قبل أن يسافر ارييل شارون إلى واشنطن، وضع في جيبه موافقة رئيس الوزراء البريطاني على"خطة الفصل". لم يشأ مكتب توني بلير التعليق على ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فلم يؤكد الموافقة ولم ينفها، مما يعني أن"موافقة"قد اعطيت. على أي أساس؟ لا أحد يعرف، لكن قياساً إلى السوابق، فإن"نعم"بلير عنت أن الأميركيين استعدوا لقول"نعم"أيضاً. هل تلقى بلير ما يقنعه بأن خطة شارون متوازنة، أو أنها خطوة في"خريطة الطريق"، أو أنها بداية تحول زعيم ليكود نحو منهجية سلمية في التعاطي مع الفلسطينيين، أم أنها على العكس تعني امعاناً في المنهج التخريبي الذي اتبعه شارون دائماً ولم يحد عنه؟ كل ذلك غير معروف. فالمطلوب إذاً، هو الوثوق ب"حكمة"بلير ورجاحة رأيه، مثلما أن المطلوب قبل ذلك الوثوق ب"حكمة"جورج بوش. والأمران بالغا الصعوبة لأسباب لم يعد هناك داعٍ لشرحها منذ انزلاق الحرب على الإرهاب إلى ضوء أخضر دائم لشارون كي يتفنن في الاجرام، ومنذ أن بدأت تلك الحرب تفرّخ حروباً أثمر أولها احتلال العراق. مهما كان شارون مخادعاً لجمهوره الداخلي، فإنه لا يستطيع أن يتخطى حداً معيناً، وهو لم يتوقف منذ طرح خطة الانسحاب من قطاع غزة عن القول إنها خطة لمصلحة إسرائيل، ولم يتردد في الرد على نواب في الكنيست، مؤكداً أن الهدف اشعال حرب أهلية فلسطينية فلسطينية، ولم ينفِ احتمال نقل المستوطنين من القطاع إلى مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، ولم يخفِ أن"التنازل"في القطاع يعني أخذ"المقابل"في الضفة، ولم ينكر أن خطته تدعم"خريطة الطريق"وتبعد احتمال الدولة الفلسطينية... فوق كل ذلك، يريد أن تبقى الحدود الدولية في يد إسرائيل، أي أنه ينسحب من القطاع، لكنه يواصل اعتباره جزءاً من الدولة العبرية. كما يريد أن يحتفظ ب"حق إسرائيل"في العربدة العسكرية في القطاع كلما وجدت مصلحة في ذلك. كذلك يسعى إلى التفاهم مع العالم كله، عرباً وغير عرب، لتأمين تنفيذ كامل لخطته من دون أن يتنازل ويتفاهم مع السلطة الفلسطينية التي لا يعترف بها، ما يعني أنه يتطلع إلى تسليم القطاع إلى"أشباح"أو إلى سلطة يكون له الفضل في نشوئها وفي اقناع جورج دبليو بالاعتراف بها. يضاف أيضاً أنه عيّن نفسه موزعاً للأدوار: فهو من يحدد ما على الولاياتالمتحدة وبريطانيا ومصر والأردن أن تفعله أو لا تفعله، وهو من يملك الفيتو على دور محتمل للاتحاد الأوروبي أو الأممالمتحدة. لا أحد سيتمسك بالإسرائيليين لمنعهم من الانسحاب من قطاع غزة. هذا محسوم. لكن شارون لا يقدم خطته على أنها مساهمة في سلام ما، ولا في حل ما، هناك وضع سينشأ بعد الانسحاب، إلا أن شارون يريده وضعاً عائماً وغامضاً. كأنه سينسحب من دون ان ينسحب. والغريب ان المتعاطين والمعنيين يخضعون لقواعد اللعبة الشارونية ولا يحاولون تعديلها. فالوضع الذي سينشأ هو من النوع الذي لا يمكن المجتمع الدولي ان يتركه بلا ضوابط، وليس لقوة الاحتلال ان تضع الشروط فإما انها في صدد انسحاب أو انها تقوم بخدعة جديدة لا هدف لها سوى ابتداع نمط آخر من الاحتلال. لا أخبار طيبة يمكن توقعها من أي لقاء بين بوش وشارون. الأول اصبح جاهزاً لاعطاء الثاني كل ما يطلبه، لذا دعاه الى واشنطن. يقال ان تدهور الوضع العراقي قد ينعكس سلباً على مهمة رئيس الوزراء الاسرائيلي، لكن من يعتقدون ذلك نسوا ان بوش برهن عن شارونية متطرفة خلال الأعوام الأربعة المشؤومة التي أمضاها في البيت الأبيض. وبالنسبة اليه سيمثل دعم شارون أفضل الأسلحة في الحرب على العرب، فما يفتقد في العراق يعوّض في فلسطين عبر الاسرائىليين. صحيح ان فريقاً اميركياً اشتغل على خطة شارون بحثاً عن ضوابط، لكنه عمل تحت سقط المطالب الاسرائيلية. صحيح ايضاً ان هذا الفريق نال بعض التعديلات، إلا انها غير جوهرية. صحيح كذلك انه حاول ربط"خطة الفصل"ب"خرىطة الطريق"لكن من سيلوم شارون ويحاسبه حين ينقض تعهداته. الأسوأ ان تعلن السلطة الفلسطينية ان لديها"ضمانات اميركية"بأن واشنطن لن توافق على أي خطوة لشارون تضر بقضايا الوضع النهائي. من يصدق؟