فوجئ عدد من الوزراء والنواب تابعوا تداعيات رد رئيس الحكومة رفيق الحريري على تحميله مسؤولية الدين العام واتهامه بأنه يعيق الاستثمار في لبنان من خلال الخلاف على تسجيل العقارات التي اشترتها شركة السلام لتنفيذ مشروع "صنين" السياحي بأن تقديراتهم الأولية ان الأمور ستفلت من الأيدي ولن يكون في مقدور أحد السيطرة عليها، لم تكن صائبة، وان حساباتهم التي بنوها على ما صدر عن وزير الاتصالات جان لوي قرداحي كان مبالغاً فيها وان الحكومة مستمرة ولا مجال لتغييرها حالياً. واعترف هؤلاء بأن حساباتهم كانت محض محلية ولم تكن معطوفة على التطورات في المنطقة ولا على حقيقة الموقف السوري قبل أن يتبين لهم ان دمشق بادرت فوراً الى تشجيع وزراء على صلة مباشرة برئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري، القيام بدور فاعل وضاغط لتطويق التداعيات السياسية ومنعها من أن تتفاعل بالشكل الذي يقضي على تحركهم لضبط الوضع مع انه أخذ يقترب من الهشاشة... وكشف الوزراء والنواب ل"الحياة" النقاب عن ان كبار المسؤولين السوريين لمسوا لدى لحود والحريري كل استعداد لتجاوز ما حصل تقديراً منهما لخطورة الوضع في المنطقة وحرصاً على وحدة الحكم على رغم ما يعتريه من انتكاسات من حين الى آخر. وأكدوا أن دمشق لمست لدى الرئيسين رغبة في السيطرة على الموقف ونية بتبريد الأجواء واعادة الأمور الى نصابها، من دون أن تتدخل في التفاصيل والمسبّبات التي كانت وراء كل ما حصل في اليومين الأخيرين. مشيرين الى انها أبدت ارتياحاً الى تجاوبهما. ولفت الوزراء والنواب الى ان الاتصالات السورية مهدت الطريق أمام مبادرة عدد من أعضاء الحكومة ومسؤولين آخرين الى التحرك منذ ليل أول من أمس بعد أن توصلوا الى قناعة بأن ما حصل لم يكن مقرراً أو مخططاً له، وان لا نية عند الرئيسين للذهاب الى ما هو أبعد، مؤكدين ان التهدئة تقع على عاتق الجميع من دون استثناء، وان المسؤولية مشتركة في تبديد أجواء الاحتقان. واعتبروا ان الرسالة السورية كانت واضحة للجميع وان المعنيين التقطوها ويفترض ان يتم التعاطي معها بانفتاح من شأنه أن يخرج مجلس الوزراء من حال الشلل وان يعيد الاعتبار لهذه المؤسسة في التصدي للمشكلات شرط أن يدرك الجميع ان لا مفر من الحوار والتواصل، وان الدخول الى الجلسات بمواقف مسبقة ستنتج منه مشكلات جديدة. وإذ أكدوا ان دمشق باتت ملمة بكل الأسباب التي أدت الى مزيد من التوتر في العلاقة بين الرئيسين وفي تبادل الحملات بين عدد من الوزراء، رأوا ان ليس من مصلحة المسؤولين السوريين الدخول طرفاً في النزاع أو الانغماس في اللعبة الداخلية، وانهم ينصحون بالحفاظ على الهدنة وعدم استدراجهم للدخول من حين الى آخر في وساطات لا يريدونها لأنفسهم ويتمنون لو أن المعنيين يعفونهم من الغوص فيها... وأشاروا الى ان دمشق تعتبر جميع من هم في السلطة حلفاء لها، وان أكثر ما يؤلمها ان يتحول بعضهم الى أعباء عليها، بينما تبدي انفتاحاً على الجميع وتتحاور واياهم على رغم ان هناك من يحاول أن يصنف نفسه على خانة المحاورين من الموقع الآخر. وتابعوا ان دمشق تحملت في الماضي وتتحمل اليوم الكثير من الانتقادات الداخلية، لكنها تحرص على دعمها للدولة على رغم انها تدرك جيداً ما لكل طرف من حقوق وما عليه من واجبات ولا تسمح لنفسها بتصنيف الأطراف بين موالاة ومعارضة أو التعاطي معهم بالمفرق بينما تقدم الدعم بالجملة للبنان للنهوض من مشكلاته والتغلب عليها. وأكدوا ان المسؤولين السوريين يتجنبون التدخل في التفاصيل على رغم ان كثيرين في لبنان يطلبون ذلك، وان دمشق تقف الى جانب الجميع مع ان هناك من يحاول ان يشد الحبل السوري لصوبه أو أن يستقوي بموقفها في اللعبة الداخلية. ويرفض كبار المسؤولين السوريين الدخول طرفاً في الحديث عن التغيير الحكومي الذي جرى التداول فيه أخيراً كرد على الموقف الذي صدر عن الحريري بحجة ان الأخير أطلق النار سياسياً وللمرة الأولى على لحود عندما تحدث عن الشراكة في تحمل حجم الدين العام... وفي المقابل قالت مصادر مقربة من لحود ان الحريري لم يكن مضطراً أياً تكن الأسباب الى الدخول مباشرة في سجال مع رئيس الجمهورية، الا اذا كانت لديه حسابات غير مرئية، خصوصاً بعد الكلام المنسوب لوزير المال فؤاد السنيورة لدى انتهاء الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء بأن المجلس "راح" أي لم يعد موجوداً... وأكدت ان لا نية للتغيير الحكومي لكنها لم تفهم دوافع الحريري لطرح تسجيل العقارات في صنين على مجلس الوزراء بدلاً من ترك الأمر لأمانة السجل العقاري لتقول اذا كانت العملية قانونية أم لا باعتبارها الجهة التي يعود لها حسم المشكلة ولا يجوز أن يزج المجلس فيها، اضافة الى انه لا يجوز أن يتعرض للحود مباشرة بذريعة انه استدرج للرد على سؤال عن حجم الدين العام اعتبره استفزازياً بصرف النظر عن الشخص الذي طرحه... لا رد على قرداحي وفي هذا السياق قال وزير بارز ل"الحياة" ان الحريري أوعز الى أعضاء كتلته النيابية عدم الرد على وزير الاتصالات وانه طلب من وسائل الإعلام التابعة له اغفال أي رد صادر عن جهة قد تكون محسوبة عليه، في اشارة مباشرة الى رغبته في التهدئة والى التعامل ازاء ما حصل من خلال موقفه عن الدين العام ومشروع صنين على انه سيبقى في حدود معينة وان لا رغبة في أي تصعيد في الموقف السياسي. وأضاف ان الحريري لم يقل جديداً في حديثه عن الدين العام لجهة تحميل الجميع المسؤولية. وكان رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط تحدث في هذا الموضوع ومن قبله الوزير سليمان فرنجية، لكن الجديد في هذه المسألة وجود شعور لديه بأن هناك خطة مبرمجة في خصوص الدين تستهدفه مباشرة ويحاول من يروجها أن يصوره بأنه وراء خرق الهدنة بمجرد انه قرر الرد، أو ان يفسر صمته على انه عاجز عن الاجابة... واعترف الوزير بأن الأجواء باتت غير طبيعية في مجلس الوزراء وقال ان الأمور تفلت أحياناً لخلاف على أشياء "نحن في غنى عنها"، ولا تستحق الانجرار الى مشكلة، مشيراً الى ان الحريري أخذ على عاتقه عدم الحديث عن الاستحقاق الرئاسي بينما هناك وزراء كريم بقرادوني والياس المر وجان لوي قرداحي يفتحون هذا الملف باستمرار ويظهرون "عواطفهم" في التمديد للحود "ونحن من جهتنا لا نحرك ساكناً لكن لا نعرف الأسباب التي تضطرهم للهجوم على رئيس الحكومة في طريقهم وهم يبدون عواطفهم نحو التمديد؟". وأكد أن الحريري رد على الاتهامات التي تستهدفه من موقعه كمسؤول وانه لم يكن في وارد افتعال مشكلة مع أحد، كاشفاً النقاب عن أن لحود حذف في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء خمسة بنود بحجة أنه لم يطلع عليها، وقد تجاوب معه الحريري مع انها كانت مدرجة على جدول الأعمال، حتى انه لم يدرجها على جدول الجلسة المقبلة، ولو كان في نيته استفزاز رئيس الجمهورية أو احراجه لبادر بطلب ادراجها. اضافة الى ان هناك من يحمله مسؤولية في كل شيء مع ان القرارات تتخذ في مجلس الوزراء ولا ينفرد في احالتها إلى المجلس النيابي. ولفت الى ان الحريري لم يعترض على لحود عندما طرح قضية تسجيل عقارات "شركة السلام" على مجلس الوزراء من خارج جدول أعماله في الجلسة قبل الأخيرة على رغم انه لم يكن من معلومة أو ورقة تخصها بين أيدي الوزراء بينما تم الاعتراض على مناقشة المذكرة التي أعدها السنيورة في هذا الخصوص. ولم يعلق الوزير على ما تردد من ان جنبلاط سيقوم بتحرك بين لحود والحريري وانه سيزور هذا الأسبوع قصر بعبدا هذا الأسبوع لهذا الغرض لكنه أكد أن دمشق تشجعه على لعب دور توفيقي على قاعدة ما توافر لديه من قناعات بضرورة اعادة الاعتبار لاتفاق الطائف وان يكون لدى الرئيسين استعداد لتقديم تنازلات متبادلة تساعد على تفعيل دور مجلس الوزراء وبالتالي توفر له الفرصة في ان يتخطى الجمود، ليكون الدور منتجاً ومثمراً. وبالنسبة الى اجراء تغيير حكومي استبعد الوزير هذا الأمر وقال ان الحكومة، وان بدت مهزوزة، فإنها لن تقع، وان نجاح الجهود في تحقيق "وقف اطلاق" النار بين الرئاسات يعيد الاعتبار للهدنة خصوصاً ان الحكومة امام استحقاق اجراء الانتخابات البلدية "ولا أظن ان هناك من يتحمل نتائج تأجيلها... اضافة الى ان استبعاد الحريري في الوقت الحاضر قد يقوّيه في البلديات وهذا ما يتعارض مع حسابات من يراهن على اضعافه".