لم تتحقق التوقعات المتشائمة التي سادت في الشهور الأولى من عام 2003 بسبب الحرب على العراق، إذ أنهت دول المنطقة العام مسجلة معدلات نمو مرتفعة كما أن النمو الاقتصادي للسنة الجارية يبدو واعداً. ويُتوقع ان تسجل دول الخليج الست، إضافة إلى الأردن والمغرب والجزائروتونس، معدلات نمو اقتصادي مرتفعة خصوصاً في القطاعات غير النفطية، غير ان زخم النمو هذا قد لا يشمل مصر ولبنان على رغم ان النشاط الاقتصادي في هاتين الدولتين قد يكون أفضل عما كان عليه عام 2003. وقد تشهد سورية، المهددة من قبل الولاياتالمتحدة بفرض عقوبات اقتصادية عليها، تباطؤاً في نشاطها الاقتصادي، في حين أن الاقتصاد الفلسطيني سيتراجع للسنة الخامسة على التوالي نتيجة للتدمير والحصار الإسرائيلي المتواصل منذ العام 2000. ويتوقع أن تحافظ المؤشرات الاقتصادية العربية على نهجها الإيجابي السنة الجارية مدعومة ببقاء أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، واتباع دول المنطقة لسياسات مالية توسعية، وثبات أسعار الفوائد على العملات المحلية عند معدلاتها المنخفضة حتى منتصف هذه السنة على الأقل، وان ارتفعت بعد ذلك فستكون بشكل تدرجي وبطيء، إضافة إلى عدد كبير من الفرص المتوافرة للشركات العربية للمشاركة في عمليات إعادة إعمار العراق. وبدأ عدد من الشركات المصرية والكويتية ببناء شبكات للهواتف النقالة في العراق، وتقدم شركات أردنية عدداً كبيراً من الخدمات المساندة في العراق بدءاً من التموين الغذائي إلى تدريب وحدات من الشرطة والجيش العراقي وانتهاءً بتقديم خدمات مصرفية وإدارية ولوجيستيكية مختلفة. ويتوقع ان تحظى شركات عربية بعقود لمشاريع كبرى مثل تحديث شبكات توليد الكهرباء والمياه وبناء الشقق والبيوت السكنية وغيرها. وجاء الأداء المميز الذي سجلته معظم أسواق الأسهم العربية العام الماضي إضافة إلى الارتفاع في أسعار العقارات في معظم دول المنطقة ليعكس تنامي ثقة المستثمرين وتوقعاتهم بتحسن الأوضاع الاقتصادية وأداء الشركات العربية المدرجة السنة الجارية. وقد يؤدي النمو الاقتصادي القوي الذي تشهده الولاياتالمتحدة سنة 2004 إلى انتعاش اقتصادي في بقية أنحاء العالم. إذ يُقدر أن يصل معدل النمو الحقيقي للاقتصاد الأميركي سنة 2004 إلى 4.5 في المئة مقارنة مع 3.2 في المئة عام 2003، مدعوما بسياسات مالية ونقدية توسعية، وانخفاض في سعر صرف الدولار الأمر الذي سيساعد في حفز الصادرات، إضافة إلى زيادة الانفاق الاستثماري والاستهلاكي المحلي. ويتوقع أن يحافظ الاقتصاد الصيني السنة الجارية على زخم النمو الاقتصادي الذي سجله اخيراً أي في حدود 8 في المئة، بينما يتوقع ان تنخفض معدلات النمو الاقتصادي في اليابان من 2.4 في المئة عام 2003 إلى 2 في المئة السنة الجارية. وستشهد الدول الأوروبية انتعاشاً محدوداً بسبب السياسات المالية المتشددة، وارتفاع سعر صرف اليورو والتقدم البطيء الذي سجل حتى الآن في معالجة الاختلالات التي تؤثر سلباً في سوق العمل ونظام التقاعد. لذا لا يتوقع ان يتعدى معدل النمو الحقيقي لاجمالي الناتج المحلي في منطقة اليورو مستوى 1.9 في المئة سنة 2004 مقارنة مع 0.6 في المئة عام 2003. وستبقى معدلات التضخم في الولاياتالمتحدة ودول العالم المتقدم عند معدلاتها الحالية المتدنية الأمر الذي لن يشجع السلطات النقدية على رفع معدلات أسعار الفائدة العالمية على الأقل في النصف الأول من السنة. وتشير التوقعات بأن سعر الفائدة بين المصارف على ودائع الدولار لليلة الواحدة قد ينهي السنة على معدلات أقل من 2 في المئة مقارنة مع 1 في المئة حالياً، وبهذا ستبقى أسعار الفائدة على العملات المحلية في معظم الدول العربية منخفضة تماشياً مع تلك التي على الدولار، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على قطاعات الاقتصاد الأكثر تأثرا بأسعار الفائدة ويُساعد أسواق الأسهم العربية في الحفاظ على المكاسب الكبيرة التي تحققت العام الماضي. مصر وعانى الاقتصاد المصري، الذي يعتبر ثاني أكبر اقتصاد بين الدول العربية بعد المملكة العربية السعودية، من تبعات عملية تعويم الجنيه المصري في 28 كانون الثاني يناير 2003 أكثر من معاناته بسبب الآثار السلبية للحرب على العراق. ويبلغ سعر صرف الجنيه مقابل الدولار حالياً نحو 6.5 جنيه للدولار مقارنة مع 4.15 جنيه للدولار قبل التعويم. وأدرك المتعاملون في السوق بأن سياسة الصرف الجديدة لم تكن تعويماً للجنيه بالمعنى المتعارف عليه بل سياسة تعويم مُدارة بطريقة غير مباشرة يتم من خلالها مقابلة فائض الطلب على العملات الأجنبية من خلال السوق الموازية السوداء حيث يتم تداول العملة المصرية عند مستوى 7 جنيهات للدولار الأميركي. وعلى خلاف ما حصل في الأردنوتونس وبعض دول الخليج، خفضت مؤسسة فيتش ومؤسسة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني درجة التصنيف المعطاة لمصر بالعملات المحلية ولآجال طويلة. ويتوقع ان تكون السنة الجارية هي الأولى منذ 1999 التي ستستطيع أن تحقق فيها مصر ارتفاعاً في معدلات نموها الاقتصادي، إذ يتوقع ان يصل النمو الحقيقي لاجمالي الناتج المحلي إلى 3.4 في المئة السنة الجارية مقارنة مع 3.1 في المئة عام 2003. وسيساعد في حفز النمو هذا زيادة الصادرات غير النفطية التي استفادت من تراجع سعر صرف الجنيه والدولار مقابل اليورو، والنشاط الذي يشهده القطاع السياحي الذي حقق معدلات نمو تعدت 20 في المئة العام الماضي، إذ وصل عدد السياح إلى حوالى 6 ملايين سائح كما أن دخل البلاد من قناة السويس ارتفع بنسبة 32 في المئة عام 2003 بعد ثباته حول مستوى البليوني دولار في معظم اعوام العقد الماضي. لبنان واستطاع لبنان تجنب أزمة مالية خانقة بعد مؤتمر باريس للدول المانحة الذي عقد في تشرين الثاني نوفمبر عام 2002. وبالإضافة إلى حصوله العام الماضي على 4.2 بليون دولار على شكل قروض طويلة الأجل، تمكنت السلطات النقدية من تحقيق تراجع في هيكل أسعار الفائدة المحلية، كما طرأ تحسن على ميزان المدفوعات من جراء الزيادة الكبيرة في أعداد السياح خصوصاً من دول الخليج وارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر. وانعكس هذا في زيادة احتياط لبنان من العملات الأجنبية ليصل إلى أكثر من 12 بليون دولار. ويقدر ان تتعدى نسبة العجز المحقق في الموازنة العامة إلى اجمالي الناتج المحلي السنة الجارية 16 في المئة كما يتوقع ان تصل نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي إلى مستويات حرجة تفوق 170 في المئة. ويتوقع ان يبقى النشاط الاقتصادي في لبنان محدوداً بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وضعف المنافسة وعودة ظاهرة التنازع السياسي، فالانتخابات الرئاسية السنة الجارية قد تحد من قدرة السلطات على إدخال التغييرات الاقتصادية المطلوبة. تونس وسجل الاقتصاد التونسي نمواً قوياً العام الماضي في حدود 5 في المئة مقارنة مع 1.9 في المئة عام 2000، وشهد الاقتصاد خمس سنوات متواصلة من النمو القوي تراوح بين 4.7 في المئة و6 في المئة سنوياً خلال الفترة من 1997 إلى 2001. ويعود السبب في تحسن معدلات النمو الاقتصادي العام الماضي إلى ارتفاع الناتج الزراعي وانتعاش القطاع السياحي وزيادة الصادرات إلى أوروبا التي تعتبر سوق التصدير الرئيسية لتونس. ورفعت مؤسسة مودي للتصنيف الائتماني درجة التصنيف السيادي لتونس إلى أعلى مستوى بين الدول العربية غير الخليجية. وتبدو توقعات النمو الاقتصادي السنة الجارية مشجعة وقد تصل إلى 5.5 في المئة. المغرب يتوقع ان يرتفع معدل النمو الاقتصادي في المغرب من 5.5 في المئة العام الماضي إلى 6 في المئة سنة 2004 مدعوماً بعودة النشاط إلى قطاع السياحة وموسم زراعي جيد وانتعاش الطلب المحلي وزيادة الصادرات إلى أوروبا. الجزائر أما الجزائر فهي كغيرها من دول "أوبك" التي استفادت من ارتفاع أسعار النفط كما ان القطاعات غير النفطية تحسنت هي الأخرى مما أدى إلى تسجيل نمو اقتصادي بنسبة 6.8 في المئة العام الماضي، ويتوقع ان يسجل الاقتصاد الجزائري نمواً في حدود 6 في المئة السنة الجارية إلا انه لا يزال أمام الجزائر طريق طويل للقيام بعدد كبير من الإصلاحات الاقتصادية وإعادة الهيكلة لتغيير البنية الاقتصادية من اقتصاد موجه إلى اقتصاد يعتمد على قوة السوق. الاردن وسجل الأردن نمواً اقتصادياً بالأسعار الثابتة بنحو 2.8 في المئة في الربع الأول من عام 2003 و3 في المئة في الربع الثاني و3.2 في المئة في الربع الثالث، أي أن معدل النمو الاقتصادي لعام 2003 قد يكون في حدود 3.3 في المئة، وهذه النسبة أقل بعض الشيء من معدل النمو المحقق عام 2002 الذي كان في حدود 4.9 في المئة. وسجل القطاع الصناعي تباطؤاً ملحوظاً في معدلات نموه في الشهور التسعة الأولى من عام 2003 التي جاءت عند 1.1 في المئة مقارنة مع 12.1 في المئة خلال الفترة نفسها من عام 2002، ويُعزى ضعف النمو هذا في المقام الأول إلى تراجع صادرات الأردن الى السوق العراقية. وتشير موازنة سنة 2004 إلى أن الحكومة ستستمر في اتباع سياسة مالية توسعية، إذ أن النفقات الحكومية مقدر لها أن ترتفع بنسبة 6 في المئة مقارنة مع النفقات المحققة العام الماضي. ويتوقع ان تبقى أسعار الفائدة على الدينار عند مستوياتها الحالية المنخفضة خلال النصف الأول من السنة وهناك إمكانية أن ترتفع بشكل محدود وتدرجي في النصف الثاني منها. وهذا بدوره سيحفز التوسع في التسهيلات الائتمانية ويشجع الشركات على إعادة تمويل ديونها الأمر الذي سينعكس إيجاباً على قطاعات الاقتصاد الأكثر تأثرا بأسعار الفائدة مثل الإنشاءات والأجهزة المعمرة والسوق المالية. وقد تساعد عودة الثقة للسوق المحلية المتمثلة في ارتفاع أسعار الأسهم بنحو 54 في المئة عام 2003 والنمو المضطرد في الصادرات إلى السوق الأميركية واستقرار الأوضاع في المنطقة في تحقيق معدلات نمو اقتصادي بالأسعار الثابتة في حدود 5 في المئة السنة الجارية. *الرئيس التنفيذي. جوردإنفست