يعد اعتقال أبي عبيدالله الشافعي زعيم جماعة «أنصار الإسلام» الكردية، وانتهاؤه في قبضة الجيش الأميركي في الخامس من أيار (مايو)، حدثاً مهماً ومفصلياً في مسار الحرب ضد «القاعدة» في العراق، بعد أن افتقد التنظيم الزعيم والمرشد الروحي في العملية النوعية التي أدت إلى مقتل كل من أمير «دولة العراق الإسلامية» أبي عمر البغدادي وزعيم تنظيم «القاعدة» في العراق أبي حمزة المهاجر في 19 آذار (مارس) الماضي. قبل القبض عليه بأسبوع فقط أصدر أبو عبيدالله الشافعي (واسمه الحقيقي جعفر حسن) وعرف أيضاً ب «وريا هوليري»، بيان تعزية فيهما بتاريخ 28 من نيسان (ابريل) الماضي، جاء فيه: «باستشهاد (قرابين الله في زمن المحنة) الشيخ أبي عمر البغدادي والشيخ أبي حمزة المهاجر وباقي الإخوة الشهداء معهم نحسبهم كذلك والله حسيبهم» وأضاف: «نشهد لهم أنهم كانوا إخوة أكفاء في الجهاد والقتال فارقوا الدنيا ولم يفارقوا الدين ولم يتزعزعوا عن الصمود والثبات شبراً، والسعيد من ثبت حتى يلقى الله صابراً» موصياً بإقامة صلاة الغائب عليهم في كل العراق والعالم الإسلامي. محتضن الزرقاوي و «جند الشام» اعتقال الشافعي حدث لا يقل أهمية عما سبقه من أحداث، ليس فقط لكونه زعيماً وقائداً لإحدى أبرز الجماعات المسلحة في العراق، بعد أن خلف الملا فاتح كريكار في قيادتها عام 2002، ولكن لتاريخ طويل ورابط قوي ربطه ب «القاعدة» والزرقاوي تحديداً منذ وقت مبكر، فقد كان الشافعي قائداً لكتيبة سوران الكردية عام 2001، واتفق مع أبي عبدالرحمن الشامي (رائد خريسات) أحد أعضاء جماعة ««جند الشام» في معسكر هيرات بقيادة الزرقاوي سابقاً، وكونا معاً جماعة «جند الإسلام» في الأول من أيلول (سبتمبر) عام 2001، ولكن خريسات قتل بعد ذلك بشهر، وانضمت جماعة الشافعي لجماعة الإصلاح الكردية بقيادة فاتح كريكار (اللاجئ في النروج منذ عام 2002) بعد أن رحلته طهران من أراضيها، وتولى الشافعي قيادة «أنصار الإسلام» بعد ذلك. كانت جماعة الشافعي النصير والحاضن الفعلي للزرقاوي ورائد خريسات ومجموعات «جند الشام» منذ البداية، وظلت على علاقتها الوطيدة ب «القاعدة» وتمتعت بعلاقات مميزة مع زعيمي التنظيم أسامه بن لادن وأيمن الظواهري منذ وقت مبكر، وعلى رغم اختلاف مشروع هذه الجماعة «القطري» الانفصالي الكردستاني عن مشروع «القاعدة» «الأممي»، إلا أن التقاء المرجعية السلفية الجهادية، والتقاء الهدف وهو إقامة حكم إسلامي سني وطرد المحتل الأميركي، وعداوة الأحزاب العلمانية وقوى الاحتلال والأحزاب الشيعية وحد بين الطرفين لأقصى حد، وكان «أنصار الإسلام» النصير الدائم في معارك «القاعدة» سواء ضد الصحوات أو ضد «الجيش الإسلامي» وكذلك ضد الأميركيين، كما كانت منذ البداية الحضن الأول للزرقاوي وأبي الغادية عبدالهادي دغلس الذي قتل مع خريسات في العملية نفسها، وسائر أعضاء «جند الشام» الفارين من هيرات بعد الحرب الأميركية على طالبان عام 2001. وعلى رغم أن الزرقاوي لم يتولَّ القيادة في حياة خريسات إلا أنها سريعاً ما كانت له بعد توافر الحضن الآمن في جبال كردستان وغياب قيادات تاريخية شأن خريسات وكريكار، وتوالي قدوم أنصاره الذين أقنعوه بإشهار تأسيس جماعته «التوحيد والجهاد» في أيلول عام 2003 ثم تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» في عام 2004. نصير «القاعدة» نظرياً وعملياً على رغم عدم انتماء جماعة «أنصار الإسلام» إلى دولة العراق الإسلامية التي أعلنها المتحدث الرسمي باسم هذه الدولة عبدالله الجبوري في 15 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2006، أو وجود أحد من أعضائها في تشكيلتيها الوزرايتين اللتين أعلنتهما، إلا أن «أنصار الإسلام» ظلت على علاقة وطيدة ب «القاعدة» في العراق وقياداتها، وقد انتصرت لها ضد منتقديها من جماعة «جيش الإسلام» أو الهيئة الشرعية لأنصار السنة (وهي جماعة منشقة عن أنصار الإسلام) وجيش المجاهدين وغيرها، والتي عرفت ب «جبهة الجهاد والإصلاح» والتي ركزت في دعاواها على مبادئ رئيسة في مواجهة «القاعدة» كان في مقدمها ضرب «القاعدة» وكشف أخطائها الشرعية والعملية في العراق، وهو ما رفضه «أنصار الإسلام» ورأته شماعة تخفي الحقيقة ليس أكثر. رد «أنصار الإسلام» على الفصائل الاسلامية المناهضة للقاعدة في إصدارين سمتهما «سفر الحقيقة» في 14 تموز (يوليو) عام 2008 و12 أيار (مايو) عام 2009، ووصفتهم بأنهم صنائع الأميركيين لضرب المشروع الجهادي في العراق، ورأى أن عام 2006(عام بروز الصحوات) هو بداية مرحلة «الاختراق والمخادعة» مشيراً لاستراتيجية جديدة لضرب المشروع الجهادي من الداخل وتحجيمه من الخارج، وأن هذه الجبهة من الفصائل المعارضة ل «القاعدة». وذكر التنظيم في «سفر الحقيقة» انه لما بدأت القوات الأميركية بتنفيذ خطتها قامت بعمليات اعتقال عشوائي بعد أن اتفقت مع أبو عزام ثامر التميمي الذي يصفه التنظيم بالعميل، بترتيب مخطط للإيقاع بأبو وائل وهو من قيادات «أنصار الإسلام»، واعتقاله، وتوقيع اتفاق معه ومع أحد قيادات الفصائل المسلحة، وكان مفاد الاتفاق: طرح مشروع تشكيل جبهة تضم كل فصائل المقاومة ما عدا «القاعدة»، بما فيها «أنصار الإسلام» وهو ما رفضه التنظيم وقيادته المعتقلة أخيراً، ما جعل المذكور ينضم للجبهة المناوئة وينفصل بجزء من الجماعة عن قيادة الشافعي، ودعي الجزء المنشق ب «الهيئة الشرعية لأنصار السنة»، الذي تبرأ منه أنصار الإسلام دائماً. اعتقال الشافعي يمثل مرحلة مهمة في الحرب ضد «القاعدة» في العراق، لرمزيته التاريخية ودوره المفصلي في تطور مسار الجماعات المسلحة من العراق، منذ إيواء الفارين من أفغانستان وفي مقدمهم الزرقاوي، إلى التنسيق المستمر مع «القاعدة» على المستوى العملياتي والمناصرة على المستوى الشعبي.