يواجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك معضلة فعلية، ناجمة عن هزيمة ساحقة مني بها المعسكر اليميني في الانتخابات الاقليمية. وسحق الناخبون وجود اليمين الحاكم على مستوى المجالس الاقليمية ال22 التي سيطر عليها الحزب الاشتراكي المعارض بكاملها، باستثناء مجلس اقليمي واحد في منطقة الزاس شمال غرب. ووضعت هذه الهزيمة المرّة، شيراك امام مجموعة خيارات، عليه الاسراع في حسمها لجهة الاستغناء عن رئيس الحكومة جان بيار رافاران او الاكتفاء بتغيير الفريق الحكومي وتعديل التوجه السياسي والاقتصادي المتبع منذ سنتين. وشكلت هذه الخيارات محور مناقشات مكثفة أمس، في قصر "الاليزيه" الرئاسي وفي مقر الحكومة من دون أن يتسرب شيء عن مضمونها. واكتفى الجهاز الإعلامي للرئاسة بتأكيد ان الرئيس يعمل مع رئيس الحكومة "على القرارات التي سيتوجب اتخاذها في الأيام المقبلة". واستندت المعارضة الاشتراكية الى الانتصار الساحق الذي حققته ولم تتوقع أن يكون بهذا الحجم، للقول على لسان الأمين العام للحزب فرانسوا هولاند ان الانعكاسات السلبية لا تقتصر على الحكومة بل تطاول أيضاً رئيس الجمهورية. ورأى هولاند ان شيراك مستهدف مباشرة بنتائج الانتخابات الاقليمية "كونه هو الذي أقدم على الخيارات المختلفة، وهو الذي عبأ رافاران وحدد السياسة المتبعة منذ سنتين". وكان رئيس حزب "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" الحاكم آلان جوبيه اعتبر ان هزيمة اليمين في الانتخابات الاقليمية "ليست مسألة أشخاص". وأقر بضرورة ادخال تعديلات على العمل الحكومي. وواضح ان الاشتراكيين يلتزمون استغلال حال الرضا الشعبي عليهم، لاقحام البلاد باكراً في أجواء انتخابات الرئاسة المقررة عام 2007، فيما سيعمل اليمين لمراجعة خططه وتوجهاته لاصلاح الخلل الذي تحكم بها. ويشكل ما سيتخذه عليه شيراك من قرارات، الخطوة الأولى باتجاه هذه المراجعة التي تفرض عليه خيارات غير سهلة. واتخاذ الرئيس الفرنسي قرار الاستغناء عن رافاران، يطرح عليه في صورة تكاد ان تكون تلقائية تعيين وزير الداخلية نيكولا ساركوزي خلفاً له، كونه النجم الصاعد لدى الفرنسيين. لكن مثل هذا التعيين يعني نهاية الزعامة بالنسبة الى شيراك، نظراً الى ما بينه وبين وزير داخليته من تباين، وعدمه يعني عودة "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" الى التناحر الداخلي. أما على صعيد التوجهات الحكومية الجديدة، فهو ملزم بنهج اصلاحي يفرض ذاته كضرورة حتمية لمواجهة العجز والديون واستعادة معدلات النمو المطلوبة أوروبياً، وعليه في الوقت ذاته تبديد الشعور السائد لدى الفرنسيين بأن اليمين الذي يتزعمه يعمل لتبديد المكاسب والتقديمات الاجتماعية.