اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يشكل الشرق الأوسط محوراً أساسياً في أجندة السياسة الخارجية الأميركية، وعصباً حيوياً من الصعب التغاضي عنه في الانتخابات الرئاسية المرتقبة والطريق إلى البيت الأبيض. فبعد زوبعة 11 أيلول سبتمبر عام 2001، وجدت الولاياتالمتحدة نفسها معنية مباشرة بالسياسات الداخلية والخارجية لدول المنطقة، وجاء الصراع العربي - الاسرائيلي والحرب على الإرهاب والحرب على العراق، ليفرضها كقوة لا غنى أو بديل عنها في رسم مستقبل السياسة الشرق الأوسطية. ويعتبر الصراع العربي - الإسرائيلي من صلب اولويات هذه السياسة وأقدمها على الإطلاق، إذ برز بقوة بعد حرب 1967 مكرساًً حلفاً استراتيجياً بين أميركا وإسرائيل ضد الاتحاد السوفياتي وحلفائه من دول المنطقة في تلك الفترة، وعمل اللوبي اليهودي في أميركا عددياً ومالياً لتعزيز هذا الحلف بما يضمن مصلحة إسرائيل وامنها وتفوقها العسكري والسياسي. غير أن الصورة تبدو ضبابية قبل الاستحقاق المنتظر. فالمرشحان، الرئيس جورج بوش عن الحزب الجمهوري الساعي الى ولاية ثانية، والسناتور جون كيري عن الحزب الديموقراطي، يلتزمان الحذر في تصريحاتهما في شأن الصراع العربي - الإسرائيلي عموما. وهما من دون شك، وعلى رغم حدة المعركة وتصاعد وتيرة النقاش، يلتقيان في شأن العديد من الخطوط العريضة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. فحق الفلسطينيين في دولة مستقلة مرتبط بضمان أمن إسرائيل ووقف "الإرهاب" وإصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية. ويشارك كيري بوش موقفه من الرئيس ياسر عرفات، إذ يراه "جزءاً من المشكلة وعائقا أمام أي تسوية سلمية". وهذا ما يؤكده رئيس "التجمع الجمهوري في واشنطن" جميل الشامي الذي يرى انحيازاً واضحاً من الحزبين لمصلحة إسرائيل، ما يستلزم وجود ضغط عربي في كليهما. كما ان الطاقم السياسي مشترك في الحملتين، اذ ان أحد أبرز مساعدي كيري في السياسة الخارجية راند ديرز له ماض جمهوري وشارك في إدارة بوش الحالية في قسم مكافحة الإرهاب قبل أن يستقيل إبان الحرب على العراق، إضافة إلى ريتشارد مورنينغستار مستشار كيري الرئاسي، والذي يتمتع بعلاقة وطيدة مع شركات النفط وهو قريب من المحافظين. أين يفترق إذاً بوش وكيري في رؤيتهما للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وكيف ستتبلور الأمور في حال فوز أي منهما؟ يرى المحلل السياسي ديفيد ماكوفسكي من "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" أن الصورة رمادية اليوم وتوحي الى حد ما ببعض الخلافات بين المرشحين حيال المسألة الفلسطينية - الإسرائيلية، إنما من الصعب والمبكر التيقن بسياسات كيري تجاه الموضوع. ويشير ماكوفسكي إلى التناقضات في خطاب كيري، والتي تترك المجال مفتوحا للنقاش في ظل غياب جدول أعمال مفصل عن سياسته الخارجية. واستناداً الى تصريحات كيري وخطاباته، تندرج نقاط الخلاف بين المرشحين على النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي تحت ثلاثة عناوين: الجدار الفاصل، والطاقم الإداري، وصيغة التعامل مع الحكومة الإسرائيلية. ففي حين تبدي إدارة بوش بعض التحفظ على بناء الجدار لمنع امتداده على الجهة الشرقية، وضرورة عدم حلوله بديلاً عن أي تسوية، يبدو كيري أكثر غموضاً حيال هذا الموضوع. فالمرشح الديموقراطي يظهر تبايناً في آرائه وفقاً للجمهور والمناسبة، اذ فيما وجه نقداً صريحاً وواضحاً ضد بناء الجدار في كلمته أمام العرب الأميركيين خلال المؤتمر السنوي ل"المعهد العربي - الأميركي" في ديترويت 17 تشرين الأول اكتوبر الماضي، حين وصف الخطوة ب"عائق للسلام والكل في غنى عنها"، انقلب موقفه رأساً على عقب في 23 شباط فبراير الماضي مخاطباً "المجلس القومي اليهودي الديموقراطي" في نيويورك حيث وصف "السور" بأنه "أمني وخطوة شرعية، لإسرائيل كل الحق في بنائه للدفاع عن نفسها". تاريخياً، يمكن القول ان اليهود الأميركيين كانوا أكثر تعاطفاً ووجوداً في الحزب الديموقراطي، على رغم أن هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001 قد تغير في اتجاه هذا الصوت. وبرهن الحزب الديموقراطي خلال ربع القرن الماضي قدرته على التوغل في صلب النزاع العربي - الإسرائيلي والوصول إلى تسوية كارتر، كلينتون. أما المحافظون الجدد الذين يلعبون الدور الأكبر في رسم سياسة بوش، فلا يرون في الصراع العربي - الإسرائيلي تهديداً كبيراً للمصالح الأميركية. وهذا ما عبر عنه أليوت آبرامز، المساعد الأكبر في دائرة الأمن القومي في الإدارة الحالية، حين صرح قبل توليه منصبه بأن العراق والأنظمة الديكتاتورية هي العائق الأكبر أمام مصالح الولاياتالمتحدة. أما كيري، الداخل على خلفية ميراث كلينتون، فدعا مرات إلى ضرورة استئناف المفاوضات من حيث توقفت في محادثات طابا مع سلفه الديموقراطي. ويتوقع المحللون في حال فوز كيري في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، أن يأتي بطاقم إداري مشابه إلى حد بعيد لادارة كلينتون. ومن الأسماء المطروحة ساندي برغر مستشاراً للأمن القومي، وريتشارد هولبرك السفير السابق للأمم المتحدة أيام كلينتون وزيراً للخارجية، وجيمس شتاينبرغ نائباً لمستشار الأمن القومي. ويجري الحديث عن تغيير في حقيبة مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط وتعيين شخصيات مخضرمة من الوسط الرئاسي كارتر، كلينتون، بيكر، أو من الوسط الديبلوماسي دنيس روس. مما لا شك فيه أن أي تغيير في مجرى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي للذهاب به نحو تسوية سلمية، سيستوجب تعاوناً مع طرفي النزاع. فتاريخياً، تميز الديموقراطيون بقدرة قوية للعمل مع جميع الجهات، سواء من خلال الضغط على الحكومات اليمينية الإسرائيلية أو من خلال معاودة المفاوضات. وهذا ما قد يحدث اذا فاز كيري، خصوصاً أن المحافظين الجدد لن تكون لهم الحصة الأكبر في رسم سياسة المنطقة.