باتت مسألة توحيد الاجهزة الامنية الفلسطينية واصلاح هياكلها اولوية ملحة على الاجندة الداخلية للسلطة الفلسطينية، خصوصاً في قطاع غزة، متجاوزة بذلك استحقاقات خطة "خريطة الطريق" المدعومة اميركياً ودولياً، في ظل فوضى امنية تتأرجح بين تكثيف قوات الاحتلال الاسرائيلية اعتداءاتها على الفلسطينيين التي خلفت في ال24 الساعة الاخيرة خمسة شهداء، وصراع مراكز القوى في الساحة الداخلية. وللمرة الاولى منذ بدء الحديث عن "توحيد الاجهزة الامنية"، اتخذت السلطة الفلسطينية في اجتماع مشترك ضم مجلس الوزراء والمجلس القومي الاعلى خطوة عملية في هذا الاتجاه، عبّر عنها تأكيد رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع ابو علاء ان بريطانيا ستتولى تمويل واقامة مقرات للقيادات المركزية التي ستتفرع عن الاجهزة الامنية الموحدة في مختلف المناطق الفلسطينية في اطار عملية اصلاح هيكلي ومالي اقرتها القيادة الفلسطينية في اجتماعها مساء اول من امس. اكد رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع أبو علاء ان لندن ستمول عملية توحيد الاجهزة الامنية الفلسطينية في الاراضي المحتلة، مؤكداً ان هذه الخطوة "المهمة" ستساعد في اعادة تأهيل وتدريب عناصر هذه الاجهزة، ومشيراً الى ان العمل فيها سيبدأ فوراً "لوضع حد للفوضى الامنية في الساحة الفلسطينية". وجاءت تصريحات قريع غداة اقتراح طرحه وزير الخارجية البريطاني جاك سترو امام نظيره الاسرائيلي سلفان شالوم بارسال قوات متعددة الجنسية الى قطاع غزة للاشراف على الامن بعد انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلية المفترض. وكان شالوم رفض هذا الاقتراح بشدة خشية ان يشكل مدخلاً لمشاركة دولية في حل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. وكانت الدنمارك اقترحت ارسال قوات من حلف شمال الاطلسي الى قطاع غزة "للحيلولة دون تحويل قطاع غزة الى بؤرة للارهاب". ورفضت اسرائيل هذا الاقتراح ايضا معللة ذلك بأن "الوضع لن يتغير في القطاع بعد الانسحاب الاسرائيلي باستثناء تخفيف الاحتكاك بين الجيش والمستوطنين من جهة والفلسطينيين من جهة اخرى". وأقرت مصادر فلسطينية بخطورة الاوضاع الامنية في قطاع غزة بعيداً عن الخطط الاسرائيلية المتعلقة بالقطاع، في ظل تكرار الاعتداءات على الفلسطينيين في قطاع غزة والتي لا يصل معظمها الى وسائل الاعلام، و"فراغ امني وسياسي" مع استمرار الاحتلال الاسرائيلي واعتداءاته وتدمير البنية التحتية للسلطة الفلسطينية، وصراع القوى وحال "اصطفاف" سياسي تعيشه حركة "فتح". وجاءت عملية اغتيال رئيس تحرير مجلة "النشرة" خليل الزبن أحد مستشاري الرئيس الفلسطيني ومقتل طالبة فلسطينية في قطاع غزة، في اقل من 24 ساعة، لتسلط الضوء على الانفلات الامني. واعربت مصادر فلسطينية عن قلقها من ان تمتد اعمال العنف "افقياً" لتتناول قطاعات اخرى في المجتمع الفلسطيني. واشارت الى "بيان" وزع في قطاع غزة ويحمل توقيع حركة المقاومة الاسلامية حماس ينفي علاقة الحركة بقضية مقتل الزبن، مشيرة الى ان البيان لم يصدر عن اي جهة رسمية في الحركة. ورأت المصادر ذاتها ان الهدف من البيان توجيه اصابع الاتهام الى الحركة، لزجها في صراع تعيشه "فتح" في قطاع غزة بين مراكز قوى متعددة. ونقل عن بسام ابو شريف مستشار الرئيس الفلسطيني ان الشعب الفلسطيني "تعب من اجهزة الامن وصراع بعض رؤسائها". ورأى مراقبون في عملية الاغتيال الثلاثية التي طاولت كادرين في حركة "حماس" ومواطناً فلسطينياً ثالثاً وسط القطاع، والتي نفذتها مروحيات من طراز "اباتشي"، اضافة الى اغتيال فلسطيني رابع في طولكرم، محاولة اسرائيلية لتأجيج الاوضاع واستغلالها لاستكمال عمليات التصفية و"تنظيف" القطاع من المقاومة الفلسطينية قبل انسحابها المفترض منه، علاوة على ضرب محاولات السلطة ضبط الاوضاع الامنية. على صعيد اخر، اعلنت مصادر اسرائيلية ان وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم سيزور القاهرة الاسبوع المقبل للقاء الرئيس المصري حسني مبارك ووزير خارجيته احمد ماهر. وربط المراقبون بين الاعلان المفاجئ لهذه الزيارة ومطالب الادارة الاميركية التي نقلها موفدان اسرائيليان الى واشنطن قبل يومين بضرورة "اشراك" مصر والتنسيق معها في عملية الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة. واشارت مصادر في مكتب شارون الى انه بعث برسالة الى الرئيس المصري طالباً مساعدته في الحفاظ على الامن في قطاع غزة بعد انسحاب قوات الاحتلال منه. وفي خضم ذلك كله، شارك الرئيس الاسرائيلي موشيه كاتساف وعدد كبير من جنرالات وضباط الجيش الاسرائيلي في مؤتمر نظمه مجلس المستوطنات اليهودية مساء اول من امس، في خطوة اعتبرتها اوساط اسرائيلية "سابقة" تهدد دور الجيش "الحيادي" في الشأن السياسي. واشارت مصادر صحافية اسرائيلية الى ان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي موشيه يعالون شارك في هذا الاجتماع السياسي الذي خصص ل"تكريم الجيش الاسرائيلي"، اضافة الى قائدي "المنطقتين الوسطى والجنوبية"، اي الضفة الغربية وقطاع غزة. ووعد يعالون المستوطنين بمواصلة حماية الجيش لهم، مشيراً الى انهم "كانوا دائماً مع الجيش الاسرائيلي في الجبهة الامامية".