ترجح مصر أن يكون رئيس وزراء اسرائيل آرييل شارون يعني ما يقول بإعلان خطوته الأحادية الجانب بالانسحاب من قطاع غزة، وهي تعتزم أن تساعد الفلسطينيين على جعل الانسحاب عاملاً إيجابياً، وخطوة في سبيل قيام دولة فلسطين. كنت في عشاء في لندن الأحد الماضي تكريماً لرئيس وزراء فلسطين الأخ أبو العلاء، طغى عليه موضوع الانسحاب الاسرائيلي، وهل يتم، وموعده، ودور مصر المساعد. وتوجهت بعد ذلك الى القاهرة وسمعت أفكاراً مصرية في اليومين الماضيين من وزير الخارجية السيد أحمد ماهر، ثم وزير الإعلام السيد صفوت الشريف، ورئيس هيئة الاستعلامات الدكتور طه عبدالعليم ومعهم الأخ عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية. وسألتهم عن الموضوع، إلا أن الحديث لم يكن للنشر. غير ان الحظ ساعدني برؤية الصديق جبريل رجوب صدفة في القاهرة أمس، وكان وصل اليها مع اللواء عمر سليمان، رئيس الاستخبارات العامة العائد من اسرائيل، وسألته عن الموضوع. الأخ جبريل قال انه يرى أن الاخوان المصريين بنوا استراتيجيتهم على أساس التزامهم القومي بأن الشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة عنصر واجب الوجود لتحقيق الاستقرار الاقليمي، وأن قطاع غزة يقع في دائرة الأمن القومي المصري. مصر تتحرك بحذر، وهي لن تلزم قوات مصرية دخول القطاع، إلا أنها مستعدة للمساهمة في الترتيبات الأمنية وإعادة تأهيل العناصر الفلسطينية وتدريبها وتجهيزها لمواجهة الوضع الجديد. ويزيد مستشار الرئيس عرفات للشؤون الأمنية أن مصر ترى أن اعلان شارون الفصل الاحادي خطير وغير مناسب، ولكن يجب التعامل مع القرار بإيجابية إذا أصبح جزءاً من "خريطة الطريق". وفي حين ان الادارة الأميركية غير متحمسة لأي خطوة احادية الجانب، فإن شارون سيعرض افكاره على الرئيس بوش في زيارة قريبة لواشنطن، والأرجح أن تحاول الإدارة الأميركية جعل الانسحاب جزءاً من "خريطة الطريق". كنت حدثت الأخ جبريل رجوب بعد أن تحدث الى اللواء عمر سليمان، والصورة هي التالي: شارون قال انه لم يسقط "خريطة الطريق"، وهو مستعد للتفاهم مع السلطة الفلسطينية على أساسها، إلا أنه كرر موقفه المعروف انه غير مستعد للانتظار طويلاً لينفذ الفلسطينيون الجزء الأول من التزاماتهم بموجب "خريطة الطريق"، والمقصود هنا وقف جميع العمليات المسلحة، بما فيها العمليات الانتحارية، وتفكيك البنية التحتية لما تسميه أميركا واسرائيل "الارهاب". مع ذلك شارون قال ان السور الأمني ليس الحدود بين الضفة الغربية واسرائيل، ويمكن ازالة أي جزء منه اذا جرى التوقيع على اتفاق. وهو أكد ان الانسحاب من غزة ليس هدفاً استراتيجياً له، وسيحاول اقناع الأميركيين خلال زيارته بأنه لا يتعارض مع "خريطة الطريق". وإذا حصل على ضوء أخضر من الأميركيين فسيعرض مشروعه على الحكومة والكنيست، ويتوقع ان ينجز الانسحاب في فترة بين ستة أشهر، وتسعة أشهر، مع وجود معلومات من مصادر عدة تؤكد ان الانسحاب لن يتم الا بعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، لأن الرئيس بوش لا يريد خضة عشية الانتخابات. شارون أكد أن الانسحاب سيكون كاملاً، وأن المستوطنين لن ينقلوا من قطاع غزة الى الضفة، وأن الاسرائيليين سيتركون وراءهم مباني المستوطنات كما هي. كنت سمعت على العشاء مع الأخ أبو العلاء في لندن قلقاً من أن يخلي الاسرائيليون القطاع فجأة، وأن تواجه السلطة الفلسطينية، بامكاناتها المحدودة، وأجهزتها الأمنية المنهكة، وضعاً يهجم فيه المواطنون على المستوطنات المهجورة لاحتلال مساكن فيها. لعل شارون يأمل أن يقوم وضع من الفوضى والنزاع الداخلي الفلسطيني، يمكّنه من أن يقول للأميركيين وبقية العالم ان الفلسطينيين خطر على أنفسهم وعلى جيرانهم، وانهم غير مؤهلين لبناء دولة مستقلة، ويرتفع الضغط عليه للانسحاب من الضفة الغربية. الأمر بيد الفلسطينيين، فإذا أحسنوا التصرف، فالضغط على شارون، وإذا أساؤوا التصرف فالضغط عليهم. وفي جميع الأحوال فالدور المصري المساعد أساسي للنجاح، على رغم ان الرئيس مبارك يفهم تماماً الأخطار، ويصر على مساعدة الفلسطينيين، من دون أن تتورط قوات مصرية في حفظ السلام مباشرة داخل القطاع، أو في مواجهة عسكرية جديدة مع القوات الاسرائيلية على الحدود. الوضع كله يمكن أن يخلص بكلمة واحدة هي الأمن، والأخ جبريل رجوب يقول ان الجانب الفلسطيني يدرك ان حفظ الأمن هو خطوة أولى تسبق كل خطوة تالية، وسمعت منه ان السلطة الوطنية وفصائل المقاومة في القطاع بدأت اتصالات لمواجهة وضع تنسحب فيه اسرائيل في شكل كامل. وأساس الحوار الفلسطيني هو الوصول الى وحدة القرار وتثبيت وحدانية مسؤولية السلطة بعد الانسحاب، كمقدمة لاجراء انتخابات عامة. هل يتم الانسحاب؟ لماذا يريد شارون الانسحاب؟ هل يقنع الأميركيين بخطته؟ هل ينسحب من كل الضفة؟ هل صدق في كلامه مع المصريين؟ هل الحذر المصري مبرر؟ استطيع أن أجيب عن السؤال الأخير فقط بنعم، ولكن ثمة أسئلة كثيرة أخرى، والجواب على مجموعها هو ان النجاح او الفشل مسؤولية الفلسطينيين، وأن أبعاد هذا وذاك تتجاوز قطاع غزة.