سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحوارات الفلسطينية تتمخض عن اتفاق من ثلاث نقاط ... ومصر ترسل وفدا وتعد لاستضافة الحوار . بريطانيا تشرف على "غرفتي عمليات" لضبط الوضع الامني في الضفة والقطاع
تنشط الجهود الديبلوماسية على ثلاثة مسارات متوازية ومتقاطعة في اطار ما يسمى "ضبط الاوضاع في قطاع غزة"، خصوصا بعد دخول بريطانيا على الخط من خلال تمويل والاشراف عليها "غرفة عمليات" في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة تمشيا مع "الخطة البريطانية - الفلسطينية الامنية الشاملة" التي وضعت اللمسات الاخيرة عليها في الاجتماع الاخير بين رئيس الحكومة الفلسطينية احمد قريع ونظيره البريطاني توني بلير الاسبوع الماضي. نجح البريطانيون في اقامة "غرفة عمليات" في رام الله وجمع الاجهزة الامنية الفلسطينية تحت سقف واحد تمهيدا لتنفيذ "سياسة" واحدة تقول مصادر بريطانية انها تهدف الى تلبية واحدة على الاقل من اربعة مطالب اسرائيلية لاعادة "الثقة" بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وذلك توطئة لاستئناف المفاوضات بينهمسا وفقا لما يأمله البريطانيون. وتشير المصادر البريطانية الى ان هذه المطالب تشمل جمع الاسلحة "غير القانونية" من الشارع الفلسطيني، وتقديم معلومات للاسرائيليين في شأن نيات فلسطينيين تنفيذ هجمات، واغلاق "الانفاق" المستخدمة لتهريب الاسلحة عبر الحدود المصرية والاستجابة لمطالب اسرائيل في التحقيق بحسابات بنكية "مشبوهة". وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، فإن لندن تسعى الى حض الفلسطينيين على تحقيق واحد من هذه المطالب لأن على اسرائيل بموجب خطة "خريطة الطريق" ان تخفف حصارها المطبق على الفلسطينيين كخطوة تالية. وربما جاء الاعلان الاسرائيلي في شأن تسليم اجهزة الامن الفلسطينية في بيت لحم كمية من المتفجرات عثر عليها في ورشة لتصنيع المتفجرات، مؤشرا على احراز "تقدم" باتجاه الهدف البريطاني. غير ان الطاقم البريطاني المكلف هذه المهمة لم ينجح في اقامة غرفة عمليات مماثلة في القطاع بسبب الصراعات الداخلية بين الاجهزة الامنية الفلسطينية من جهة وتعقيدات الوضع القائم في غزة التي باتت تشكل مركز المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. واكدت مصادر فلسطينية مطلعة ان عددا من "العناصر" البريطانية نشط اخيرا على صعيد تقديم المساعدات "اللوجستية" والمالية، واحضرت "قوات خاصة" اكتسبت خبرة من القضية الايرلندية لمساعدة الفلسطينيين على "تشغيل الاجهزة وتدريب الكادر الامني الفلسطيني" العامل في غرفة العمليات المركزية في رام الله وفروعها في المحافظات الفلسطينية في اطار الضفة. مسار مصري مواز في القطاع وفي القطاع أيضا، تنشط الجهود المصرية على مسار مواز، وايضا متقاطع مع العمل البريطاني لجهة "توحيد الاجهزة الامنية"، وهو شعار رفع بقوة منذ تعيين محمود عباس أبو مازن رئيسا للوزراء قبل نحو عام. ومن هنا كثفت القاهرة نشاطها الديبلوماسي، بما في ذلك الزيارات التي قام بها مسؤول جهاز الاستخبارات المصرية عمر سليمان واسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري، وكذلك زيارة سليمان لواشنطن التي سبقت زيارة مبارك اليها منتصف الشهر المقبل، وان كانت مصر تسعى الى التوصل الى اتفاق مع واشنطن يقضي بارغام اسرائيل على تنفيذ فكرة شارون بالانسحاب من قطاع غزة كجزء من تطبيق "خريطة الطريق"، وبناء عليه تنفيذ انسحاب جزئي متزامن من الضفة، او كما لخصها المحلل السياسي عبد الله الحوراني بأن تكون خطة شارون للانسحاب احادي الجانب قرارا تتخذه الاطراف المعنية وليس اسرائىل فقط. مصر ترسل وفدا وتستضيف الحوار وفي هذا المجال، كشف النقاب ان وفدا امنيا مصريا سيصل الى القطاع للمساعدة في "تدريب الاجهزة الامنية" في اطار توحيد هذه الاجهزة تحت لواء واحد. وذكرت مصادر فلسطينية ان القاهرة التي تعمل ايضا على محور الحوار الفلسطيني - الفلسطيني، تعتزم توجيه دعوات جديدة لمسؤولي الفصائل والتنظيمات الفلسطينية لاستئناف الحوار الذي انقطع خلال الاشهر الثلاثة الماضية. الفلسطينيون، من جهتهم، وهم العامل الاساس في هذه المسارات، لديهم مسارهم الخاص الذي يشكك في جدية نيات شارون بالانسحاب، خصوصا بعد ان سربت القناة السابعة في التلفزيون الاسرائيلي نبأ يؤكد ان الرئيس جورج بوش "الغى" الزيارة التي كان شارون يحلم بالقيام بها الى واشنطن لعرض خطته والحصول ليس فقط على "موافقة" عليها بل ايضا "ثمن" لها. حوارات فلسطينية لضبط الساحة وخلافا لما هو ظاهر في شأن "تخبط" الفلسطينيين وعدم تلمسهم خطورة وحساسية المرحلة المقبلة، تدور على نار هادئة و"عقلانية" بعيدا عن جلبة المزايدات والشعارات الفضفاضة حوارات معمقة بين "لجنة المتابعة للقوى الوطنية والاسلامية" التي ينضوي تحت لوائها ممثلون عن اطياف اللون السياسي الفلسطيني والاجهزة الامنية باسمائها المتعددة، اضافة الى شخصيات وطنية واعتبارية نافذة في القطاع، وذلك للبحث في الخطوات الاسرائيلية المتوقعة وسبل "ضبط الساحة الفلسطينية"، بما في ذلك ضبط الاجهزة الامنية بحيث لا تكون في حال "تناقض" او "تصارع" في ما بينها كما يتجلى في بعض الاحداث. اتفاق فلسطيني من ثلاث نقاط هذه الحوارات تمخضت الاسبوع الماضي عن اتفاق بين الاطراف اساسه "ان لا صوت يعلو فوق القانون"، بما في ذلك الاجهزة الامنية. وتناول الاتفاق ثلاث نقاط اساسية، اولها تأكيد مبدأ ان المقاومة ضد الاحتلال حق مشروع لا يختلف عليه اي فلسطيني. اما البند الثاني من الاتفاق فيقضي ب"كبت مظاهر السلاح العلني"، اي ان لا يظهر السلاح الا في حالات المقاومة وان تخلو شوارع القطاع من ظاهرة الملثمين المسلحين والاستعراضات المسلحة التي ترافقها عمليات اطلاق النار في الهواء وما الى ذلك من حمل "المدنيين" السلاح، وهو ما اقرته القوى وفصائل المقاومة ووافقت عليه. أما البند الثالث من الاتفاق، فنص على ان الجهة الامنية الفلسطينية الوحيدة المخولة اعتقال او حجز اي فلسطيني يخالف القانون هي جهاز الشرطة، ويحرم على الاجهزة الامنية الفلسطينية القيام بهذه المهمة بأي حال لان هذا ليس من اختصاصها. ولم يكد حبر الاتفاق الذي توصلت اليه لجنة المتابعة للقوى الوطنية والاسلامية والاجهزة الامنية الفلسطينية في قطاع غزة الاسبوع الماضي يجف، حتى جاء الخرق الاول لاحد بنودها الرئيسة الثلاثة من جانب هذه الاجهزة. كان ذلك بعد حادثة "السرايا" التي قتل فيها ثلاثة فلسطينيين وجرح آخرون في حادث وصفته الاطراف جميعا بأنه "مؤسف". وتلى ذلك اعتقال ثلاثة عناصر من "حركة المقاومة الاسلامية" حماس في موقع الحادث، ومن جانب جهاز الاستخبارات العسكرية التي ترفض تسليم المعتقلين الى جهاز الشرطة كما اتفق عليه الاسبوع الماضي. وابرز اجتماع موسع عقد امس للجنة المتابعة وممثلين عن الاجهزة الامنية الفلسطينية والحكومة وشخصيات وطنية مستقلة هذه المسألة التي اعتبرتها غالبية الحضور "خرقا" للاتفاق و"عاملا مهددا" لاستمراريته. خريطة الاجهزة الامنية الفلسطينية ولربما يكمن جزء من "المشكلة" في العدد الكبير لاجهزة الامن الفلسطينية التي يقول الغزيون ان احدا، بمن فيهم قادة هذه الاجهزة، لا يعرف بالضبط اطار مجال عمله. فهنالك تسعة اجهزة امنية على الاقل تعمل في القطاع، هي جهاز الامن الوطني والشرطة و"امن الرئاسة القوة 17 والاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة والامن الوقائي والدفاع الوطني والشرطة البحرية والامن الخاص". ويقول الغزيون ان صراع القوى يتجلى بين جهازين رئيسيين بعد ان تم "تحييد" باقي الاجهزة بدرجة او بأخرى، وهما جهاز الاستخبارات العسكرية برئاسة موسى عرفات المعروف بولائه المطلق للرئيس الفلسطيني، وجهاز الامن الوقائي الفلسطيني الذي بناه العقيد محمد دحلان مع دخول السلطة في اعقاب اتفاقات اوسلو والذي "اختلف" مع الرئيس ياسر عرفات اثناء "ازمة الحكومة وصلاحيات وزارة الداخلية الامنية" في عهد أبو مازن. وتكمن "قوة" جهازالامن الوقائي في ان غالبية اعضائه من حركة "فتح" الذين نشطوا في الانتفاضة الشعبية الاولى ويتمتعون بقدر عال من الانضباط. وعلى رغم "اجتماع المصالحة" الذي جرى بين عرفات ودحلان في رام الله الشهر الماضي، يعتقد الغزيون ان "الخلافات بين الرجلين لم تحل كليا". وفيما يتحسس الشارع الغزي من الحديث عن "صراع القوى"، الا ان هذه المسألة باتت تطرح نفسها بقوة على واقع الحياة اليومية. ويرى المراقبون والمحللون السياسيون انه لا يمكن تخطي "عقبة" صراع القوى الا من خلال توحيد الاجهزة الامنية بشكل فعلي وليس نظري تكون فيه سيادة القانون هي الحكم الذي لا يعترض عليه احد.