نظراً لارتباط مفهوم زيارة الطبيب النفسي بالجنون في ثقافة المجتمعات العربية، تحوّل عدد من الشبان السعوديين إلى الاستشارة الالكترونية للهرب من نظرة المجتمع حول المرضى النفسيين والتخلص من ثقافة العيب. وأوضح عدد من الشبان ل»الحياة» أن الاستشارة الالكترونية عن طريق مواقع الاستشارات النفسية المنتشرة على شبكة الانترنت تعتبر المخرج الوحيد لهم في ظل النظرة القاصرة في مجتمعنا حول المرضى النفسيين وارتباطها بشكل مباشر بالجنون. ويرى هؤلاء أن الاستشارة الالكترونية تجعلهم أكثر صراحة ووضوحاً في طرح مشكلاتهم أمام الأطباء والمختصين، لأن المواقع الالكترونية لا تطلب الاسم الحقيقي للمريض ولا أية معلومات شخصية دقيقة. ويقول عبدالعزيز أحمد انه اضطر إلى اللجوء إلى الاستشارة النفسية الالكترونية خوفاً من كلام الناس في حال افتضح أمره عند زيارة الطبيب النفسي في العيادة. ويضيف :»نظرة مجتمعنا للمريض النفسي قاصرة وتعتبر كل من يمر بأزمة نفسية مجنون ويترتب عليها أمور كثيرة في الحياة مثل رفض الزواج، رغم أن الأمراض النفسية مثلها مثل أي مرض آخر قد يصيب الإنسان». وروت خلود الفتاة الجامعية قصتها بقولها: «منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية ونظراً لإصابتي بمرض الأنيميا المنجلية وكثرة غيابي عن المدرسة لحاجتي بين حين لآخر للعلاج أصبح لدي خوف من المدرسة والمعلمات، وذلك لأني غالباً ما كنت أناقش عن أسباب غيابي وعدم حلي للواجبات، ثم تطور الأمر لدي إلى أن تحول لرهاب اجتماعي أصبحت معه امتنع عن مقابلة من يحضر لزيارتنا وكنت أبحث عن أي حجة أسردها لأهلي حتى لا أخرج معهم ولا أشارك في المناسبات». وتتابع: «في حال اضطررت للحضور أظل منعزلة وأتحاشى الحديث مع أي أحد، واستمريت على هذا الحال في المراحل المتوسطة والثانوية وبداية المرحلة الجامعية، وفي أحد الأيام وبينما أنا أبحث في موضوع أعطي لنا كتكليف من قبل إحدى المعلمات إذا بي أجد محرك البحث يدلني على موقع يقدم استشارات ومن خلال نظرة لهذا القسم وجدت بداخله أسئلة تشبه وضعي وأجابت عليها إحدى استشاريات الموقع ومن حسن حظي أني وجدت رابط مدونتها في التوقيع الخاص بها ومنها حصلت على بريدها الالكتروني وتواصلت معها». وتقول خلود إنها في بداية الأمر لم تكن جادة بطلب الاستشارة لعدم ثقتها بالتواصل عن طريق الانترنت عموماً، لكن بتكرار الحوارات عبر برنامج المحادثة «ماسنجر» ثم وصولها الى مرحلة من التعب النفسي والاحباط أصرت الاستشارية أن تأخذ رقم هاتفها ولم أملك خياراً سوى الاستجابة. وتتابع خلود قولها: «رفعت الاستشارية معنوياتي حينما قالت لي أنها كانت تعاني من المشكلة نفسها وأنها استطاعت التغلب عليها بمساعدة استشارية أخرى حولتني إليها, فتواصلت معها ولم تمض فترة إلا واستطعت التغير كثيراً نحو الأفضل، وها أنا ذا قاربت عل إنهاء المرحلة الجامعية متمنية أن تنتهي معي معاناتي». ويقول الشاب عبد المجيد الحربي ان الاستشارات الالكترونية ساعدته كثيراً، خصوصاً في مرحلة من حياته عندما أنهى الثانوية ولم يستطع دخول الجامعة، لانه استطاع الحصول على الدعم والتوجيه من دون كشف معلومات مباشرة تخصه، لكنه يحذر في الوقت نفسه من عدم جدية بعض المواقع واعتمادها على تسويق بعض الاستشاريين فقط. وحول طلب الاستشارة النفسية عبر وسائل التواصل الالكترونية الذي كثر عرضه في الآونة الأخيرة أوضحت الاستشارية النفسية الدكتورة سعاد البشر ل «الحياة»: «أن الطب النفسي، وتحديداً العلاج السريري، ليس سهلاً، ولا يستطيع أي مختص ممن لم يبحر في علومه ويتعمق فيها أن ينصب نفسه مستشاراً، فهناك من ظهر مع التفكير بالربح السريع وأصبح كل واحد بوده أن ينصب نفسه مستشاراً نفسياً، وهذه الأمور مستجدة على الساحة الناس أصبح لديهم انفتاح أكثر من السابق ويسعون الى الاستشارة فيقعون في الفخ». وإذ يرتبط الاحباط عموماً والاكتئاب ونوبات الغضب والافكار الانتحارية أو الاجرامية بظروف الحياة والبطالة خصوصاً, كشفت دراسة قام بها مجلس القوى العاملة بالاشتراك مع وزارة الداخلية (اطلعت عليها «الحياة»)، أن حوالي 84 في المئة من مرتكبي الجرائم العاطلين عن العمل يعتبرون أن البطالة هي السبب الرئيس في ارتكابهم لهذه الجرائم.