أدت موجة الغليان السياسي والفوضى الامنية التي تعم مناطق مختلفة من العراق الى حدوث حال من الشلل شبه التام شمل معظم قطاعات الاقتصاد العراقي، فيما شهد الكثير من اسواق بغداد وشوارعها انحساراً ملحوظاً في حركة الزبائن والنقل واقفلت معظم المحال التجارية ابوابها تحسباً من تدهور الاوضاع بشكل أكثر. سجل سعر صرف الدولار في السوق العراقية امس"ارتفاعاً حذراً"لم يبلغه طيلة الشهور الثلاثة الماضية، عندما كان مستقراً عند حدود 1400 دينار، اذ وصل سعر صرفه الى حدود 1480 ديناراً للدولار الواحد. وكان من اسباب الارتفاع المفاجىء اقفال البنك المركزي العراقي ابوابه لمدة ثلاثة ايام ابتداء من امس السبت استجابة لفتوى هيئة علماء المسلمين في العراق للتضامن مع شعب الفلوجة، بالاضافة الى عدم توافر سيولة فائضة في سوق الصرف والناجمة عن اقفال معظم مكاتب وشركات الصيرفة التي تتخذ من شارع الكفاح وسط بغداد والمجاور للبنك المركزي العراقي مركزاً رئيسياً لتعاملاتها. وقال فاضل السعدي صاحب"مكتب السعدي للصيرفة والتحويل الخارجي"في بورصة الكفاح في بغداد ل"الحياة"ان من العوامل التي ولدت ارتفاعاً في سعر صرف الدولار حالات الترقب والتحسب الامنية التي ادت الى اكتناز كمية من ارصدة الدولار وابعادها عن اوجه الأنفاق والتعامل التجاري، ما حدا بسعر الدولار الى الارتفاع مجدداً بعد فترة من الاستقرار. وأكد علي نعيم، صاحب"مكتب الاندلس للصيرفة"في شارع السعدون في بغداد ان التداعيات الامنية الخطيرة التي خيمت على البلاد خلال الاسبوعين الاخيرين، فضلاً عن انتشار القوات العسكرية الاميركية بشكل يدعو الى القلق داخل المناطق السكنية والتجارية وخوف المواطنين العراقيين من استهدافهم من قبل تلك القوات، كلها عوامل اثرت في حركة السوق التجارية. وقال نعيم ل"الحياة"ان حركة السوق اصابها ركود شبه تام بسبب قلة حركة الزبائن وانكفائهم، اذ انخفضت معدلات البيع بنسبة تزيد على 90 في المئة من اجمالي معدلات المبيعات اليومية التي كانت سائدة قبل الاحداث الاخيرة. واشار عدد من الخبراء المصرفيين العراقيين الى تأثير ما اسموه ب"عوامل الفترة القصيرة"في اضطراب سوق الصرف وما يمكن ان تؤدي اليه حال اللايقين من انعكاسات على سعر صرف الدينار العراقي. وقالوا ل"الحياة"انه في ظل اوضاع سياسية قلقة وظروف امنية غير مستقرة من الطبيعي ان تحصل موجة من الاضطراب اللامبرر في البيئة الاقتصادية الداخلية وان تميل نحو اتجاهات تكون غير جذابة لفرص التمويل والاستثمار، ما يدفع الى هروب رؤوس الاموال الصعبة الى الخروج من البلد او انحسارها داخله من دون حركة. وأكد هؤلاء الخبراء ان الظروف الراهنة التي يمر بها العراق حالياً انعكست سلباً على انسيابي التدفقات الوافدة اليه وعملت على تشجيع ظاهرة هروب رؤوس الاموال، لا سيما ذات الآجال القصيرة الامد التي تبحث عن فرص سانحة للربح السريع. وأوضحوا انه كلما تصاعدت اعمال العنف في البلاد، والتي تمثل اقصى حالات الاضطراب السياسي، كلما ادى ذلك الى حدوث تدهور في بيئة الاستثمار والتمويل التي تحتاجها جهود اعادة اعمار البلد حالياً والتي ستؤدي بالتالي الى هروب ما تبقى من رؤوس الاموال الاجنبية، كما سيزداد الطلب على العملة الصعبة لأغراض التحوط من المصير السياسي المجهول وما سيؤول اليه المستقبل. واضافوا ان في مثل هكذا ظروف فان توقعات المستثمرين تفعل فعلها في التأثير في مسارات سوق الصرف وهيكل اسعارها.