الاستشارات النفسية والعاطفية جزء مهم في حياتنا، يحتوينا إزاءه الخجل والخوف من زيارة الطبيب ومكاشفته بأمور جد خاصة. والاستشارة النفسية والعاطفية أحد المواضيع التي حازت الاهتمام والرعاية في مواقع الانترنت وأصبح المتصفح لا يفرّق صحة بعضها عن عدمها. فهل أصبح المتصفح يثق بهذه المواقع أم ما زالت زيارة الطبيب هي الأفضل والأنسب؟ وما هي هذه الاستشارة وما نوعها وكيف يقومها المتصفح ويتأكد من صحة معلوماتها؟ وهل هناك أطباء انترنت؟ وما هي أبرز المشكلات التي يتعرض لها الكثيرون عبر الشبكة؟ وأخيراً، هل يمكن أن نعطي هذه الشبكة كل ثقتنا؟ تصف ع.س. مشكلتها بالقول: "جربت الاستشارة عن طريق الانترنت وعبر مواقع عدة في مشكلة عاطفية تعرضت لها بسبب علاقة ربطتني مع أحد الشباب الى درجة ان حالتي النفسية تدهورت بشدة بسبب عباراته العاطفية الساخنة التي يمطرني بها عبر الهاتف. ثم تأكدت بعد ذلك ان هذا السلوك يسبب الكثير من الأضرار. وقد حاولت ارسال مشكلتي للعديد من المواقع التي تهتم بمثل هذه المواضيع وكانت الاجابات لي شبه واحدة، الا أن أحد المواقع أشار عليَّ بمعاودة الاتصال بهذا الشاب كلما كنت بحاجة لمثل هذا الفعل". وتضيف: "لقد تعبت، وكل الاستشارات التي حصلتها لم تنفع لأنني مع استمراري في هذا السلوك ظهرت لدي مشكلات عضوية مخيفة وتركت الانترنت بما فيه من استشارات وذهبت الى طبيبة واصفة لها حالتي، وشعرت بعد مقابلتها بتحسن". وتصف "ريم" حال صديقة لها في الجامعة قائلة: حاولت ان أجد حلاً لمشكلتها وفشلت، وعندما حاولت استشارة الانترنت عبر أحد المواقع طلبوا مني رقم هاتفي خشيت أن أقع في مشكلة ثانية، ثم أرسل "طبيب" الموقع رسالة يطلب مني موافاته برقم هاتفي أو الاتصال به، مما جعلني أتردد كثيراً الا انني انتهيت بأن أرسلت رقمي. وفي صباح أحد الأيام وأنا في الجامعة اتصل بي الطبيب وتحدث معي وبدلاً من أن يحاول فهم مشكلة صديقتي أخذ يوجه لي عبارات الغزل، واكتشفت أنه ليس طبيباً وهددته ان اتصل بي مرة أخرى بأنني سأتقدم بشكوى ضده". لدي الثقة في موقعي ولأصحاب المواقع رأي في ذلك، ويقول محمد أبو طه صاحب موقع "عالم الحياة الزوجية" حول الثقة في معلومات المواقع وما تقدمه من استشارات: "موقعنا لا تتم عبره الاستشارة النفسية والطبية فقط، بل يعرض بعض المشكلات المحتملة الحدوث ويقدم حلولها من خلال المواضيع المطروحة، كما يحتوي الموقع على الكثير من المعلومات التي يبحث عنها المتصفحون ويجدون الحل بها، ولدينا الكثير من الزوار من بينهم أطباء وذوو خبرة يشاركون في الردود، كما يوجد مشرفون على المنتدى ولا يسمح سوى بالردود السديدة". ويقول أبو طه عن فكرة طبيب الانترنت انها "لا تغني عن الطبيب الفعلي، لأننا في بعض الحالات نشعر بحاجتنا فعلاً للمشورة لذلك نلجأ الى الاستشارة عن طريق الانترنت". ويضيف: "لدينا ثقة كبيرة في معلومات موقعنا وهذا ما نستشفه من الردود والرسائل التي تصلنا. تصلني رسائل عديدة، منهم من يؤيد فكرة الموقع ومنهم من يدعو لي بالخير ولم تصلني أي رسالة شكوى أو اعتراض على أية معلومة والحمد لله". مفهوم الاستشارة يقول الدكتور فهد بن حمد المغلوث، أستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة الملك سعود والمستشار الاجتماعي وخبير المهارات السلوكية والقيادية، حول المفهوم الأساسي للاستشارة وكيفية تقويمه ان "المفهوم العام والأساسي للاستشارة يعني تقديم العون الكافي والمساعدة الضرورية لمن يحتاجها سواء كان عميلاً بالعرف الاجتماعي أو مريضاً بالعرف الطبي وهذه المساعدة تعني أيضاً توضيح المشكلة واستيضاح كل ابعادها للعميل وتبصيره بالطرق الصحية والمنطقية والمعقولة للتعامل معها بحيث يكون لديه تصور واضح عن المشكلة يستطيع معه أن يتخذ قراراً ما بحلها أو التعامل معها". أما مسألة التقويم فيرى انها مسألة "ليست سهلة إذ ان تقويم الاستشارة مرتبط بمعايير عدة منها نوع المشكلة، ووقت تقديمها، ومدى كفاءة المستشار، والظروف المصاحبة لتقديم الاستشارة". ويضيف: في شكل عام يمكن تقويم تقديم الاستشارة من خلال التأكد من ارتباط الاستشارة بجوهر المشكلة ومدى مراعاتها للعوامل الأخرى المتداخلة معها أو المفروضة عليها. ولكن هل هناك متابعة لما بعد تقديم الاستشارة؟ وما هي طبيعة الاستشارة هل قدمت وجهاً لوجه أم من خلال المحادثة أم من خلال رسالة مكتوبة؟ للإجابة على هذا التساؤل يقول الدكتور عبدالله السبيعي، استشاري وأستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الملك سعود وزميل الكلية الملكية للأطباء النفسيين في كندا والمشرف على أحد المواقع النفسانية: "نعم، نحن بحاجة للاستشارة إذا كان المستشارون في هذه المواقع أهل ثقة وعلم وصلاح فالاستشارات على الانترنت تتيح فرصاً لأناس يمنعهم خجلهم من الذهاب الى عيادات الأطباء والحديث بحرية عن مثل هذه المشكلات الخاصة التي ينظر اليها المجتمع نظرات العيب أو الاحتقار أو الضعف". وحول الآثار الناتجة من انتشار الاستشارات النفسية والعاطفية بين الشباب والمتزوجين، عبر الانترنت، يشير المغلوث الى "ان هناك أثاراً ايجابية تتمثل في شعور الإنسان براحة نفسية لكونه يجد مشكلة تشابه مشكلته وأنه ليس الوحيد صاحب الهم، كما تسهم هذه الآثار في تنوير المجتمع حول قضاياه ومشكلاته، وكذلك تسهم في مساعدة الشباب من الجنسين على "الفضفضة" والتعبير عن مكنوناتهم، ثم انهم يستطيعون من خلال الانترنت ان يتحدثوا عن قضايا ربما كانت حساسة أو محرجة بالنسبة اليهم في الظروف العادية أو بالوسائل الأخرى". وحول الآثار السلبية، يشير المغلوث الى امكان التأثر البالغ لما يرونه ويسمعونه عبر الانترنت "مما ينعكس على تصرفاتهم مع أنفسهم ومع الغير، كما انها تفتح مجالاً لكل من "هب ودب" لأن يقدم استشارات اجتماعية أو نفسية، وإذ نرى أشخاصاً غير مؤهلين تماماً يقومون بمثل هذا العمل الحساس". الأسئلة الحرجة ويقول د. السبيعي عن الأسباب التي تجعل بعضهم يلجأ الى مواقع الاستشارات النفسية والعاطفية، ان هذه المواقع "تتيح لروادها فرصة السؤال بخصوصية قد لا تتاح لهم حتى من خلال الاستشارات الهاتفية أو الإذاعية أو التلفزيونية، وهذه الخصوصية تجعل الشخص يذكر كل تفاصيل مشكلته، حتى الجوانب المخجلة منها، من دون أن يشعر بالحرج أو الخوف من انفضاح أمره والإفصاح عن هويته، وهناك فئة أخرى قد تدخل الى هذه المواقع بهدف التثقيف والإطلاع والبحث عن حلول لمشكلاتهم من دون حتى الحاجة لطرحها". ادمان باستشارات وحول ادمان بعض المتصفحين على الاستشارات عبر الانترنت في كل مشكلة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، والمخاطر النفسية لهذا الادمان، يجيب د. السبيعي: "الخطورة تكمن في أن الحصول على استشارة خاطئة من أناس ليسوا أهل علم ولا تقوى، وقد يوقعون السائل في المزيد من المشكلات والتعقيدات والمضاعفات، وتجاوز حدود الانترنت بعقد لقاءات علاجية في ظاهرها ولكنها تتجاوز حدود العلاقة المهنية الى المستوى غير الأخلاقي"، ووصف بعض العقاقير والوصفات العلاجية من دون معاينة المريض والتعرف على كل جوانب حالته أو حتى التحقق من صدق معلوماته وفحصه جسدياً". ويتابع: "الاستشارة عبر الانترنت لها ميزاتها ولكنها محدودة الفائدة أيضاً، ففي الغالب لا يعدو دورها التوجيه والتثقيف والتوعية وليس لها دور علاجي، وهي أشبه بمن يشتكي من ضعف لغته الانكليزية مثلاً ويطلب من موقع على الانترنت مساعدته، والمستشار يتحقق فقط من مقدار مشكلته ويبحث معه قليلاً في أسبابها وجوانب تطوير ذاته في هذا الخصوص. ولكنه في الحقيقة ليحسن من لغته الانكليزية لا بد له من أن يلتحق بأحد المعاهد المتخصصة ويتعلم على يد معلم لغة متمرس". صحة المعلومات في الانترنت ويقول د. المغلوث حول مدى استطاعة المتصفح التحقق من صحة الاستشارة: "عبر الانترنت قد يبدو الأمر صعباً لأننا لا نعرف حتى هوية تلك المواقع ولكن يمكننا باختصار انه يجب على المتصفح التأكد من الآتي: - مدى الاحترام الذي يحظى به الموقع منه ومن العاملين والمتعاونين معه. - اسم صاحب الاستشارة وسيرته الذاتية ومكان عمله. - طبيعة الأسئلة المطروحة من قبل المستشار للمريض ومدى تخصصها وإن كنت أنا شخصياً لا أثق كثيراً بالانترنت كوسيلة لتقديم استشارة بغاية كبيرة من الحساسية والأهمية ما لم يكن هناك متخصص ومعروف وله وزنه العلمي والمهني".