شهدت البلدان العربية تطوراً لم يسبق له مثيل في تقديم الرعاية الصحية وإصلاحاً للنظم الصحية والطبية، وكل ذلك في فترة زمنية قصيرة نسبياً. ولكن على رغم ذلك ما زال عدد من هذه الدول يواجه تحديات كبيرة تتمثل في كيفية تقديم أفضل الخدمات الصحية ذات المستوى العالي والتي من شأنها أن توفر على المريض عناء السفر إلى الخارج بهدف تلقي العلاج هناك. ونتج عن الالتزام بتقديم رعاية صحية وطبية عالية المستوى للمواطنين، مع ترافق ذلك بالاستثمار الهائل في المستشفيات من قبل القطاعين الخاص والحكومي في معظم الدول العربية، وجود بنية تحتية صحية وموارد طبية أخرى تضاهي تلك الموجودة في الدول المتقدمة. بالإضافة الى ذلك أدت التطورات العامة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العربية إلى تحسينات هائلة في الوضع الصحي للسكان. ولكن كما هي الحال في معظم النظم الصحية، يمكن ظهور عدد من المشاكل يعزى بعضها إلى الظاهرة العالمية المتمثلة بارتفاع التكاليف والانفجار السكاني والتطورات التقنية، وبعضها الآخر ينشأ عن عوامل تتعلق بالنظام الصحي الخاص بنا وبالتحديد التمويل والاستخدام والتنظيم وتقديم الخدمات. فئات العمل الصحي يواجه مديرو المستشفيات تحديات عدة، ولعل أهم رسالة يجب إيصالها هنا هي الجاهزية والاستعداد للتغيير. إن إدارة النظم الصحية وتوفير الكوادر الصحية ذات الخبرة الملائمة وتعيين مديرين يتمتعون بالمهارات اللازمة وتوافر المعرفة الحديثة بأبحاث الإدارة والخدمات الصحية... هي نماذج لقضايا هامة يواجهها مديرو المستشفيات. ومن أجل التعامل الجدي والايجابي مع هذه القضايا تسعى الحكومات العربية دائماً إلى إنجاز دراسات وإقامة ندوات وورش عمل تسلط فيها الأضواء على هذه الأولويات. ولأسباب عدة داخلية وخارجية، تعاني المستشفيات الحكومية في بعض الدول العربية حالياً من مشكلة حقيقية تتمثل في نقص الطاقم التمريضي في الأقسام المختلفة بشكل عام وفي أقسام الحوادث بشكل خاص. ومن الأمثلة على ذلك أن الأمر وصل في بعض الأوقات الى وجود ممرضين لا ثالث لهما في قسم الحوادث بأحد المستشفيات الرئيسية في إحدى العواصم العربية. والمشكلة بدأت منذ ثلاث سنوات عندما بدأت حمى الاستقالات الجماعية المقدمة من الممرضين والممرضات، وكان السبب الرئيسي من ورائها هو ضعف الراتب وعدم وجود مزايا أو علاوات أو بدلات الى جانب ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية في بعض الدول العربية في الآونة الأخيرة. وكانت الوجهة الأولى لهؤلاء الممرضين هي الهجرة الى الولاياتالمتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية التي تعاني من نقص شديد في العمالة التمريضية والفنية في مستشفياتها. وقد قدمت لهم تلك الدول من الرواتب والمزايا والتسهيلات ما لا يستطيع أي منهم أن يفكر طويلاً قبل اتخاذ قرار الهجرة وتشجيع زملائه على الهجرة معه. بل أن بعض الدول بالغ في استقطاب المزيد من الممرضين بمنحهم "البطاقة الخضراء" التي تؤهل حاملها الحصول على جنسية الدولة المانحة بعد مرور ثلاث سنوات على إقامته فيها، الى جانب منحه ضعفي الراتب الذي كان يحصل عليه في الدولة التي يعمل فيها... بالإضافة الى قائمة طويلة من المزايا والتسهيلات في الإقامة والسكن والتنقل وما الى ذلك. وبما أن الاعتراف بوجود المشكلة يضعنا على أول طريق الحل، فإننا نطرح القضية بأبعادها كافة من خلال تسليط الضوء على أهم المشاكل التي تواجه الهيئة التمريضية في الدولة وعرض وجهات النظر المختلفة لحل هذه المشكلات. أمام نقص الكوادر التمريضية، كما وصفها أحد الفنيين في إحدى المستشفيات، لم تجد وزارات الصحة في بعض البلدان العربية حيالها سوى تعيين فئات محددة من الممرضين والممرضات الجدد ومحاولة سد الشواغر التي نجمت عن هجرة بعضهم ولو بالحد الأدنى. كما قامت بابتعاث لجان تمريضية عدة الى مختلف البلدان الآسيوية لإجراء الامتحانات والمقابلات لمئات الممرضين والممرضات الجدد، ووضعهم "تحت الطلب" في حال حدوث عجز كبير في التمريض. إلا أن هذا الحل كان بمثابة المسكّن الموقت الذي سرعان ما يزول تأثيره بمجرد زوال مفعوله. وفي الحقيقة عادت الاستقالات مرة أخرى حين اكتشف هؤلاء الممرضون والممرضات أن هناك فرصاً أفضل للعمل في أوروبا ورواتب تفوق الخيال ومزايا ومغريات لا يمكن تجاهلها، مقدمة على طبق من فضة من قبل مكاتب التوظيف والمراكز المتخصصة والمستشفيات الكبرى في الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة الأميركية. والذي يراقب السباق المحموم بين تلك المراكز والمستشفيات، كما ينعكس في المجلات والصحف وعلى شبكة الانترنت لاستقطاب أكبر عدد من الممرضين والممرضات ولا سيما المتخصصين منهم، يدرك حجم المشكلة ليس على الصعيد المحلي العربي فقط بل على الصعيد الدولي أيضاً. ويؤكد العديد من الأطباء أن التمريض قضية عالمية، وبصفة خاصة فان المستشفيات والمراكز الكبرى في أميركا وكندا وبعض الدول الأوروبية الأخرى تواجه نقصاً شديداً في الطاقم التمريضي، ولذلك أصبحت هذه الدول مركز استقطاب للهيئة التمريضية من الدول الأخرى من خلال منحهم مميزات تفوق ما يحصلون عليه في البلد الذي يعملون به. ويقول هؤلاء الأطباء ان معظم المستشفيات الأوروبية والأميركية يواجه عجزاً في تخريج معاهد التمريض الأعداد اللازمة من الممرضات والممرضين بسبب عزوف الفتيات والشباب عن الالتحاق بتلك المعاهد، الى جانب إحالة أعداد كبيرة من منتسبي الطاقم التمريضي سنوياً الى التقاعد من دون أن يقابلها القدر نفسه من الخريجين الجدد.