استعاد الدولار الاميركي جزءاً من عافيته في السوق العراقية وذلك بعد ان شهد سعر صرفه تدنياً ملحوظاً طيلة الشهور الثلاثة الماضية، مدعوماً بعوامل عدة من أهمها طرح الهاتف النقال في السوق العراقية وتأجيل العمل بقانون الجمارك الجديد واستمرار التدهور الامني. قال مراقبون ان العامل الأساسي في حصول الزيادة غير المتوقعة في سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي خلال الاسبوع الماضي هو طرح خدمة الهاتف النقال في السوق العراقية، والتي آخذت تلقى إقبالاً منقطع النظير من قبل المواطنين العراقيين. وتم طرح ما لا يقل عن 120 ألف جهاز هاتف نقال في بغداد وحدها وبسعر 150 دولاراً للجهاز الواحد، الأمر الذي ولد طلباً كبيراً على العملات الاجنبية وخصوصاً الدولار، ما أسهم بشكل كبير في ارتفاع سعر صرفه امام الدينار العراقي نظراً الى ان اجهزة النقال تباع بالدولار فقط. وقال صبري شماس المدير المفوض ل"مصرف الوركاء للاستثمار" في بغداد ل"الحياة" ان حاجة المستهلك العراقي الى خدمات الهاتف النقال والتي كان ينتظرها بفارغ الصبر، وزيادة الطلب على اقتناء البطاقات التي تؤمن الاتصال في هذه الاجهزة، فضلاً عن حاجة الكثير من القطاعات الاقتصادية التي اخذت في الفترة الاخيرة بمعاودة ممارسة نشاطاتها التجارية والصناعية والخدمية الى كميات هائلة من الدولارات، أسهمت في تنشيط حركة الطلب على العملات الاجنبية في السوق العراقية والتي أدت الى زيادات مستمرة وبطيئة في سعرها أمام الدينار العراقي الجديد وخصوصاً في الايام القليلة الماضية. وتوقع شماس استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الى مستوى 1500 دينار للدولار الواحد، لافتاً الى عدم وجود اي مبرر اقتصادي لهبوط الدولار في السوق العراقية في غضون الايام القليلة المقبلة. وقال ان ثمة مؤشرات تدل على تواصل الارتفاع، مشيراً الى ان هذا الامر مرهون بدور البنك المركزي العراقي في بيع وشراء الدولار ومعيداُ للاذهان ان البنوك المركزية في دول العالم كافة تتدخل في مثل هذه الحالات لإعادة التوازن النقدي في سوق الصرف. ودعا البنك المركزي العراقي الى مراقبة سوق صرف العملات الاجنبية والتدخل بشكل مباشر ودائم في ضبط ورصد حركة سعر صرف الدولار في السوق العراقية، والعمل الجاد على الحد من ظاهرة التذبذب المستمر في سعر صرفه مقابل الدينار العراقي من اجل بعث الثقة في المناخ الاستثماري العراقي ودفع رجال الاعمال والتجار الى ممارسة نشاطاتهم وطمأنتهم من خلال تحقيق الاستقرار في السوق النقدية. وقال عدد من الصيارفة في بغداد ان السبب الرئيسي لتراجع سعر صرف الدولار في السوق العراقية في الفترة الماضية كان التهافت من قبل بعض التجار العرب على شراء الدينار العراقي الجديد وخصوصاً فئة 25 الف دينار التي يطلقون عليها اسم "الاحمر"، اذ أدى ذلك الى ارتفاع سعره بشكل غير مبرر اقتصادياً امام الدولار. وقال هيثم العقابي 30 عاماً مدير "شركة الشارق للصيرفة والتحويل الخارجي" ل"الحياة" ان نزول الدولار ومن ثم ارتفاعه فجأة ومن دون سابق انذار في السوق العراقية يعد أمراً غير طبيعي. ورجح ان يكون السبب الرئيسي في هذا التذبذب المضاربات التي تحوم على الدينار العراقي وسحبه بكميات كبيرة خارج البلد والتي يقوم بها بعض المضاربين في الدول العربية المجاورة للعراق. ورأى ان استهداف اهم رموز سيادة البلد وهو الجيش العراقي الجديد وجهاز الشرطة العراقية واستقبال وفد الاممالمتحدة بالتفجيرات والاعمال الانتحارية خلقت تداعيات انعكست بظلالها على قيمة الدينار العراقي وانصبت كلها في تراجع سعر صرفه مقابل الدولار. من جهته اشار سلام ناظم 45 عاماً صاحب "شركة الكواكب للصيرفة" في بغداد الى ان فرض القيود الصارمة والرقابة الحدودية المشددة من قبل المراكز الحدودية العراقية في الفترة الاخيرة ادى الى احباط الكثير من محاولات تهريب الدينار العراقي وتسربه الى خارج البلاد. وقال ل"الحياة" ان تلك الفترة شهدت أيضاً قيام البنك المركزي العراقي بشراء الدولار بسعر اعلى من سعر السوق وبهدف خلق التوازن والاستقرار النقدي وتجنب الانخفاض المفاجىء الذي يولد عدم الثقة بظروف الاستثمار المحلية وتراجع النمو الاقتصادي. وتوقع ناظم استعادة الدينار العراقي قيمته وتحسن سعر صرفه امام الدولار في المستقبل القريب وبشكل تدرجي، معتبراً ان استمرار انخفاض سعر السوق عن سعر البنك المركزي وبفارق هامشي بسيط لن يؤثر في حركة السوق التجارية ولا يضر اطلاقاً بقطاع الاعمال الذي يشد التوازن والاستقرار في السوق النقدية. أما حازم السوداني 40 عاماً وهو صاحب "شركة الساحل للصيرفة والتحويل الخارجي" فهو يرى ان التذبذب الذي حصل اخيراً في سعر صرف الدولار يعود الى النظرة المتفائلة التي اخذ ينظر بها العراقيون للوضع الجديد بعد انهيار النظام السابق، بالاضافة الى عامل الثقة العالية من قبلهم بالدينار العراقي والتي ولدت لديهم ولدى الكثير من التجار والمضاربين العرب اقبالاً شديداً على الاحتفاظ بالدينار العراقي على امل ارتفاع قيمته بمستوى عال في المستقبل. واشار الى ان تأجيل تطبيق قانون الجمارك الجديد الى الاول من آذار مارس المقبل ولد طلباً على الدولار من قبل رجال الاعمال والتجار العراقيين. وتوقع حدوث انخفاض في سعر صرف الدولار بعد تطبيق قانون الجمارك العراقي الجديد بسبب انخفاض حركة الاستيرادات السلعية وتقييد حرية التجارة، موضحاً ان تطبيق قانون الجمارك سيسهم في تخفيض حجم الطلبيات الخارجية للكثير من التجار العراقيين والذين تمتعوا طيلة الفترة السابقة بحرية التجارة والحدود المفتوحة، وهذا الامر سينعكس بالطبع على نسبة الطلب على الدولار الاميركي في السوق العراقية، ما سيؤدي الى انخفاضه بشكل لا يمكن تحديده او التكلم عنه في الوقت الحاضر. يذكر ان سعر صرف الدولار الاميركي وصل يوم الاول من أمس الى 1445 ديناراً للدولار الواحد، فيما قام البنك المركزي العراقي ومن خلال المزادات اليومية للعملة الاجنبية ببيع الدولار بسعر1450 ديناراً عراقياً. وكان الدولار تراجع خلال الشهور الثلاثة الماضية امام الدينار العراقي حتى وصل الى سعر 1250 ديناراً الشهر الماضي قبل ان يعاود ارتفاعه.