من أولويات الاقتصاد السعودي الجديد الاهتمام بمشروعات البنية الأساسية.. ومن شأن هذا الاهتمام ان يقود للتشجيع وجذب الاستثمار بما سيؤدي بشكل مباشر الى زيادة النمو الاقتصادي بالدولة. فمن الملاحظ ان تطور الاقتصاد الوطني له صفة الاستمرارية منذ أمد بعيد انعكاسا لسياسة اقتصادية واثقة رسمت بدقة وذكاء وليس أدل على ذلك من نمو حجم الناتج المحلي الإجمالي في كل عام وفقا للتقديرات الرسمية، وبلغة الأرقام التي لا تخطئ فان من المتوقع ان يبلغ حجم ذلك الناتج استنادا الى ما جاء في الميزانية العامة سبعمائة وواحدا وتسعين مليارا وتسعمائة مليون ريال وهذا من شأنه ان يحقق نموا نسبته 12% وفقا للأسعار الجارية، كما ان ذلك من شأنه ان يحقق نموا نسبته 6.4% وفقا للأسعار الثابتة ليصل الى ستمائة وسبعة وسبعين مليارا وستمائة مليون ريال. @ الدمام - علي البراهيم على الرغم من استمرار صعوبة التنبؤ بالمناخ الاقتصادي والسياسي الذي يحيط بالمملكة إلا أن العمل العسكري في العراق الذي تم أخذه في الاعتبار في توقعاتها في السنة الماضية قد انتهى تقريبا وبدأت الصورة طبقا لبعض المقاييس تتضح بالنسبة لما تبقى من عام 2003 م وعام 2004 م.إلا إن ذلك الوضوح لا يكفي لتحديد مستقبل أسواق البترول وكذلك المتغيرات الهامة كالإيرادات الحكومية والمصروفات والتجارة الخارجية وبناءً على ذلك فإن التوقعات التي يتضمنها التقرير تتسم بالتحفظ المعتاد. والاقتصاد السعودي يتميز - كما في نهاية شهر أغسطس 2003 م - بمجموعة من المؤثرات المشجعة التي تتسم بالتوازن بشكل عام وتبشر بالخير لبقية عامي( 2003 و 2004م ) ... من ضمن هذه المؤثرات تظهر الأرقام الرسمية الأولية لعام 200م ارتفاع إجمالي الناتج المحلي إلى 8ر705 بليون ريال سعودي ويمثل ذلك زيادة بنسبة9ر2بالمائة في عام 2001م على خلفية انخفاض القيمة المضافة لقطاع البترول بمقدار أكثر من 30بليون ريال سعودي. ومن الناحية الفعلية نما إجمالي الناتج المحلي بنسبة1 بالمائة في عام 2002م وبقي سوق البترول حتى منتصف عام 2003م قوياً للغاية حيث حافظت أسعار البترول على معدل أعلى مما كانت عليه في النصف الأول من عام 2002 علاوة على ارتفاع الإنتاج والصادرات التي بلغت 4ر9 مليون برميل يومياً في أوائل عام 2003م وهو ما يزيد بكثير عن الحصة المقررة للمملكة والبالغة 8 ملايين برميل يوميا ً.. وعلى الرغم من هبوط ثقة المستهلكين كنتيجة لحرب العراق إلا أن السيولة المحلية بقيت عالية على خلفية انتعاش أرباح الشركات. ومن المفترض أن يؤدي هذا الواقع إلى تحقيق نمو اسمي إجمالي يزيد عن 5ر4بالمائة لعام 2003م .. لكن نظراً للانكماش المتوقع في القيمة المضافة لقطاع البترول في عام 2004م فقد يهبط ذلك النمو الاسمي إلى حوالي 6ر1 بالمائة في السنة القادمة أما النمو الفعلي لإجمالي الناتج المحلي لعام 2003م فيفترض أن يتجاوز 4بالمائة على أساس الزيادة في الإنتاج البترولي والأرقام الحالية. واصل القطاع الخاص غير البترولي ازدهاره بالتوازي مع قطاع البترول حيث بلغت مساهمة ذلك القطاع لغاية نهاية عام 2004م أكثر من 286 بليون من إجمالي الإنتاج المحلي ويمثل ذلك نسبة 41بالمائة تقريباً. وقد بلغ النمو الاسمي لهذا القطاع في عام 2002م حوالي 4بالمائة بينما زاد النمو الفعلي عن ذلك ليصل إلى 4ر4 بالمائة وقد تضمنت التوقعات الموضوعة في العام الماضي لعام 2003م تحقيق نمو بمقدار 5ر3 بالمائة للقطاع غير البترولي وهو معدل لا يزال بالإمكان تحقيقه إلا أنه قد يقترب أكثر من نسبة 3بالمائة مما يضع نمو القطاع الخاص بشكل عام عند مستوى 8ر3 بالمائة (باستثناء القطاع الحكومي والذي يسجل في العادة نمواً حقيقياً بنسبة 1بالمائة تقريباً) . وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً من العوامل التي تحدد مستوى نمو القطاع الخاص منها السيولة المحلية والائتمان في تمويل نمو القطاع الخاص ونمو أرباح الشركات والانتقال نحو المزيد من الخصخصة والتحرير الاقتصادي والتطورات المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة. وهذه العوامل مقرونة بسوق بترولية أقل ازدهاراً خلال عام 2004 تقودنا للتوقع بأن يبلغ نمو القطاع الخاص نسبة 5ر3 بالمائة في عام 2004م يقابله تباطؤ في نمو القطاع غير البترولي (شاملاً القطاع الحكومي) إلى 3بالمائة وتشارك في هذا النمو قطاعات مختلفة حيث يتوقع أن ينمو قطاع التصنيع بنسبة 5بالمائة في عام 2004م بينما يتوقع أن يكون نمو بعض القطاعات كالزراعة والإنشاءات أكثر تواضعاً. وكان القطاع غير البترولي قد حقق نمواً بلغ متوسط حوالي 4بالمائة في الفترة منذ عام 1999م بينما حقق قطاع التصنيع (غير البترولي) نسبة نمو بلغت 7ر17 بالمائة خلال فترة ثلاثة سنوات حتى نهاية 2002م. وأثبتت التوقعات لميزانية المالية لعام 2002م أنها صحيحة إلى حد ما حيث بلغت المصروفات الحكومية 225 بليون ريال سعودي مقابل إيرادات إجمالية بلغت 204 بليون ريال سعودي بينما بلغ العجز المالي 21 بليون ريال أي أكثر بمبلغ 15 بليون ريال سعودي من توقعات البنك السعودي البريطاني. أما بالنسبة لعام 2003 فقد تم تعديل التوقعات حيث يتوقع الآن أن تبلغ المصروفات الحكومية 232 بليون ريال يقابلها إيرادات حكومية تبلغ 235 بليون ريال مما يحقق فائضاً مالياً هامشياً وقدره 3 بلايين ريال . وبالنظر للانخفاض المتوقع لأسعار البترول في عام 2004 وأيضا لمتوسط الإنتاج اليومي والصادرات فأن البنك يتوقع أن تبلغ المصروفات الحكومية 225 بليون ريال في السنة القادمة تقابلها إيرادات حكومية تصل إلى 220 بليون ريال . نظراً لارتفاع الصادرات البترولية فقد حافظ ميزان المدفوعات (الحساب الجاري) على فائض منذ عام 1995م باستثناء عام 1998م ويقدر الفائض الانتقالي لعام 2002م بحوالي 43 بليون ريال ومن المتوقع أن يرتفع ذلك الفائض إلى 60 بليون ريال في عام 2003م ثم يهبط مرة ثانية إلى حدود40 بليون ريال في عام 2004م. وهذا الوضع التجاري الإيجابي جداً يعود لارتفاع قيم الصادرات إلى أكثر بكثير من 250 بليون ريال مقابل تباطؤ نسبي في نمو الواردات المنظورة إلى أقل من 4بالمائة لتصل إلى حوالي 125 بليون ريال في عام 2003. ويعتبر الفائض التجاري (الذي زاد عن 130 بليون ريال) كافياً بشكل كبير لمقابلة العجز في الخدمات والتحويلات. إن مستوى التضخم يعزز الصورة المشرقة جداً للاقتصاد السعودي (باستثناء ارتفاع مستوى الدين العام). فقد واصل مستوى التضخم انخفاضه لفترة سبع سنوات متوالية حيث بلغ مؤشر مستوى المعيشة (لكافة المدن) لغاية منتصف عام 2003م 110 نقطة في عام 1997م أي بانخفاض نسبته 4بالمائة وينطبق ذلك أيضاً على مؤشر تكلفة المعيشة للعائلات متوسطة الدخل. ويأتي ذلك على الرغم من النمو القوي لعرض النقود لعام 2003م وللنصف الأول من عام 2003م وهو ما قد يوحي في الاقتصادات الأخرى بتزايد معدلات التضخم. وخلافاً للتوقعات فقد هبط مؤشر سعر واردات التجزئة بحوالي 4بالمائة خلال فترة ست سنوات هذا بالإضافة إلى أن الاقتصاد على المستوى الداخلي منافس جداً مما يدفع الأسعار للهبوط. ومن ناحية أخرى فإن تضخم الأجور ظاهرة غير موجودة في سوق العمل السعودي وهو ما يخفف الضغوط على الأسعار من هذا الجانب أو يجعلها غير موجودة خلافاً لمعظم الاقتصادات الغربية. ومن هذا المنطلق فمن المفترض أن تهبط الأسعار مرة أخرى بحوالي 1بالمائة في عام 2003م يقابله هبوط مماثل للأسعار في عام 2004م ما لم يحصل تغير مفاجئ في النظام النقدي الحكومي . القطاع البترولي على الرغم من تزايد أهمية القطاع غير البترولي إلا أن قطاع البترول لا يزال العنصر الرئيسي المؤثر في النمو الاقتصادي للمملكة إذ أن المملكة تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم بحجم يزيد عن 260 بليون برميل أي أكثر من ربع الاحتياطات العالمية. وهذا المستوى هو في تزايد مستمر بفضل الاكتشافات الجديدة على الرغم من الإنتاج اليومي الذي يتجاوز بشكل عام 8 ملايين برميل يومياً. وطبقاً لمستويات الإنتاج الحالية فان هذه الاحتياطات لن تستنفذ قبل 90 سنة من الآن حتى إذا لم يتم اكتشاف احتياطيات إضافية أخرى. وبالنظر لانخفاض تكلفة إنتاج البترول السعودي والتي تبلغ في حدود 2دولار للبرميل الواحد أو أقل فان المملكة تتبوأ موقعاً قوياً وفريداً في سوق البترول العالمي. وتجدر الإشارة بأن قطاع البترول يساهم حاليا ًبحوالي 37بالمائة من إجمالي الناتج المحلي حسب الأسعار الحالية. إلا أن متوسط المساهمة الفعلية لهذا القطاع في السنوات الأخيرة بلغ حوالي ثلث إجمالي الناتج المحلي وهو ما قد يخفي أهميته الفعلية فعلى الرغم من قلة العاملين فيه وعدم كونه جهة توظيف رئيسية في المملكة إلا انه يساهم بأكثر من 75 بالمائة نمو الإيرادات الحكومية. كما أن أسعار وإنتاج البترول مازالت ذات تأثير كبير على الثقة بأجواء الأعمال وحجم الطلب الاستهلاكي والعقود التي ترسيها الحكومة على القطاع الخاص. هذا وقد بقي الإنتاج النفطي للمملكة قويا بالرغم من المخاوف والتوقعات بان نهاية الحرب العراقية ستؤدي إلى زيادة كبيرة في الإنتاج العالمي .. فقد بلغ متوسط الإنتاج لشهر يوليو مثلا 8.6 مليون برميل يوميا مقارنة ب 9.4 مليون برميل في شهري أبريل ومايو من السنة الجارية وتبلغ الحصة الإنتاجية الحالية المقررة للمملكة 8.256 مليون برميل يوميا ( انظر الجدول 1). وعلى صعيد آخر ارتفع متوسط سعر سلة أوبك بنسبة تزيد عن 15 بالمائة في النصف الأول من عام 2003م مقارنة بالعام 2002م كما ارتفعت الإيرادات البترولية لمنظمة أوبك بشكل عام بنسبة تزيد عن 20 بالمائة في عام 2003م. وكما يوضح الجدول رقم (1) فإن إنتاج المملكة من النفط يبلغ حوالي 23.5 بالمائة من أجمالي إنتاج أوبك ( باستثناء الإنتاج العراقي) ويمثل ذلك اكثر من 11 بالمائة من الإنتاج العالمي في منتصف عام 2003م. كما تمتلك المملكة أيضا حوالي 3بالمائة من القدرة الإضافية لمنظمة أوبك كما في شهر أغسطس2003م ولذلك فإن المملكة تمثل عنصر التوازن بالنسبة للإنتاج النفطي العالمي. ويتضح مما تقدم بان هناك حقائق تبرر الثقة بقوة الإنتاج النفطي للملكة العربية السعودية وإيراداتها في عام 2003م. وكانت التوقعات في هذا الوقت من العام الماضي تشير إلى بلوغ متوسط سعر صادرات البترول السعودية 21 دولارا للبرميل الواحد إلا أن ذلك الرقم كان مرتفعا جدا مقارنة بالتوقعات الأخرى حيث زاد بمقدار 4 دولارات للبرميل الواحد عن تقديرات وزارة المالية الواردة في بيان الميزانية المالية لعام 2003م. وتجدر الإشارة إلى أن اغلب المتوقعين قد رفعوا من توقعاتهم خلال النصف الأول من عام 2003م أشارت إلى على ارتفاع متوسط أسعار البترول على نطاق 23-26 دولارا للبرميل الواحد لعام 2003م. وقد تم تعديل توقعات شهر أبريل من عام 2003م إلى 23 دولارا للبرميل الواحد لتعكس الوضع السائد في ذلك الوقت . إلا أنه في نهاية شهر أغسطس 2003م اتضح أن التوقعات سوف تكون أقل لهذا العام ولذلك فإن التوقعات الحالية هي أن سعر البترول سوف يتراوح ضمن نطاق 23.5-24 دولار للبرميل الواحد لعام 2003م منطلقين في ذلك من واقع الحقائق الحالية التالية لسوق البترول. و بلغ متوسط سعر سلة أوبك حتى تاريخه اكثر من 27 دولارا للبرميل في عام 2003م وتتوقع وكالة الطاقة الأمريكية بقاء سعر بترول غرب تكساس في حدود دولار للبرميل الواحد حتى نهاية عام 2003م. لم تتحقق حتى الآن الزيادة المتوقعة في إنتاج العراق كما أن احتمال ذلك لا تزال محدودة في الأمد القريب. فقد كان إنتاج العراق من البترول قبل الحرب الأخير 2.5 برميل يوميا إلا أنه انخفض على 54 برميلا يوميا كما في نهاية أغسطس أي اقل بنسبة 20 بالمائة عن الإنتاج السابق أو نصف صادرات العراق من البترول الخام لشهر مارس 2003م. ومع استمرار حالة التوتر الأمني فأنه حتى وزارة البترول العراقية تشكك في إمكانية وصل إنتاج العراق إلى مستويات ما قبل الحرب قبل منتصف عام 2004م. ولذلك فإن على منظمة أوبك في هذا الوضع سد النقص في الإمدادات النفطية للوفاء بالطلب العالمي. لا تزال مستويات المخزون البترولي العالمي تشهد انخفاضا تاريخيا .. فطبقا للتصريحات الحكومية الأمريكية لا يزال هناك حتى منتصف 2003م نقص كبير في مخزونات النفط العام يبلغ 15 مليون برميل دون المستويات المعتاد ( حوالي 5 بالمائة دون مستويات المخزون في شهر يوليو) وكانت تقديرات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لمستويات المخزون حتى منتصف 2003م سجلت انخفاضا قياسيا هو الأعلى منذ خمس سنوات ومن غير المحتمل التمكن من تصحيح ذلك المخزون حسب مستويات الإنتاج الحالية لمنظمة أوبك مالم تتحقق زيادة كبيرة في الإنتاج العراقي أو إنتاج دول خارج منظمة أوبك أو انخفاض الطلب العالمي وتبدو احتمالات حصول أي من هذه الوقائع بعيدة في الوقت الحاضر. واصل حجم الطلب العالمي على النفط ارتفاعه ولو بكميات متواضعة. وقد قدرت إدارة معلومات الطاقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية بلوغ الطلب على النفط 1ر77 ملين برميل يوميا في الربع الثاني من عام 2003م مقارنة بمستوى 2ر26 مليون برميل يوميا في الربع الثاني من عام 2002م وتتوقع الوكالات حدوث زيادة مضطردة في الطلب في النصف الثاني من عام 2003م ليبلغ 8ر79 مليون برميل يوميا في الربع الأخير من السنة أي بزيادة نسبتها 1 بالمائة عما كان عليه في عام 2002م. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية في تقريرها في أغسطس نمو الطلب على النفط بواقع 11ر1 مليون برميل يوميا ليصل مستوى 4ر78 مليون برميل يوميا وذلك استجابة للطلب المتزايد من الصين.ليصل حجم الطلب في الربع الأخير من السنة وفق توقع الوكالة إلى 1ر80 مليون برميل يوميا. تواجه منظمة أوبك بعض المشاكل مع بعض المنتجين مثل فينزولا ونيجيريا بالالتزام بحصص الإنتاج ومن المتوقع أن يدخل بعض الإنتاج الإضافي من دول خارج منظمة الأوبك على الخط في النصف الثاني من عام 2003م. تمكنت أوبك من الحفاظ على انضباط معقول بالنسبة للالتزام بالحصص المقررة حتى في ظروف السوق الصعوبة أي عند حصول الزيادة في الإنتاج في أوائل عام 2003م. ويعتبر تمكن أوبك من المحافظة على إنتاج قريب من مستويات الحصص المقررة والحفاظ على مستوى السعر بين 22-28 دولارا للبرميل الواحد إشارة إيجابية. و تستطيع أوبك السماح ببعض التجاوزات في حصص الإنتاج المقررة في حالات ارتفاع الطلب. هناك بعض الإشارات غير الواضحة بالنسبة لسوق البترول في عام 2004م فإذا تحسنت الأوضاع الأمنية في العراق سيكون بالإمكان في مرحلة القادمة من العام زيادة الصادرات العراقية مع أن من غير المحتمل أن يتجاوز الإنتاج العراقي 5ر2 مليون برميل يوميا خلال عام 2004م. وبالرغم من أن معظم المحللين لا يتوقعون زيادة كبيرة في مستوى الطلب العالمي في عام 2004م إلا أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع ارتفاع الطلب بواقع 1 مليون برميل يوميا (تقرير شهر أغسطس) أو بنسبة 3ر1 بالمائة. كما تتوقع الوكالة نمو الطلب 5ر1 بالمائة مليون برميل يوما في عام 2004م ليصل إلى 4ر79 مليون برميل يوميا وهذه الأرقام تعززها توقعات النمو الاقتصادي العالية فالأمم المتحدة على سبيل المثال تتوقع بلوغ النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3 بالمائة في عام 2004م بينما سيبلغ نمو دول شرق وجنوب آسيا 6 بالمائة ( التقرير اقتصادي العالمي لعام 2003) وتتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع إنتاج دول خارج منظمة الأوبك بمقدار 3ر1 مليون برميل يوميا وهو ما من شانه أن يضغط على أسعار البترول في اتجاه الهبوط مع تجاوز إنتاج دول خارج منظمة الأوبك حجم الطلب الضافي. ومن شأن ذلك أيضا أن يختبر مدى الالتزام بالحصص من قبل أعضاء الأوبك.. ولكن الإنتاج الإضافي لن يكون بكبير إلى حد التسبب في خلافات كبيرة ضمن منظمة الأوبك في حالة الحاجة لخفض حصص الإنتاج إذ أن المملكة وحدها تستطيع احتواء هذا التصحيح حيث لازالت تنتج ما يزيد عن 8 ملايين برميل يوميا في الوقت الحاضر. يتضح مما تقدم بان هناك احتمالا إلا تحافظ أسعار البترول على مستويات عام 2003م وذلك على ضوء العوامل المذكورة أعلاه.وبناء عليه فإننا نتوقع أن يكون سعر صادرات البترول السعودية لعام 2004م في حدود 22 دولارا للبرميل الواحد أي دون سعر 24 دولارا للبرميل الواحد كما أشارت التوقعات في عام 2003م ومن المتوقع أيضا أن ينخفض إنتاج النفط السعودي ليقترب من 8 براميل يوميا في عام 2004م. القطاع الخاص غير البترولي يركز المنظور الاقتصادي لحكومة المملكة على المدى الطويل بشكل واضح جدا على القطاع الخاص غير البترولي فقد تضمنت خطة التنمية السابعة استراتيجية واضحة على المدى البعيد تتركز بوجه خاص على التنوع الاقتصادي والسعودة والخصخصة ويفترض أن ينظر إلى كافة التطورات في القطاع الخاص على المدى البعيد ضمن هذا الصياغ. وسوف تقوم الحكومة من جانبها بدعم هذه الاستراتيجية على المدى البعيد من خلال السياسات الاقتصادية التي تتبناها. وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدد من العناصر الأساسية التي تعقد الحكومة أنها ستعزز النمو السريع للقطاع الخاص ومنها: تحسين الإنتاجية والفعالية .. رفع القيود على الشركات .. التطور الصناعي المتخصص والمنافسة في البتروكيماويات والطاقة / الأنشطة الرأسمالية المكثفة والتحول المتوقع لبعض الشركات العائلية إلى شركات مساهمة وبعض الشركات الأخرى إلى شركات متعددة الجنسيات. ويوضح الجدول رقم 2 مدى التحسن الاقتصادي الذي ستنتج عن النجاح في تنفيذ هذه السياسات فالقيمة المضافة للقطاع الخاص تستطيع حسب خطة التنمية السابعة النمو بمعدل 73ر5 بالمائة في السنة حتى عام 2020م وبمعدل نمو سنوي يصل إلى 93ر4 بالمائة خلال الفترة 2000/2004م إذا ما تحققت معدلات النمو المشار إليها فإن هيكل الاقتصاد السعودي سوف يتغير تغيرا كبيرا حتى عام 2020م بحيث تبلغ مساهمة القطاع الخاص غير البترولي حوالي 70 بالمائة من أجمالي الناتج المحلي حتى عام 2020م ميلادي مقارنة بأكثر بقليل من 50 بالمائة في عام 2003م بينما سوف تتناقص مساهمة قطاع البترول إلى 200 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي إذ أن مساهمته الآن تبلغ حوالي ثلث القيمة المضافة. كما أن التوسع السريع للقطاع الخاص يعني انكماش القطاع العام الذي قد تصبح مساهمته اقل من 10 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الفعلي بنهاية عام 2020م مقارنة بنسبة 18 بالمائة في عام 2001 م إلا أن ما تجدر الإشارة إلية هو أن تغيرات هيكلية بهذا الحجم يندر حصولها بالنسبة لأي بلد ولكنها مطلوبة إذا أرادت المملكة أن تتجاوز التحديات التي تواجهها حاليا والناتجة بشكل رئيسي عن التغيرات الديموقرافية الكبير الحاصلة. من منظور المدى القصير فإن هناك عوامل إيجابية وسلبية تؤثر على تحقيق هذا النموذج من النمو حيث توقع في السنة الماضية أن ينمو القطاع غير البترولي بنسبة 5ر3 بالمائة في عام 2003 م ( شاملا القطاع الحكومي) وقد بلغ نمو القطاع الخاص في عام 2002م نسبة 10ر4 بالمائة أما الآن فإنه يتوقع أن يتباطأ نمو القطاع غير لبترولي حتى 3 بالمائة لعام 2003م وهي توقعات تتماشى مع فرضيات وزارة التجارة والصناعة والتي تقول بأن القطاع الخاص خلاف القطاع الحكومي سوف ينمو بنسبة 4 بالمائة هذه السنة ( تصريح 24 يونيو 2003م) إلا أن القوة النسبية للعوامل الإيجابية والسلبية التالية ستلعب دورا في تحديد معدلات النمو الفعلي في عامي 2003و2004م. تواصل النمو القوي للسيولة مما يعزز نمو القطاع الخاص كما أن الإيرادات البترولية وبالتالي المصروفات الحكومية كانت على الدوام مرتفعة نسبيا هذا وقد نما عرض النقود (ن2) بنسبة 15بالمائة في عام 2002 وهذه النسبة أعلى بثلاث مرات من متوسط الخمس سنوات السابقة فقد نمت الودائع الآجلة وودائع التوفير وحدها في عام 2002م بنسبة 8 بالمائة إلا ان تراكم السيولة في النظام المصرفي جعل الائتمان المصرفي اكثر جاذبية خاصة على ضوء الانخفاض الشديد في أسعار الفوائد حاليا. وقد نمت المطالبات البنكية على القطاع الخاص بنسبة 10بالمائة في عام 2002 م وارتفعت بنسبة 3.8بالمائة بين الربعين الأول والثاني من عام 2003م وكل هذه المؤثرات تعتبر ايجابية بالنسبة لتوسع ائتماني للقطاع الخاص. إلا ان الناحية السلبية التي يجدر لفت الانتباه لها هي النمو السريع في المطالبات البنكية على القطاع العام ففي الفترة بين نهاية 2002 ومنتصف 2203 نمت تلك المطالبات بأكثر من 17بالمائة لتبلغ 117 بليون ريال سعودي أو 25بالمائة من أجمالي الناتج المحلي الحالي. وهذا النمو في المطالبات البنكية على القطاع العام يحتاج للمراقبة خاصة وانه يأتي خلال فترة تتسم فيها أسعار البترول والإيرادات الحكومية بارتفاع نسبي. وطبقا للاقتصادات الغربية فان هذا الأمر قد يقود الى مخاوف من ان تحد متطلبات تمويل القطاع العام من توسع القطاع الخاص.