بدأت الاطراف والقوى المعنية بالانتخابات البلدية في بيروت، مع اقتراب موعدها في 9 أيار مايو المقبل، تخفف تدريجاً من المناورات السياسية التي لجأت اليها قبل اسابيع لتقوم بالتحضير العملي للمعركة التي ستكون سياسية بامتياز. ولن ينجح الحرص المعلن للمهتمين على اضفاء الطابع الانمائي في صرفها عن جو المنافسة التي تتقاطع الى حد كبير مع الاجواء التي سادت الانتخابات النيابية الاخيرة في العاصمة عام 2000 والتي أتاحت لرئيس الحكومة رفيق الحريري تسجيل انتصار كبير على خصومه. ان الرغبة في الثأر السياسي للانتخابات النيابية الأخيرة ستكون حاضرة، خصوصاً ان خصوم الحريري الاساسيين يعدون العدة لخوض المعركة البلدية ضده، باستثناء رئيس الحكومة السابق سليم الحص الذي أخذ يتصرف منذ فتح ملف الاستحقاق البلدي على انه غير معني في تركيب اللوائح على رغم ان "ندوة العمل الوطني" التي يترأسها تنزل بكل ثقلها في المواجهة. وبدأت القوى السياسية من حزبية وشخصيات وتجمعات تحشد للمعركة البلدية وتحاول الآن تركيب لائحة اساسية يفترض ان تحظى بدعم مباشر من النائب السابق تمام سلام وغير مباشر من الرئيس الحص من خلال "ندوة العمل الوطني" وتضم ممثلين عن جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية الأحباش والمؤتمر الوطني الشعبي كمال شاتيلا وتجمعات ناصرية متعددة الانتماءات وجمعيات محدودة الوجود في عدد من احياء العاصمة. وفي المقابل، هناك قوى سياسية يتزعمها النقيب السابق للمهندسين عاصم سلام حركة التجدد الديموقراطي بقيادة النائب نسيب لحود والنائب السابق نجاح واكيم والمنبر الديموقراطي النائب السابق حبيب صادق والحزب الشيوعي اللبناني ومجموعات يسارية كانت انشقت عن احزابها، تحاول من جهتها الانفتاح على المعارضة المتمثلة ب"قرنة شهوان" والتيار الوطني الحر العماد ميشال عون في محاولة لتركيب لائحة تمثل الخط الثالث، أي الخط المعارض للحكم والحكومة ولا يلتقي مع الخط الثاني الذي يقوده ميدانياً عضو المجلس البلدي عبدالحميد فاخوري ويلتقي فيه مع قوى مناوئة للحريري من جهة وتقيم علاقة طيبة بعدد من أبرز رموز السلطة او تجتمع مع الخط الأول الذي يتزعمه رئيس الحكومة. وكانت جرت في الأيام الأخيرة محاولة لتوحيد القوى المعارضة للحريري في لائحة واحدة، وقد مهد لها عدد من الشخصيات السياسية التي نجحت في حل الاشكال الذي حصل أخيراً بين فاخوري وواكيم الذي أبدى عدم ارتياحه لتفرد فاخوري في التحرك من دون العودة الى قوى المعارضة التي يمثلها، اضافة الى انه أخذ عليه عدم اشراكه في المشاروات وكأن دوره يقتصر على اكمال اللائحة المعارضة بممثلين عنه، من دون التشاور في تحديد مفهوم موحد للمعارضة ومن يمثلها؟ وفي هذا السياق علمت "الحياة" ان الجهود نجحت في ترتيب لقاء اقتصر على واكيم وفاخوري في حضور خلدون الصلح، لكن اللقاء وان أدى الى كسر الجليد فإنه في المقابل لم يؤمن حلاً للاشكالات الطارئة وتقرر العودة الى التواصل. كما علمت ايضاً ان اعضاء من "حركة التجدد" التقوا اخيراً فاخوري وطرحوا معه امكان تأليف لائحة يكون هو من نواتها الى جانب سلام وآخرين، الا ان هذه الفكرة لقيت معارضة من شخصيات في "ندوة العمل الوطني" التي تفضل سلفاً أن تكون الرئاسة محسومة لفاخوري في حال نجحت المعارضة في كسب المعركة. وتقرر بسبب استمرار التباين في الرأي العودة الى التواصل مع ان سلام أبدى مرونة، رافضاً الدخول منذ الآن في بازار يتعلق برئاسة المجلس البلدي، على رغم ان ابن عمه النائب السابق سلام دعم وجهة نظره، مبدياً بحسب مصادر في حركة "التجدد الديموقراطي" عدم حماسته لأي تحالف يتم تركيبه من فوق. وتكمن حجة المهندس سلام في ان لا مشكلة عنده بالنسبة الى الرئاسة وان الأهم يتعلق بالتوافق على القوى والشخصيات المرشحة للدخول في اللائحة الائتلافية، اضافة الى انه لا يحبذ الاستعجال وان لا بد من الانتظار لمعرفة القرار النهائي الذي ستتخذه المعارضة لقاء قرنة شهوان والعونيين، بذريعة ان أي لائحة موحدة للمعارضة، يجب ان تأخذ في الاعتبار أمرين: توفير غطاء مسيحي لها في مقابل ضمان مرجعية اسلامية تتمتع بحضور لا بأس به في بيروت وهذا يستدعي تجنّب الموافقة على ضم مرشحين ينظر اليهم أبناء العاصمة على انهم من الاسماء "الفاقعة" التي لا تجذب الناخبين وتتيح للخصوم الافادة من ترشحهم. وبكلام آخر، يرفض سلام الدخول في لائحة "كيفمكان" او ان يقال عن لائحته، بأنها كناية عن حشد انتخابي من دون خلفية سياسية وانها لا تعير اهمية للذين يجب التعاون معهم بمقدار ما ان اهميتها محصورة أولاً وأخيراً في ازعاج الحريري... خصوصاً ان هناك قوى يجرى التداول فيها للانضمام الى اللائحة الائتلافية لا تشجع المعارضة المسيحية على الائتلاف وتعتبرها نافرة من وجهة نظرها. كما ان قوى المعارضة المسيحية في حال توصلت الى توحيد موقفها لن تسمح لنفسها بالتعاون مع لائحة مناوئة للحريري وتقيم علاقة تحالفية مع خصومه في السلطة، لا سيما وانها تعتبر ان مثل هذه اللائحة ستضرب صدقيتها، امام الرأي العام المسيحي الذي قد يتعاطى معها على انها تلغي المعارضة الحقيقية ضد جميع رموز السلطة من دون استثناء وان الهدف من تأليفها استهداف الحريري شخصياً وبالتالي ان يزج باسمها في معركة يراد منها تصفية الحسابات وإضعاف رئيس الحكومة لمصلحة خصومه في السلطة أو منافسيه على الرئاسة الثالثة. وفي هذا الصدد أكد قطب بارز في "لقاء قرنة شهوان" ل"الحياة" ان المعارضة المسيحية جادة في توحيد جميع القوى السياسية تحت سقف برنامج سياسي مطلبي واضح، لافتاً الى انها لا تريد ان يقال عنها لاحقاً بأنها سمحت لنفسها في ان تستخدم في لعبة التنافس على السلطة وأن دورها اقتصر على تزويد خصوم الحريري جرعة سياسية، وصولاً الى إقحامها في معركة ليست لحسابها وإنما لأجل الآخرين. ورأى ان اي صعوبة يمكن ان تعترض توحيد الموقف المسيحي ستدفع بالمعارضة الى إصدار بيان سياسي شامل وأن تترك للناخبين حرية الاختيار وقد لا تمانع مراعاة بعض الأطراف اوضاعهم الخاصة والتفرد في إقامة تحالفات بلدية، شرط ان يتحملوا مسؤولية قرارهم. إلا ان تركيز القوى المعارضة للحريري على بعض القوى دون الأخرى، لا يعني انها ليست منفتحة عليها، أو لا ترغب في الائتلاف معها، وإنما لشعورها بأنها لا تود ان تقحم نفسها في لعبة المناورات السياسية او في تبادل اطلاق النار بالذخيرة الحية في الهواء الطلق، ويأتي في مقدمها "حزب الله" وحركة "امل" وحزب "الطاشناق" و"الجماعة الإسلامية"، وأخيراً "حزب الكتائب" بعد ان قرر رئيسه الوزير كريم بقرادوني ولأسباب داخلية في الحزب الابتعاد من المناكفات والانتظار ريثما تتبلور الصورة النهائية للتحالفات، خصوصاً ان الحزب لا يشكل قوة ضاربة بالمعنى الانتخابي وأن تمثيله في المجلس البلدي الحالي جاء نتيجة الائتلاف الذي رعاه الحريري، وأن اي خطأ في الحساب قد يفقده هذه المرة التمثيل البلدي. وما دفع بقرادوني الى التريث، الموقف اللافت الذي صدر عن حزب "الطاشناق" وأكد فيه انه مع التوافق والائتلاف وأن الحزب سيحدد موقفه النهائي في مهلة اقصاها عشرة ايام، وأنه ليس صحيحاً ما يتردد من خصوم الحريري بأنه حسم امره، وسينضم الى اللائحة المناوئة. في ضوء كل ذلك يقول مقربون من الحريري انه يتعاطى بهدوء مع التحضيرات البلدية، ويبدي انفتاحاً على معظم القوى والشخصيات رغبة منه بالمجيء بمجلس بلدي متوازن ولا يستثني إلا النائب السابق سلام معتبراً ان الأخير هو الذي ابعد نفسه عن الائتلاف وبادر الى شن حملات اعلامية وسياسية متواصلة محملاً إياه مسؤولية الإخلال بالتوافق. وينقل نواب في كتلة قرار بيروت عن الحريري انه دعا الى التمديد او التجديد للصيغة التحالفية للمجلس البلدي الحالي، وقد انبرى له سلام بموقف سياسي حاد وأصر عليه مع ان رئيس الحكومة رفض الرد عليه وطلب من النواب عدم الانجرار الى سجال بلدي مع احد. اما بالنسبة الى القوى الأخرى، فإن الحريري قطع شوطاً على طريق التأسيس لائتلاف بلدي واسع، وقد اجرى لهذه الغاية لقاءات مع معظم القوى التي تعاون معها في السابق، باستثناء سلام و"حزب الكتائب" الذي سيجد نفسه امام خيار صعب في حال ابتعد او ابعد عن هذا الائتلاف. وفي تقدير أوساط بيروتية مراقبة، فإن الحريري ليس في وارد استبعاد اي طرف من الائتلاف وأن الباب لا يزال مفتوحاً، خصوصاً انه مع تحييد البلديات عن استحقاقي الرئاسة الأولى هذا العام والانتخابات النيابية في الربيع المقبل خلافاً للبعض الذي يتعامل معها كمحطة سياسية مفتوحة على الاستحقاقات الأخرى. ولم تستبعد الأوساط ان يكون الحريري الرافض مبدأ التفرد في الانتخابات البلدية اقترب من بلورة العناوين الرئيسة للائحة الائتلافية، لكنه يصر على ان يتم ذلك بهدوء بعيداً من التحدي، متوقعة ان يكون الموقف النهائي ل"حزب الله" وحركة "امل" وحزب "الطاشناق" اقرب الى الائتلاف منه الى خوض المعركة في لائحة منافسة، خصوصاً ان الجماعة الإسلامية حسمت امرها اخيراً وارتأت أن تكون طرفاً في الائتلاف الذي يضم ممثلين مدعومين من الزعامات الروحية المسيحية...