ما زالت خطة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون للانفصال الاحادي الجانب عن الفلسطينيين موضوع اخذ ورد بين الحكومة الاسرائيلية والادارة الاميركية. واوفد شارون مدير مكتبه دوف فايسغلاس مرات عدة الى واشنطن للتفاهم على هذه الخطة واقناع ادارة بوش بالموافقة عليها وكان يعود في كل مرة محملاً بالاسئلة الاميركية عن تفاصيلها، كونها غير واضحة وتتخذ اشكالاً ومفاهيم متباينة، تباين التصريحات التي يدلي بها اقطاب الحكومة الاسرائيلية وكأنهم يتعمدون ان يبقوها مبهمة محاطة بساتر دخاني. وقد وصفت صحيفة"يديعوت احرونوت"العبرية اول من امس، غداة عودة فايسغلاس ورئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي الجنرال غيورا ايلاند المكلف بلورة خطة"فك الارتباط"الشارونية بأنها ضبابية. والآن يسأل الاميركيون الاسرائيليين اسئلة من قبيل: ما الذي سيحدث بعد الانسحاب المزمع من قطاع غزة، وهل سيشمل الانسحاب جميع المستوطنات اليهودية فيه، وما عدد المستوطنات التي سيخليها الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية؟ هذه كلها اسئلة وجيهة يبدو ان واشنطن مصممة على الحصول على اجابات دقيقة عنها بدليل انها لا تكتفي بمناقشة المبعوثين الاسرائبيليين في شأنها، وانما ترسل ايضاً مبعوثين من طرفها الى اسرائيل للاستفهام عن تفاصيل خطة"فك الارتباط"تلك. ومن هنا سيصل الى اسرائيل الاسبوع المقبل ثلاثة مبعوثين اميركيين هم وليام بيرنز وستيف هيدلي واليوت ابرامز، وذلك قبل عودة الوفد الاسرائيلي الى واشنطن لاستكمال المناقشات حول الخطة وتحديد موعد لزيارة شارون التي سيشرح خلالها للرئيس جورج بوش تفاصيل الشكل النهائي لخطته. ان دوافع شارون الكامنة وراء خطته واضحة بقدر ما تعتبر الخطة نفسها غامضة: انه يريد التخلص من قطاع غزة الذي تعد كثافته السكانية الاعلى في العالم والذي تمنى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين ان يصحو ذات يوم ليجد ان البحر المتوسط قد ابتلعه. ثم ان عدد المستوطنين اليهود القليل في القطاع لا يبرر العدد الكبير من جنود الاحتلال الذين يرابطون في المستوطنات هناك لحمايتها. ولكن شارون يريد في المقابل ان يضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية الى اسرائيل ويضم ايضاً اكبر مساحة اضافية ممكنة من الضفة بواسطة الجدار الفاصل. وتسرّع حكومة شارون في غضون ذلك بناء سور"غلاف القدس"الذي يعزل المدينة المقدسة عن بقية الضفة ويصادر اجزاء واسعة من اراضي القرى والبلدات الفلسطينية القريبة منها. ان كل هذه الاعمال المخالفة لقرارات الاممالمتحدة ونص"خريطة الطريق"الدولية تندرج في اطار خطة شارون القديمة التي اوجزها في باريس قبل سنوات وكان اساسها اختلاق دويلة فلسطينية تجلس"في حضن اسرائيل"على حد تعبيره، ولا يبقى لها، بعد ايجاد"مناطق امنية عازلة"والاحتفاظ بالسيطرة على غور الاردن وضم مناطق المستوطنات سوى رقعة محدودة مجزأة اشبه ما تكون بالمعازل العنصرية المتباعدة. والآن اوجد الجدار الاسرائيلي الفاصل الآن هذه المعازل بالفعل! لقد ارتكب الاميركيون جريمة لا تغتفر في حق الشعب الفلسطيني بموافقتهم شارون على وضع الرئيس الفلسطيني المنتخب ياسر عرفات في عزلة ومحاولة فرض قيادة فلسطينية بديلة عميلة على الفلسطينيين. ورغم فشلهم في هذا المسعى، فانهم ما زالوا يعملون لتنصيب عميلهم.