجتماعهما التاسع هناك - كانت كلها تقريباً ذات صلة وثيقة بالسياسة في اميركا ولا علاقة لها تقريباً بالتحرك الى امام على صعيد خريطة الطريق. ويعتقد مستشارو الرئيس بوش ان احد الاسباب وراء خسارة والده البيت الابيض هو انه اغضب الناخبين اليهود - حوالي 4 في المئة من اجمالي الذين يدلون باصواتهم -، وهم يرون ضرورة ان تعالج الامور بشكل مختلف في 4002. ويدرك هؤلاء المستشارين بقوة الاهمية التي يمثلها بالنسبة الى الحزب الجمهوري المحافظون المسيحيون، الذين يتبنون آراء عجيبة ومتحيزة وتنم عن جهل بشأن اسرائيل المعاصرة التي يربطونها ب"الظهور الثاني"للمسيح. وتلعب اصوات الصهاينة دوراً حاسماً في ولايات مثل فلوريدا واوهايو حيث الهامش ضئيل بين اصوات الجمهوريين والديموقراطيين. وفي عهد الرئيس الحالي، كما كان الحال مع سلفه، يحتل امن دولة اسرائيل اولوية كبيرة، حتى اذا كان هذا يلحق الاذى بالمصالح الاميركية. ويبدي السياسيون الاوروبيون دهشتهم لمدى تمحور النفوذ السياسي في واشنطن حول اسرائيل. والمس ان هذا المنحى ما يزال يتعاظم. واجرى الرئيس بوش كما يبدو ادنى حد من التشاور مع حلفاء رئيسيين، مثل المملكة المتحدة، قبل ان يتفق مع شارون على ان تبقى الغالبية العظمى من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وان يرفض"حق العودة"للاجئين الفلسطينيين. وابرمت هذه الصفقة حتى من دون اي نقاش مع اي فلسطيني! لكن مثل هذه الامور ينبغي ان تخضع، بالطبع، الى اتفاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين على اساس قرارات مجلس الامن ذات الصلة والقانون الدولي. فسيكون من السخف وشيئاً مرفوضاً كلياً ان يرى اي زعماء لأي دول اعضاء في الاممالمتحدة ان لديهم الحق في بت امور كهذه بالنيابة عن بقية اعضاء المنظمة الدولية جميعاً. وعلى الصعيد العملي، سيرفض بقية الاعضاء فحسب مثل هذا السلوك المتغطرس. فلا احد سوى مجلس الامن يملك مثل هذا الحق. واتسمت ردود افعال الفلسطينيين والدول العربية والاسلامية والاتحاد الاوروبي بالحزم والوضوح وكانت مشجعة. واعتبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك ان الاتفاق بين بوش وشارون كان"مؤسفاً وخطراً". وحذر كوفي انان، الامين العام المجرب والمثير للاعجاب للامم المتحدة، من اتخاذ خطوات احادية تتجاهل قرارات المنظمة الدولية. وقال السير كريستوفر ماير، السفير السابق للمملكة المتحدة لدى واشنطن، ان بلير يحتاج الى خطوة كهذه من الرئيس بوش"كما يحتاج الى ثقب في الرأس". وكان الوضع اشبه بكابوس بالنسبة الى وزارة الخارجية البريطانية قبل ان يبدأ بلير زيارته الى اميركا. وتلى وزير الخارجية جاك سترو بياناً صيغ بمنتهى الحذر، مدركاً ان مستشاريه اعتبروا ان صفقة بوش-شارون ستزيد الامور سوءاً في العراق. ولا تزال الحكومة البريطانية تؤيد بقوة خريطة الطريق، وتخشى الاّ ينظر الى الرئيس بوش كوسيط محايد في المستقبل. وعلى رغم وجود خلافات كبيرة في الوقت الحاضر بين بوش وبلير بشأن العراق والنزاع العربي الاسرائيلي، اتفق الزعيمان على اظهار وحدة كاملة في العلن اثر محادثاتهما في البيت الابيض. وجرت الاشارة مراراً الى اهمية التمسك بموعد 30 حزيران يونيو المقبل لنقل السلطة في العراق، وضرورة التصدي بحزم للمتطرفين والارهابيين. وأعطى بلير تأييده لخطة اسرائيل ولمح الى أن ذلك وسيلة لاحراز تقدم على صعيد خريطة الطريق. وبدا الامر كما لو ان بوش اختار مساراً في الاتجاه الخاطىء، لكن بلير حرص على التلميح الى ان هذا المسار يمكن في النهاية ان يتحول الى الاتجاه الصحيح. وهي حجة لا ينبغي ان تؤخذ على محمل الجد. ويبدو أن شارون حقق انتصاراً شخصياً في واشنطن في وقت يركز بوش على السعي للفوز في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. واخشى، مثل كثيرين، ان تكون عملية السلام في الشرق الاوسط وخريطة الطريق التي تحظى بدعم دولي قد تلاشتا. وسيتعين ان ننتظر حتى يغير شارون وبوش موقفهما قبل ان يمكن القيام بمحاولة جدية لتحقيق سلام دائم من اتجاه مختلف. في الشهر الماضي ابلغ بلير مجلس العموم ان"كل المستوطنات في الاراضي المحتلة غير شرعية بموجب القانون الدولي وتمثل عقبة بوجه سلام شامل". وقد كان على صواب. * سياسي بريطاني من حزب المحافظين.