اتفاق "غزة اولاً" تحول عملياً الى قنبلة "غزة اولاً" على يد ائتلاف العسكر والامن في حكومة شارون مع السلطة الفلسطينية التي ادمنت لعبة التكتيك اليومي بعيداً عن الرؤية الوطنية الموحدة، التي تهيئ لتطور ونهوض الوضع الفلسطيني كما جاء في وثيقة مشروع "البرنامج الوطني" بإجماع قوى شعبنا. والآن وعلى الارض الفلسطينية هناك مشروعان يتصارعان: 1- المشروع الاميركي - الاسرائيلي المسنود من قبل عدد من الروافع الحاكمة العربية. 2- والمشروع الوطني والديموقراطي الفلسطيني، والمحزن ان السلطة الفلسطينية لا خطة ولا برنامج ولا مشروع لها، وهي ما زالت تتخبط بين تطلعاتها لتتكيف مع المشروع الاميركي الاسرائيلي وقد خطت خطوات بعيدة في هذا الاتجاه، وبين الحالة الجماهيرية والانتفاضة الميدانية والقوى الوطنية، وعلى ضوء نتائج هذا الصراع يتقرر الكثير، اما ان تقع السلطة في شباك المربعات الاميركية - الشارونية مرة اخرى، او ان تعود الى البيت الفلسطيني وتنخرط في الجهود التي تبذل من اجل اعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية على قواعد جديدة/ قواعد الاصلاح السياسي الشامل والتغيير الديموقراطي. وعندما عرض ياسر عرفات علينا المشاركة في وزارته الاخيرة كان جوابنا واضحاً: علينا ان نتحد على برنامج وطني ديموقراطي وبعدها نذهب الى تشكيل حكومة اتحاد وطني تذهب الى انتخابات برلمانية ديموقراطية عليها نبني اصلاح مؤسسات السلطة، ونعيد بناء مؤسسات منظمة التحرير بانتخاب مجلس وطني جديد برلمان موحد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وعليه نبني مؤسسات المنظمة المدمرة منذ اتفاق اوسلو ايلول/ سبتمبر 1993. لكنه لم يستجب الى نداء العقل ونداء الانتفاضة منذ انطلاقتها حتى الآن. وعليه رفضنا المشاركة في هذه الوزارة القديمة الجديدة، لأنها منخورة بالفساد، ومحشورة في زاوية الاملاءات الاميركية والاشتراطات الاسرائيلية وكما اتضح الآن ان السلطة استجابت لعديد من الشروط الاميركية - الاسرائيلية بدءاً من هيكلية وزارة السلطة، وتسليم وزارات اساسية للايدي والرقابة الاميركية: الداخلية - المال - العدل. والآن يجري على يد الاستخبارات الاميركية وبالاتفاق مع ثلاثة اقطار عربية اعادة بناء المؤسسات الامنية بما يجعلها اكثر مطواعية للرغبات الاميركية. وفعلاً وصل الى رام الله 125 ضابطاً من الاستخبارات المصرية الاردنية، كما اعلن عرفات، للعمل باشراف الاستخبارات الاميركية. واتجه وفد من السلطة الفلسطينية برئاسة صائب عريقات وعضوية وزير الداخلية والمال والاقتصاد، الى واشنطن للاجتماع بوزير الخارجية الاميركي كولن باول، وعلى جدول الاعمال الخطط العملية لاعادة تركيب مجموعة الاجهزة بما يجعلها قوى مضادة للمقاومة والانتفاضة، وبعد عودة الوفد تنتظر السلطة الآن فريق الاستخبارات الاميركي باشراف جورج تينيت، هكذا هي الخريطة الفعلية بين المشروعين. وعليه تقدمت "الجبهة الديموقراطية" بمشروع متكامل للاصلاح الوطني والتغيير الديموقراطي، وهنا جدل وحوار في صفوف كل القوى الوطنية. وتوصلنا الى ورقة عمل اولية موحدة بين خمس قوى اساسية تحمل السلاح الديموقراطية، فتح، حماس، الشعبية، الجهاد وتم التوافق على برنامج مرحلي وتشكيل قيادة وطنية موحدة يستجيبان الى ضرورة توحيد كل فصائل الانتفاضة والمقاومة والشخصيات الوطنية. الا ان التعطيل الذي وقع والانتكاسات التي سببها احجام الاخوة في "حماس" عن التوقيع على مشروع البرنامج بعدما شاركوا في صياغته نأمل بأن لا تطول فالزمن سيف على رقابنا، وعلينا التقاط الفرصة ووقف الهدر المتزايد للقدرات والطاقات الفلسطينية ولعامل الزمن. وهنا يبرز مؤشر تدخل عاصمتين اقليميتين عربيتين كبيرتين في وضع العصي في دواليب مشروع برنامج الوحدة الوطنية، والهدف من ذلك ان تبقى السلطة الفلسطينية في موقع الاستجابة للتكيف مع مشروع "الاصلاحات الاميركية" والعودة الى الخطوات الصغيرة الجزئية خصوصاً مشروع "غزة - بيت لحم اولاً" بعيداً عن البرنامج السياسي الموحد والقيادة الوطنية الموحدة، حيث القرار السياسي والامني جماعي الامناء العامون لفصائل المقاومة " اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير " عدد من الشخصيات الوطنية الوازنة. في مشروع البرنامج الوطني المطروح نجد اجابات شافية على قدر جيد للامور المطروحة، وفي المشروع ذاته لا نعتقد للحظة واحدة ان الامور يمكن حلها بتغيير افراد، لأن المشكلة الاساسية سياسية بقدر ما نجد الحلول السياسية لها، ولعبة تغيير الافراد لعبة اميركية - اسرائيلية، وللاسف بعض العواصم العربية تنحني لهذه الرغبات المضادة للحقوق الوطنية الفلسطينية، وهي التي ساندت ودعمت تشكيل نظام رئاسي وبالاتفاق مع واشنطن واسرائيل، يجمع كل السلطات بيد مريديه، نقيض نظام منظمة التحرير منذ عام بينما 1964 - 1994 القائم على بناء مؤسسات منظمة التحرير على اساس برلماني ديموقراطي ولجنة تنفيذية تنتخب من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وينتخب رئيسها ينتخب من اللجنة التنفيذية وفشلت على مساحة ثلاثين عاماً كل محاولات انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية من المجلس الوطني مباشرة. وفقط عام 1996 عقد مجلس وطني فلسطيني في غزة جرت فبركته بتعليمات ورعاية اميركية أمام كلينتون للمصادقة على اتفاق أوسلو، وتمرير انتخاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية من المجلس مباشرة. وحسب قانون الانتخاب تحت سقف أوسلو تم انتخاب رئاسي مباشر له طبيعة اقطاعية لضمان فوز عرفات. الآن يتذكر الأميركان ما فعلت أيديهم لأنهم اعتمدوا في بلدان العالم الثالث وعديد البلدان العربية على سياسة تركيز كل السلطات في يد فرد حاكم، ومن بين أصابع هذا الرجل يجري تمرير الحلول التي تريدها واشنطن. بعد عشر سنوات وصل عرفات الى عنق الزجاجة، ولم يستطع أن يبتلع موس كامب ديفيد 2 وطابا بعدما قدم العديد من التراجعات والتنازلات، تذكر الأميركان ان عرفات يمارس سلطة فردية، وهم لا يريدون اصلاحات حقيقية لشعبنا انما يخططون لإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية، أي بتبديل طرابيش بطرابيش، وليس اصلاحاً سياسياً وطنياً ديموقراطياً. والخطأ الاستراتيجي الكبير الذي وقع فيه عرفات وسلطته انهم صدقوا الوعود الاميركية بأن اجتياح شارون للضفة الغربية الهدف منه تفكيك البنية التحتية للارهاب، ولن يمس شخص عرفات ووزارته ومفاصل السلطة، وعلى هذا الوعد تم تجميع كل عناصر السلطة الأساسية في ثلاثة مواقع/ مقر المقاطعة - الأمن الوقائي في بيتونيا وكنيسة المهد، وتركوا الشعب وجنودهم من دون قيادة، لكن شارون دمر مؤسسات الأمن الوطني لأن الكثير منهم شارك في الانتفاضة، ودمر مؤسسات المجتمع المدني بهدف أن تأتي السلطة جاثية على ركبتيها مستسلمة للشروط الأميركية - الاسرائيلية، بدأ الصدام عند بوابة جنين، وكان مخيم جنين الأسطورة مما أدى الى استمرار الحصار على مقر المقاطعة وكنيسة المهد الى أن جرى التسليم بشروط شارون وبالاستسلام لمقر بتونيا حيث وجد 400 ضابط، وتم تسليم المناضلين الستة في مقر المقاطعة للسيادة الاميركية - البريطانية، وتشريد 13 مناضلاً فلسطينياً فيما نحن على مدى 54 سنة نناضل من أجل العودة وليس من أجل المزيد من التشرد، كل ذلك سيترك تفاعله على حركة الواقع الفلسطيني. من هذا السياق، فإن الادارة الأميركية باملاءاتها ومواقفها المنحازة تريد تحويل شعبنا الى قطيع غنم بيد الجزار شارون وتصفية الانتفاضة والمقاومة بكل أشكالها وإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية وفقاً لهذه الرغبات الاميركية - الاسرائيلية، وفي هذا السياق يأتي اتفاق غزة - بيت لحم أولاً، لاختبار السلطة الفلسطينية لعمليات قمع قادة وكوادر الانتفاضة والمقاومة، وبعبارة أخرى "تلحيد" السلطة الفلسطينية كما جيش لحد في جنوبلبنان، وبعدها تتم برمجة الانسحاب على مراحل الى خطوط 28 أيلول سبتمبر 2000. هناك أفكار معلقة على الشجرة الأميركية تحت عنوان البحث عن حلول للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي وفق ما يسمى برؤية بوش الحلم النبوءة، هذه الرؤية تنفذ خلال ثلاث سنوات، ولم يضع بوش أية خطة لكيفية تلبية الشروط الأميركية - الاسرائيلية، وبصراحة فإن الادارة الأميركية غير معنية بالسلام العادل والشامل في المنطقة أبداً بل هي معنية الآن بسلسلة من الخطوات لإعادة هيكلية السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية في بلدان المشرق وفق التصور الاميركي، وبعدها يجري البحث عن حل فلسطيني - اسرائيلي، وكثيرة هي الوعود الاميركية بدءا من مطلع عام 1974 ولغاية الآن، كان الاميركان يقدمون الأوهام للعرب والدعم الفعلي الكامل للكيان الصهيوني. هذا ما قلته لياسر عرفات عندما اختلفنا في شأن مدريدوأوسلو علينا أن نستفيد من تجربة العرب لأنهم بكل طاقتهم لم يتمكنوا من انزال الوعود الاميركية من على الشجرة الى الأرض، وعلينا ألا نكرر التجارب المضرة والخاطئة، والآن مر 12 عاماً ولم يأت السلام المزعوم - الموعود فاندلعت الانتفاضة رداً على بؤس حلول وسياسة أوسلو البائسة - والآن يأتي بوش ليضيف ثلاث سنوات وكل شيء معلق على الشجرة، وبصراحة أقول ان المطلوب هيمنة مطلقة على منابع النفط وخيرات بلادنا لتكون بحيرة اميركية مضمونة لعشرين سنة قادمة، وهذا ما يحتاج الى أوضاع طبقية سياسية أمنية تشكل الأعمدة المضمونة للهيمنة الاميركية في منطقتنا. لا حلول اميركية عادلة في يد الادارة الاميركية جمهورية كانت أم ديموقراطية. الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.