لن تتبلور الصيغة النهائية للتحالفات في الانتخابات البلدية في بيروت، في المدى المنظور على رغم ان خصوم رئيس الحكومة رفيق الحريري اعلنوا الاستنفار لحشد قواهم ويقومون بالاتصالات التي يبدو انها لن تستبعد احداً لجمع اكبر تحالف سياسي - انتخابي في قاطرة بلدية تحقق توازناً من خلال لائحة منافسة. لكن المتابعين لسير التحضيرات التي يشارك فيها النائب السابق تمام سلام وندوة العمل الوطني برئاسة الرئيس سليم الحص مع انه يعتبر نفسه غير معني في الانتخابات وحركة الشعب نجاح واكيم والحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي كمال شاتيلا وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الأحباش وتجمع القوى الناصرية، ويتولاها بالواسطة عن الجميع عضو المجلس البلدي عبدالحميد فاخوري، يتعاطون معها على انها غير نهائية بل "استعراضية"، هدفها اظهار قوة اطرافها على امل ان يتمكنوا او بعضهم على الأقل من تجميع قوى فاعلة لتحسين شروطهم في حال اعيد الاعتبار للائحة ائتلافية. ويعزو هؤلاء السبب الى اعتبارات ابرزها: - ان القوى الحزبية والتيارات المسيحية لم تقل كلمتها حتى الآن على رغم انها تبدي انفتاحاً على معارضي الحريري، وبعضها تحت عنوان عدم المساس بصلاحيات محافظ بيروت، ولم تنخرط في الاجتماعات ولم تسجل حتى الآن سوى لقاءات ضمت حزب الطاشناق اضافة الى اجتماع اقتصر على الحزب الشيوعي والتيار الوطني الحر ميشال عون وجماعات يسارية اخرى. - وجود صعوبة لوجستية - سياسية امام المعارضة في عقد اجتماعات موسعة بسبب رفض بعض القوى التعاون مع بعضها الآخر وهذا ما يفسر اطلاق يد فاخوري في تشكيل لائحة منعاً للإحراج. - ان الانتخابات البلدية في بيروت ستكون سياسية بامتياز ولا يمكن التخفيف من وطأتها تارة تحت عنوان تحويلها الى معركة إنمائية خدماتية وأخرى بالتلطي وراء العائلات وتمثيلها، ما يعني ان المعارضة ستخضع لاختبار سياسي لتحديد السقف الذي يجمعها وما اذا كان في مقدورها توسيع رقعة التعاون الانتخابي من دون المساس بالمبادئ السياسية الجوهرية. اما بالنسبة الى القوى التي كانت تحالفت مع الحريري في الانتخابات الماضية فإنها ترفض التسرع في تحديد موقف قد تضطر الى العودة عنه وفي مقدمها حزب الله، وحركة امل والجماعة الإسلامية والقوات اللبنانية جعجع وحزب الكتائب مع ان رئيسه كريم بقرادوني كان لوّح باستعداده لخوض المعركة في حال وصلت الجهود الائتلافية الى طريق مسدود، اضافة الى قيادات ورموز الشارع المسيحي. وعلمت "الحياة" ان حزب الله والجماعة الإسلامية وأمل تدعو الى التريث ولم تعط حتى الساعة جواباً قاطعاً على دعوة الحريري الى التمديد للصيغة الائتلافية، بمعنى الحفاظ على التوازن السياسي والطائفي في المجلس البلدي، وبالتالي تفضل مراقبة ما يدور قبل قول كلمتها الأخيرة. وأكد المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل المكلف بمتابعة الملف البلدي في بيروت ل"الحياة": "ان الحزب على موقفه الداعي الى التريث واتصل بنا الرئيس الحريري للوقوف على رأينا وقلنا له ان لا مبرر للاستعجال، وأن مجريات المعركة ستثبت اننا على حق في موقفنا ونحن نتبع سياسة "طول البال" فلا بيروت "هربانة" من امامنا ولا نحن سنتهرب من تحمل مسؤولياتنا، فالوقت لا يزال معنا والحزب يحترم جميع الشرائح المذهبية الموجودة في كل لبنان وخصوصاً في الساحة البيروتية". ما يقوله الحزب ينطبق على موقف امل والجماعة الإسلامية التي اكد مصدر قيادي فيها ل"الحياة" "اننا مع التوافق البلدي من دون استبعاد او إلغاء احد وأن شرطه الأساسي الحوار مع الجميع ولسنا في وارد التسرع او الدخول كطرف في معمعة الاتصالات الفرعية طالما ان الصورة الأساسية لم تتبلور". الى ذلك، قال نواب في كتلة الحريري ل"الحياة" ان الأخير مع الحفاظ على الروحية الائتلافية التي كانت العنوان الرئيس لانتخابات 1996، باعتبارها تؤمن التوازن ولا تحدث خللاً في التمثيل الطائفي او السياسي لغالبية البيروتيين. وبالنسبة الى مدى الاستعداد للمعركة البلدية في بيروت، نقل نواب في الكتلة عن الحريري "ان كل شيء موضوع الآن في البراد ولا يزال أمامنا شهران للانتخابات وبالتالي لا بد من التروي، ونحن حتى الساعة لم نتسلم جواباً لا سلباً ولا ايجاباً من الذين كانوا معنا في الماضي وعرضنا عليهم فكرة التمسك بالائتلاف". ولفت النواب الى أن الحريري لم يقصد التمديد للمجلس البلدي الحالي بمقدار ما أراد الحفاظ على روحية الائتلاف وعزوا السبب الى أنه من غير الجائز التمديد طالما ان القرار الأول الأخير يعود للناخبين. واعتبر المراقبون في ضوء مواقف الحريري وحزب الله وأمل والجماعة الإسلامية، ان ما يدور من تحضيرات بلدية لا يزال يخضع للعبة شد الحبال والامساك بالعدد الأكبر من الأوراق الضاغطة، ليحسن استخدامها في المفاوضات الائتلافية أو التأسيس لنواة لائحة منافسة للائحة الحريري، وأوضحوا ان دمشق لن تتدخل في المعركة ولن يكون لديها مرشحون ويهمها عدم التفرد والعمل من أجل تحقيق التوازن، لكنهم رأوا في المقابل أن قوى المعارضة بما فيها الموجودة في الشارع المسيحي لم تتوصل الى توحيد بيانها حول "اعلان النيات البلدية". وللمعارضين أكثر من هدف وان كانوا يركزون على توحيد قواهم لخوض معركة جدية ضد الحريري البعض يراهن منذ الآن على رفع نسبة المشاركة بين المسيحيين بينما يحاول البعض الآخر الثأر من الحريري على خلفية نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وصولاً الى التقليل من الوهج الذي حققه، من دون أن يغيب عن بال المتابعين ما يخطط له فريق معين في الشارع المسيحي سيحاول تجاوز البلديات الى الانتخابات النيابية، خصوصاً اذا ما انتهت النتيجة الى إخلال في التوازن لمصلحة المسلمين، فعندها ستصدر ردود فعل تحتج على النقص في التمثيل المسيحي من شأنها أن تشكل مناسبة للمطالبة بإعادة النظر في قانون الانتخاب النيابي لجهة تقسيم الدوائر بما يؤمن فاعلية انتخابية في العاصمة.