سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير التنمية الشاملة الثالث أكد صعوبة تحقيق زيادة ما لم تتغير السياسات والاطر المؤسسية مصر : معدل النمو أدنى بكثير من المطلوب لاستيعاب البطالة ورفع مستوى المعيشة
شدد تقرير التنمية الشاملة الثالث في مصر الذي صدر امس، على ضرورة العمل الجاد لانقاذ عملية التنمية من عثرتها وتعويض المجتمع المصري ما فاته ليلحق بدول اخرى حققت انجازات مبهرة على رغم أن اوضاعها، عندما بدأت مسيرتها الانمائية، كانت مشابهة لاوضاع مصر أو أسوأ. قال تقرير التنمية الشاملة الثالث، الذي أعده مركز دراسات وبحوث الدول النامية التابع لجامعة القاهرة، أن الاقتصاد المصري حسب بيانات رسمية مختلفة حقق نمواً خلال العامين الماضيين راوح بين اثنين وثلاثة في المئة، لافتاً الى ان هذا في ذاته دليل على غياب ازمة النمو وان هذه المعدلات هي الأدنى مقارنة بالفترة من 1996- 2003 بكاملها، إذ لم يقل معدل النمو خلال النصف الثاني من التسعينات عن أربعة في المئة بل وتجاوز خمسة في المئة في ثلاثة أعوام. وأضاف أن هذا المعدل هو أدنى بكثير من المعدل المطلوب لاستيعاب البطالة ورفع مستوى معيشة المواطنين الفقراء، اذ وفقاً لتصريحات الخبراء فإن المعدل المطلوب لا ينبغي أن يقل عن سبعة في المئة سنوياً"وهكذا يمكن القول ان السنوات الثلاث الاولى من القرن الحادي والعشرين شهدت تباطؤاً في النمو. وتتضح دلالة هذا التباطؤ في النمو، الذي هو الاقرب الى الركود من كون معدل النمو الحقيقي لدخل الفرد لم يتجاوز 1.4 في المئة عام 2001 وانخفض الى 1.1 في المئة عام 2002 وارتفع على نحو طفيف الى 1.2 في المئة عام 2003". وزاد أن"ما يؤكد الاتجاه الى التباطؤ في النمو، الانخفاض في استهلاك كل من الاسمنت المحلي وحديد التسليح والذي لم يصل الى المستوى الذي كان بلغه بالنسبة للاسمنت المحلي عام 1997 27076 طناً إذ انخفض عام 2002 الى 99.5 في المئة عن مستواه عام 1999 ولكنه عاود الانخفاض عام 2003 ليصل الى 97.6 في المئة مقارنة بمستواه عام 1999. كما تظهر بيانات وزارة قطاع الاعمال العام ان مبيعات حديد التسليح كانت آخذة في الانخفاض طوال عام 2003، إذ انخفضت من 230.1 الف طن في كانون الثاني يناير عام 2003 لتصل الى 202.6 ألف طن في كانون الاول ديسمبر من العام نفسه وواصلت الانخفاض في بداية سنة 2004، اذ بلغت 170.7 ألف طن". وتابع:"كذلك فإنه ما يؤكد صحة هذا الاتجاه الركودي في الاقتصاد ان حجم الاستثمار العام ظل ثابتاً طوال عام 2003 كما أن واردات السلع الاستثمارية هي في انخفاض طوال العامين الماضيين، إذ توقف اجمالي الاستثمار القومي - مُقاساً بالاسعار الجارية - عند 68 بليون جنيه طوال العامين 2002 -2003 وذلك بزيادة طفيفة على العام السابق عند 66 بليون جنيه والذي كان انخفض بمقدار بليون جنيه عن العامين السابقين. وحتى إذا قبلنا قياس اجمالي الاستثمار الحقيقي باعتماد معدل التضخم الرسمي وهو 3.2 في المئة عام 2003، فإنه يكون انخفض عن الاعوام السابقة، كما تشير بيانات التجارة الخارجية الى انخفاض مستمر في واردات كل من السلع الوسيطة والسلع الاستثمارية بمعدلات كبيرة منذ عام 1999 للاولى وعام 1998 للثانية، وبلغت هذه المعدلات خلال الشهور التسعة الاخيرة من عام 2003 نسبة 13.8 في المئة للاولى و22.4 في المئة للثانية بالمقارنة بالنسبة السابقة". الاتجاهات الحالية وقال التقرير ان"الاتجاهات الحالية توضح صعوبة رفع مستوى النمو في السنوات المقبلة ما لم تتغير السياسات والاطر المؤسسية التي أدت الى هذه الاوضاع، فلا بد من رفع معدلي الادخار والاستثمار بنسب عالية حتى يمكن تعبئة مورد من الموارد لدفع التنمية، وإذا كانت معدلات الادخار تظل ثابتة نسبياً فترة طويلة من الزمن فإن فرص رفع معدل النمو في مصر تتوقف من ناحية على تحسين انتاجية العاملين، وزيادة كفاءة الاستثمار بصفة عامة واجتذاب قدر أكبر من الاستثمارات الخارجية، والتي تشمل مدخرات المصريين في الخارج اضافة الى الاستثمارات العربية والاجنبية. هذا وقد تواضعت تدفقات الاستثمارات الاجنبية في مصر بكل انواعها في السنوات الاخيرة فلم تتجاوز الاستثمارات الاجنبية المباشرة 402 مليون دولار في سنة 2003 بينما تناقص صافي استثمارات حافظة اوراق المال بمقدار 287.7 بليون دولار في السنة نفسها مقارنة بالسنة السابقة وفقاً لبيانات البنك المركزي". وأضاف:"من المؤكد أيضاً ان القدرة على زيادة الاستثمار في البلاد تتوقف بدرجة كبيرة على المركز المالي للحكومة، إذ انها المصدر الرئيسي في ظل تناقص استثمار القطاع الخاص، وعدم احتمال زيادة تدفق الاستثمارات الاجنبية بدرجة كبيرة خلال السنوات المقبلة ما لم يحدث تعديل جذري في بنية الاستثمار في مصر وخصوصاً من الناحية المؤسسية، وتصاعد الدين العام بمعدلات كبيرة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الألفية الثالثة من قرابة 202 بليون جنيه عام 2000 ليصل الى 291 بليوناً عام 2003، اي بنسبة 44 في المئة، وارتفع الدين المحلي للحكومة بنسبة أكبر، من 164 بليون جنيه تقريباً الى 252 بليون وذلك بنسبة 53.4 في المئة أو ما يعادل 17.8 في المئة سنوياً، وشكل ذلك عبئاً كبيراً على الحكومة، حاولت التخلص من بعضه بأساليب مبتكرة اثارت نقاشات واسعة، خصوصاً في تعاملها مع مديونيتها لهيئة التأمينات الاجتماعية". التغيير الهيكلي اما في ما يتعلق بالتغيير الهيكلي في الاقتصاد، فأشار التقرير الى أن معدل نمو القطاعات السلعية، وهو معدل مرتفع تباطأ مع ذلك نسبياً بين عامي 2002 و2003، وذلك على العكس من معدل نمو قطاعات الخدمات الانتاجية وقطاعات الخدمات الاجتماعية، والتي تسارعت معدلات نموها خلال العامين الاخيرين، فبينما انخفض معدل نمو القطاعات السلعية من 9.6 إلى 8.3 في المئة وارتفع معدل نمو قطاعات الخدمات الانتاجية الى اكثر من الضعفين، وزاد معدل نمو الخدمات الاجتماعية بمقدار خمسة امثاله تقريباً، فكانت المعدلات المسجلة للأولى هي 4.4 في المئة و11.1 في المئة بينما كانت في الثانية هي اثنان في المئة و9.8 في المئة بالترتيب، وفي الوقت نفسه فإن نصيب القطاعات السلعية في اجمالي الناتج المحلي هو اكثر قليلاً من النصف 51 في المئة وتساهم قطاعات الخدمات بأنواعها المختلفة ب49 في المئة من تكوين اجمالي الناتج المحلي عام 2003 وفي هذا الصدد انخفضت مساهمة الزراعة الى 16 في المئة من الناتج، ولم يزد نصيب الصناعة على 20 في المئة، وارتفع نصيب البترول ومنتجاته الى تسعة في المئة وهكذا فإن قطاعات الانتاج الاولى ساهمت بما يقرب من 29 في المئة، في حين ساهمت الصناعة والتعدين والكهرباء والتشييد والبناء بنحو 22 في المئة، وهذا يوضح ان بنية الاقتصاد المصري لم تقترب بعد من بنية الاقتصاد في الدول الصناعية الجديدة، فمساهمة الصناعة التحويلية اقل من مساهمة كل من الزراعة وانتاج النفط، ولا يجب ان ينخدع القارئ بهذه البيانات متصوراً ان بنية الاقتصاد المصري تقترب من بنية اقتصاد الدول الصناعية المتقدمة، التي تسيطر عليها قطاعات الخدمات، فعلى رغم ارتفاع مساهمة انشطة التجارة والمال والتأمين الى ما يقرب من خمس اجمالي الناتج المحلي، إلا ان الانشطة الاخرى، لا تتميز بالضرورة بانتاجية مرتفعة، وقد يكون تضخم مساهمتها في الاقتصاد مجرد انعكاس لكونها مستودعاً للبطالة المقنعة". الانعكاسات الاجتماعية انعكست الاوضاع الاقتصادية على الاحوال الاجتماعية للمواطنين من نواح عدة يفصلها التقرير، في اشارة الى ان"معدل نمو الدخل الفردي تباطأ الى حد كبير، فلم يتجاوز بالكاد واحداً في المئة وذلك باستبعاد التغير في الاسعار، علماً أن الرقم القياسي للاسعار، لا يكشف المدى الحقيقي لهذه الزيادة، خصوصاً بعد قرار ادخال النظام الجديد في تحديد سعر القطع ومع ذلك فإن معدل التغير في هذا الرقم القياسي في سنة 2003 مقارنة بعام 2002 وعلى اساس الرقم القياسي الذي اعلنته وزارة التجارة الخارجية يكشف ارتفاعاًَ عالياً في مستوى الاسعار، إذ قفزت هذه الزيادة بنسبة 18.5 بين عام واخر، بينما كانت المصادر نفسها تشير الى تواصل انخفاض معدلات زيادة الاسعار طوال سنوات التسعينات ثم بدأ هذا المعدل في الزيادة منذ 2001، وهنا لا بد من التشديد على ان كل هذه مجرد مؤشرات الى تغير كيفي في اتجاه التضخم، ولكنها اقل من ان تنقل صورة حقيقية لما يواجهه المستهلك في مصر". وقال التقرير ان"البيانات الرسمية نفسها الى اتجاه معدل البطالة الى التزايد. وتكشف بيانات مثل مسح قوة العمل عام 2003 عن أن القطاع الاكبر من العاطلين عن العمل هم من حملة الشهادات المتوسطة بنسبة 69.2 في المئة في المئة يليهم حملة الشهادات العليا 21.05 في المئة ثم حملة الشهادات فوق المتوسطة، واقل من الجامعي بنسبة ستة في المئة وهكذا فإن حملة الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة والعليا يشكلون الغالبية الساحقة من العاطلين 96.7 في المئة وان الذين تلقوا تعليماً اقل من المتوسط والاميين لا يشكلون اكثر من أربعة في المئة من اجمالي العاطلين". وأضاف ان"بطالة الشباب اتخذت ابعاداً اجتماعية وسياسية قاسية وغير مألوفة، منها تعدد حالات الانتحار بين الشباب، وتظاهرهم في احدى عواصم الاقاليم امام احد مكاتب العمل، ودفع ذلك الحكومة للعودة عن سياساتها الخاصة بوقف توظيف الخريجين في الجهاز الحكومي الا بمسابقات، واعلنت عن مشروع لتشغيل 150 الفاً من هؤلاء الشباب المتعلم والعاطل عن العمل وتدريب 120 الفاً آخرين، ولكن هذا المشروع بدوره لا يستوعب الا عدداً محدداً منهم ولا يكفي لوضع حد لهذه المشكلة، التي لا حل لها الا بالاسراع من معدل النمو، وتوجيهه نحو خلق وظائف، لا ان يكون كما هي الحال في بعض الدول المتقدمة نمواً لا يخلق الوظائف". وزاد أنه"مع تباطؤ النمو، وزيادة معدلات البطالة، فمن المتوقع ان تتجه معدلات الفقر الى التصاعد. واشارت دراسات عدة الى اتجاه عدد الفقراء ونسبتهم الى التزايد من 16 في المئة من اجمالي السكان في سنة 1999 الى ما يقرب من 20.4 في المئة في عام 2002 وبلغ عدد هؤلاء 13.7 مليون شخص، اما إذا أخذ قياس الفقر في الاعتبار، الاحساس بالفقر او اقرار الناس بانهم فقراء، لا يستطيعون الوفاء بحاجتهم الاساسية، فإن من يشعرون بهذا الاحساس القياس الذاتي للفقر يبلغون 31.8 في المئة من اجمالي السكان عام 2002، أو ما يزيد قليلاً على 21 مليون مواطن، وتوجد النسب الاكبر من هؤلاء في مناطق الصعيد الحضرية، تليها مناطق الدلتا الريفية، ثم مناطق الدلتا الحضرية، واخيراً المحافظات الكبرى، وتليها مناطق الوجه القبلي الريفية". وتابع:"يكشف عن حدة الفقر هذه، ارتفاع نسبة الاطفال دون سن الخامسة الذين ما زالوا ناقصي الوزن وتتجاوز هذه النسبة، عُشر عدد الاطفال في هذه الشريحة العمرية في عشر محافظات وهي الاعلى بكل تأكيد في بعض محافظات الصعيد، خصوصاً اسيوط والجيزة والمنيا والفيوم وبني سويف وسوهاج، بحسب الترتيب حيث تراوح ما بين خُمس الاطفال، حوالى 21.1 في المئة، وعشرهم، كما ترتفع هذه النسب كذلك في محافظاتالبحر الاحمر بنسبة 7.5 في المئة والسويس 16.2 في المئة، بل والقاهرة حيث تبلغ 11.7 في المئة من اجمالي الاطفال في هذه الشريحة العمرية".