سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بري يسعى بدعم سوري لرأب الصدع بعد قرار قرداحي إعادة البث الفضائي ل"نيو تي في" من دون اطلاع رئىس الحكومة العلاقة بين لحود والحريري تحتاج الى "غسل قلوب" جديد
بيروت - "الحياة" - شغلت إعادة "البث الأرضي" الى مجراه الطبيعي بين رئيسي الجمهورية اللبنانية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري اصحاب المساعي الحميدة وفي مقدمهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد ان لاح في الأفق احتمال تعرض علاقتهما الى أزمة بسبب قرار وزير الاتصالات جان لوي قرداحي السماح لمحطة "تلفزيون الجديد" "نيو تي في" بمعاودة البث الفضائي خلافاً للمذكرة الصادرة عن رئيس الحكومة بالابقاء عليه مقطوعاً الى حين عقد الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء الخميس المقبل. واتخذ القرداحي قراره من دون العودة الى الحريري. على رغم ان مساعي رئيس المجلس النيابي نبيه بري بين رئيس الجمهورية إميل لحود ورئيس الحكومة رفيق الحريري ما زالت مستمرة، فإن هناك صعوبة في تنفيس الاحتقان بعد ان اخفق في تبديد اجواء التوتر تمهيداً لدعوة مجلس الوزراء الى عقد جلسة طارئة كان يفترض ان تعقد امس او اليوم في محاولة للسيطرة على بوادر التأزم ومنع استمراره لما سيكون له من تأثير سلبي في داخل السلطة التنفيذية يطيح ب"غسل القلوب" القائم بين لحود والحريري. وكان بري بادر الى ترطيب الاجواء لقطع الطريق على تعريض العلاقة بين لحود والحريري الى انتكاسة على عتبة استعداد المجلس النيابي لمناقشة مشروع قانون الموازنة، وتلقى في هذا الخصوص اتصالاً من الحريري فور انتهاء اجتماعه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وتردد ان الحريري الذي احيط علماً بمعاودة البث الفضائي لمحطة تلفزيون الجديد بادر الى الاتصال بلحود وبري وكبار المسؤولين السوريين، إضافة الى عدد من الوزراء ومن بينهم وزير الصحة سليمان فرنجية ورئىس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في محاولة لمعرفة الاسباب التي دفعت قرداحي الى السماح بمعاودة البث من دون مراجعته او ابلاغه، لا سيما ان الحريري تسلم كتاباً في هذا الخصوص منه بعد ان عاودت المحطة بثها الفضائي. بينما ارسل الاخير كتاباً الى وزير الاعلام غازي العريضي تسلمه الجمعة الماضي امل منه التدخل لمعالجة المشكلة. وفي هذا السياق تردد ان الحريري لم يتمكن من التحدث الى لحود، وعزت مصادر وزارية مقربة من بعبدا الامر الى ان رئيس الجمهورية تريث في استجابة الاتصال ظناً منه انه قد يزيد من تأزم الوضع وهذا ما لا يتوخاه، وانه يفضل تبريد الاجواء لانجاح الجهود الآيلة الى ايجاد مخرج. وعلمت "الحياة" ان بري الذي كان سمع كلاماً من الحريري كرد فعل اولي على قرار قرداحي مفاده أن لا مبرر لبقائه على رأس الحكومة، عاد ونجح في ترطيب الاجواء واقترح على لحود امكان الدعوة الى جلسة طارئة لمجلس الوزراء للبحث في المشكلة. وذكرت مصادر وزارية ونيابية ان لحود تعامل ايجابياً في بادئ الامر مع اقتراح بري لكنه عدل عن الموافقة على جلسة استثنائية مفضلاً ان يترك الامر لمجلس الوزراء في جلسة عادية شرط عدم اللجوء الى التصويت لأن الاخذ به يعني انه يشكل اشارة الى احتمال توتر العلاقة بينما التفاهم بينهما هو السائد حتى الآن. بري يلوم قرداحي وأكدت المصادر ان بري توجه باللوم الى الوزير قرداحي لعدم مراجعته الحريري قبل السماح بإعادة البث الفضائي، مشيرة الى ان الحريري كان على وشك التوجه ليل اول من امس الى بيروت لكنه عدل عن قطع زيارته لباريس المستمرة حتى غد الثلثاء بعد ان احيط علماً ان لا مجال لعقد جلسة استثنائية. وقالت ان دمشق لم تتدخل في التفاصيل واكتفت بتأكيد دعمها لدور بري في لملمة المشكلة وحصر اضرارها في حدودها الراهنة. لكن هذا لم يمنعها من لوم قرداحي من حيث المبدأ في تصرفه من دون العودة الى الحريري وإعلامه بالأمر، إضافة الى انها لم تكن محبذة لبعض ما ورد في البيان الصادر عن المكتب الاعلامي لرئىس الحكومة باعتبار ان الجهود يجب ان تركز على استيعاب الأزمة وعدم فسح المجال امام تماديها لأنها تعتبر ان البلد في ظل الظروف الراهنة كان في غنى عما حصل واستعيض عن التفرد في القرار بالتشاور لدرء اندلاع اي نزاع ليس وقته الآن، خصوصاً ان القيادة السورية مرتاحة للتعاون القائم بين لحود والحريري. وبينما اعتبرت مصادر الحريري ان البيان كان بمثابة رد فعل على تفرد قرداحي في قراره، الذي حاول ان يصور رئىس الحكومة من خلال الطريقة التي تعامل فيها تلفزيون الجديد مع قرار وزير الاتصالات وكأنه، خلافاً للآخرين، يقف وحده ضد الحريات العامة. وفي العودة الى موقف الحريري من الكتاب الذي اجاز فيه قرداحي لتلفزيون الجديد معاودة البث، نقل عنه وزراء ونواب اتصلوا به انه منزعج كثيراً من طريقة تعامل وزير الاتصالات، ان لجهة تبلغه بالقرار لاحقاً اي بعد عودة البث او لجهة التفرد بالقرار وكأن رئيس الحكومة ليس موجوداً. وأكد الوزراء والنواب ان الحريري لم يرسل مذكرته الى قرداحي بوقف البث الى حين عقد الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء ليتخذ القرار المناسب، الا بعد التشاور مع لحود وبري وعدد من الوزراء. وكشفت المصادر النقاب عن ان الحريري اتصل بلحود الذي كان يمضي اجازة في فرنسا، وأبلغه اثناء اجتماعه مع وزيري الخارجية محمود حمود والاعلام غازي العريضي ان "نيو تي في" سيبث هذه الليلة اي مساء الاربعاء الماضي حلقة عن المملكة العربية السعودية يمكن ان تعرض العلاقة بين البلدين الى أزمة وبالتالي لا بد من تفاديها. واتفق لحود والحريري - بحسب المصادر - على القيام بجهد لدى المحطة المذكورة لثنيها عن بث حلقة "بلا رقيب"، وفي حال تعثر المساعي في هذا الخصوص لا بد من منعها بوقف البث الفضائي. وبالفعل لم يبد صاحب المحطة تحسين خياط في بادئ الامر اي تجاوب حيال الاتصالات التي تلقاها من عدد من الوزراء وأصر على بث الحلقة ما استدعى قطع الاتصال بالخارج. وجرى نقاش في طبيعة التدبير الاحترازي فاقترح الحريري اصدار مذكرة في شأن قطع البث الفضائي وان يستمر المنع حتى عقد مجلس الوزراء، بينما رأى عدد من الوزراء ان مثل هذا التدبير يحتاج الى غطاء قانوني بموافقة مجلس الوزراء. وبعد النقاش اخذ الحريري القرار على عاتقه، وتجاوب معه قرداحي من دون ان يبدي اي معارضة او تحفظ خلافاً لرأي وزراء آخرين. وبالفعل نفذ وزير الاتصالات المذكرة على رغم المراجعات التي تلقاها من خياط وسياسيين، بينما بقي دور النائب العام التمييزي عدنان عضوم محصوراً وبناء لطلب الحريري في منع بث الحلقة وقد اصدر استنابة في هذا الخصوص. لكن قرداحي عاد واعتبر ان المذكرة غير قانونية مع انه نفذها بحذافيرها ولم يسجل اي تحفظ او تريث ريثما تتسنى له مراجعة القانونيين في الوزارة، وقد اعد كتاباً في هذا الخصوص الى الحريري، مشيراً الى ان سبب وقف البث انتفي بعد ان تعهد خياط للنيابة العامة بعدم اذاعة الحلقة وبتسجيله محضراً في هذا الصدد امام قيادة قوى الأمن الداخلي. وفي المقابل قال وزراء اتصلوا بقرداحي انهم ابلغوه صراحة عدم رغبتهم في التدخل في قانونية او عدم قانونية العودة عن منع البث، لكنهم سألوه ألا يحق لرئيس الحكومة معرفة ما سيقرره، وبالتالي لماذا لم يبادر الى اطلاعه؟ لأنه من الممكن التوصل الى مخرج! وكان رد الوزير انه لا يستطيع ان يتحمل وزر المنع غير القانوني للبث ولم يكن امامه سوى اللجوء الى هذه الخطوة، فقيل له: "نحن نسأل فقط عن الاسباب التي دفعتك الى تجاهل رئيس الحكومة، علماً اننا نعتقد بأنك اتخذت قرار الوقف بعد العودة الى التشاور مع لحود؟". وبطبيعة الحال لم يعرف ما اذا كان قرداحي اتخذ قراره بمفرده، ام انه يتجاوز الموقف من معاودة البث الى أمور أخرى لا تزال مجهولة، لا سيما ان بعض المتضررين من تفاهم الرئىسين ووحدة أهل الحكم سارعوا الى اعطاء تفسير للخطوة التي أقدم عليها قرداحي والتي تعود بالبلد الى السجال الذي ترتب في السابق على ملف الهاتف الخلوي. وينطلق هؤلاء من تفسيرهم - في ظل امتناع مصادر لحود عن التعليق على ما يجرى تحت وطأة اعادة البث - من ان بعض ما جاء على لسان الحريري في حواره المتلفز الأخير قوبل بامتعاض من وزراء مقربين من لحود من دون تحديدهم بالتفاصيل للنقاط التي تسببت بذلك. الاستقالة غير مطروحة وعلى صعيد آخر، يعتقد الوزراء الداعمون لاستمرار "غسل القلوب" بأن ما حصل بات يستدعي التوصل الى تفاهم جديد على اعقاب سقوط الاتفاق الحالي، خصوصاً ان رد فعل الحريري جاء بسبب تجاهله، ولم يكن في وسعه ان يمارس الصمت حيال قضية تتعلق به شخصياً، لا سيما انه لم يكن ممانعاً للاتفاق مع لحود وداعياً الى حمايته في وجه المتضررين، ويشير هؤلاء الى ان استقالة الحريري غير مطروحة على رغم انه لوح بها كرد فعل اولي حيال ما حصل. ويؤكد الوزراء ممن حاولوا تطويق المشكلة الى جانب بري ان المرحلة حالياً هي مرحلة استيعاب رد الفعل وان الجهود منصبة وبدعم سوري على تطويق المشكلة وعدم تكبيرها، مشيرين الى عدم وجود نيات بتحويلها الى ازمة مستعصية على الحل ولافتين الى ان الحل، وان كان ليس واضحاً حتى الساعة ريثما يتحقق تبريد الاجواء، لا بد من ان يأخذ في الاعتبار اعادة ترسيم الحدود للعلاقة لتعويم "غسل القلوب" من جديد، خصوصاً ان التغيير الوزاري اصبح مستبعداً حالياً وقبل ان تستقيم العلاقة بين لحود والحريري.