عارضت قانون صون العلمانية الذي يؤدي عملياً الى حظر الحجاب في المدارس العامة وصوت ضده في البرلمان. ما سبب هذه المعارضة؟ - عارضته لأنه غير مجد ويهدد باستهداف الجالية المسلمة. صحيح ان هناك مشكلة ناجمة عن الحجاب في المدارس، لكن سببها ليس الحجاب في حد ذاته وانما ما يمكن ان يؤدي اليه من رفض الامتثال لمتطلبات بعض الحصص الدراسية مثل الرياضة وغيرها. والاجراءات التي كانت قائمة خولت المسؤولين عن المؤسسات التعليمية والمدرسين صلاحية مناقشة الموضوع مع الفتيات المعنيات بغية التوصل الى تسوية لما فيه مصلحة المؤسسة. فمن الطبيعي ان تحدد المؤسسات التعليمية قواعد تضمن حسن سير عملها، سواء في ما يخص المواد الدراسية وايضاً ملابس التلامذة. ولكن في ما يتعلق بالحجاب فاننا نصطدم بما يعتبره البعض بمثابة صف ديني مكتسب. ولذا فإن الحصة كانت تقضي بالعمل مع الاطراف التي تمثل الإسلام في فرنسا على التواصل الى تدابير تتيح للفتيات استبدال الحجاب المعتبر علامة ظاهرة، بشيء آخر يجعلهن قادرات على التوفيق بين التزامهن الديني ومتطلبات العيش المشترك في المدرسة. وفي اعتقادي ان القانون الذي ينص على حظر كل العلامات الدينية، هو في الواقع ضد الحجاب ويمكن ان يبدو موجهاً ضد الإسلام مما يهدد بتعزيز الاطراف الأكثر تشدداً بين المسلمين. فمن غير المجدي طرد الحجاب من المدارس لترسيخ وجوده في الضواحي. انت اذاً لا توافق مؤيدي القانون الذين يعتبرونه ضرورياً لكف يد الاطراف الإسلامية المتشددة ومنعها من السيطرة على الساحة العامة؟ - لا اعتبر ان هذا الحظر سيهدد الأطراف الأصولية بل العكس. فلنأخذ حال تلميذة محجبة أقصيت عن مدرستها وما سيحل بها. سنجد اننا مطالبون بانشاء مدارس إسلامية أم انها ستضطر لمتابعة دراستها بالمراسلة، مما قد يؤدي الى بروز مجموعات من الفتيات المنظمات على هامش المساجد. ولذا أخشى من ان نصل الى عكس ما نبتغيه. ومن جهة أخرى، أنا لا أرى ان هناك مشكلة بين الإسلام والجمهورية، بل المشكلة قائمة داخل الصف الاسلامي بين من لديهم قراءة حديثة ومنفتحة على المجتمع والآخرين. والمطروح اليوم يقضي بأن تقوم الجمهورية والإسلام بما قام بينها وبين اليهودية عام 1807، حيث كان اليهود يعتبرون انفسهم من اتباع اسرائيل، وليس كمواطنين فرنسيين وكانوا يتبعون تعاليم التلمود بدلاً من القوانين الجمهورية، فطلب منهم الاقدام على خيار. والأمر نفسه ينطبق على الكنيسة الكاثوليكية التي كانت طوال القرن التاسع عشر ضد حرية الفكر وضد حقوق الانسان، لكنها اضطرت في نهاية المطاف للعمل على التوافق. وهذا الامر ينبغي ان يتم مع مسلمي فرنسا، خصوصاً أن الاسلام الفرنسي المنفتح على الحداثة والديموقراطية والقيم الكونية، يخدم الاسلام عموماً. هل هذا يعني ان الجمهورية وقيمها لم تكن عرضة لتهديد يستدعي هذا القانون؟ - ان ما هو على المحك توازن صعب بين امور متعددة. فهناك من جهة حرية المعتقد وهناك حرية الأسر في اختيار اسلوب تربية ابنائها المنصوص عليها في الدستور الفرنسي وحرية التعبير وحرية الضمير والقيم الكونية الممثلة بحقوق الانسان، وعدم التمييز بين الاجناس. من غير السهل ايجاد توازن ولا يمكن التوصل اليه الا من خلال مقاربة حذرة ومعتدلة تأخذ كل حالة على حدة وليس من خلال حظر عام. فالعلمانية على الطريقة الفرنسية هي علمانية المدرسين والتدريس وليست علمانية التلامذة. فأحد آباء العلمانية جول فاليري كان يقول انه ينبغي على المدرس الا يدلي بمواقف قد تثير مشاعر آباء التلامذة في حال حضورهم في الصف، ولكن يتوجب عليه التطرق الى القيم الكونية. ولا أعتقد انه كان يمكن ان يقدم احد في عهد فاليري على اقصاء فتاة كاثوليكية من المدرسة العلمانية. ألا ترى ان الحجاب يعبّر في بعض الحالات عن رفض للقيم الجمهورية نتيجة الاحباط؟ - المشكلة ليست معرفة ما اذا كانت هناك مجابهة ام لا، المجابهة موجودة، لكن المهم الحؤول دون تحوّلها الى حرب دينية ودون تصعيدها للتطرف بين متشددي العلمانيين والمسلمين، وهنا تكمن أهمية الاعتدال وافساح المجال امام الراغبين بممارسة حريتهم الدينية ضمن حدود معينة. ولذا من الضروري اعادة الامور الى حجمها. نحن امام حوالى 1500 تلميذة محجبة سنوياً، من بينهن أربع وصلن الى أزمة مع ادارة مؤسساتهن. وليست هناك قضية تستوجب تعبئة الجمهورية بأكملها. لكن التعبئة حصلت، فما هي أسبابها؟ - انها حالة غريبة. فرئيس الحكومة كان ضد هذا القانون وكذلك وزراء التربية والعدل والداخلية، في حين ان رئيس الجمهورية أراد هذا القانون. اعتقد انه بدلاً من انشاء لجنة حول العلمانية كان من الأفضل انشاء لجنة حول الاسلام والجمهورية، لأن هناك مشكلات يتوجب حلها وتتجاوز نطاق المدرسة. ومن خلال القانون سنكون أمام مشكلة مطروحة في المدرسة لن تجد حلاً لها، لأن المشكلة الفعلية مطروحة خارج المدرسة. فمن الطبيعي مطالبة مسلمي فرنسا بالالتزام بالقوانين والقيم الفرنسية وهم بغالبيتهم متفهمون لذلك لحسن الحظ. لكن التركيز على عدد من الحالات الفردية يعطي الانطباع بأن غالبية مسلمي فرنسا يمثلون مشكلة وهذا غير صحيح. ربما اراد الرئيس وضع حد للأجواء الطائفية التي كادت تسود البلاد نتيجة الجدل حول الحجاب؟ - حصلت مبالغات وتخلل الجدل انفعال. الفرنسيون يعشقون الخوف وتخويف انفسهم، والدولة تعشق حل المشكلات الناجمة عن الخوف من خلال المنع. ليس لدينا تقليد راسخ في مجال الحريات العامة. هل يتبدد الخوف من خلال نجاح الاندماج؟ - كانت لدينا دائماً إرادة بالاندماج، لكن الممارسة مختلفة تماماً. لدينا خطاب رفيع حول الاندماج ولكن ما حققناه بالممارسة هو غيتوات طائفية، مزودة مدارس هي ايضاً بمثابة غيتوات كون التلامذة ملزمين التوجه الى المدرسة الواقعة في مكان اقامتهم. في حين انه كان من المتوجب اعطاء الأمر حرية اختيار مدارس ابنائهم والسماح للشباب بالإفلات من الضغط المسلط عليهم في أحيائهم، لكن هذا ممنوع. هناك تفاوت كبير بين الخطاب المتعلق بالاندماج والممارسة التي تؤدي عملياً الى العزل. وعلى رغم ذلك نسمع في فرنسا كلاماً عن الخطر الطائفي. هذا الخطر غير موجود، لأن الطائفية تعني منح فئة معينة قوانين خاصة انطلاقاً من انتمائها الديني. ولحسن الحظ ان القوانين الفرنسية تمنع ذلك. وعلى رغم ان الخطر الطائفي غير موجود فإننا امام غيتوات طائفية، والفرق هو ان الحديث عن الخطر الطائفي يوجه الأنظار نحو عدو هو الآخر، في حين ان الحديث عن الغيتوات الطائفية يشير الى مسؤولية هي مسؤوليتنا. هل تعتقد ان فرنسا تواجه صعوبة في تقبّل 5 ملايين مسلم باتوا جزءاً لا يتجزأ من مجتمعها؟ - بالتأكيد، فالمشكلة تكمن في كون فرنسا غير قادرة على هضم التعددية التي باتت قائمة في مجتمعها. فالكثير من الذين عارضوا الحجاب في المدرسة انطلقوا من حجة مفادها ان الحجاب رمز لمجتمع متعدد الثقافات. ولكن شاء هؤلاء ام أبوا، المجتمع الفرنسي تعددي وعلينا ان نتأقلم مع تعدديتنا. والمهم في هذا الإطار عدم خوض معارك مغلوطة. وفي رأيي معركة الحجاب لا تندرج في صلب المسألة القائمة وهي العلاقة بين الإسلام والجمهورية. كيف تنظر الى الإصرار الذي ابداه رئيس الجمهورية على القانون، وإلى التحالف الجمهوري الذي برز في شأنه بين الحكم والمعارضة؟ - الكل يعرف ان هناك رغبة في محو ما حصل في 21 نيسان ابريل 2002 تقدم زعيم اليمين المتطرف جان ماري لوبن في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة والقانون ينطوي على بعد انتخابي يقضي بطمأنة ناخبي اليمين واليمين المتطرف، ويرضي الديغوليين الذين يحبون دائماً ان يشعروا انهم يكافحون من اجل الجمهورية، في حين لا ارى كيف يمكن لتيلا وإلما التلميذتين اللتين رفضتا خلع الحجاب في ضاحية باريس ان تمثلا تهديداً للجمهورية. والقانون من جهة اخرى يهدف الى رفع معنويات المدرسين المضعضعة، وهم في غالبيتهم يساريون. الموضوع اذاً يعني فئات واسعة من الأشخاص لكنه لا يشكل سياسة، بل هو مجرد رأي. هل تعتبر ان تطبيق القانون سيشكل اختباراً؟ - ستكون هناك صعوبات. فكيف سيعمل المدرسون على تطبيق هذا القانون في حين انهم غير قادرين على تطبيق منع التدخين في المدارس. وفي الوقت نفسه القانون قد يحمل الكثير من الفتيات على التخلي عن الحجاب، لكنه لن يحل مشكلة الفتيات اللواتي سيرفضن الالتزام به، وهذا ما سيؤدي الى تعقيدات.