في كل محطة من جولة وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان من أبوظبي الى مسقط ثم الكويت فقطر والبحرين، طرح السؤال بشأن القانون الذي تعتزم فرنسا اعتماده لحظر المظاهر الدينية ومنها الحجاب في المدارس والدوائر العامة. وقرأ البعض في المنطقة قرار اللجوء الى مثل هذا القانون على انه انتهاك للحرية الفردية في بلد الديموقراطية الذي يرتكز على المقدسات الثلاث "حرية ومساواة وأخوية". فحرص دو فيلبان على شرح مشروع القانون، موضحاً ان فرنسا بلد يتمسك بتقاليده وهي التسامح وحقوق الانسان، وان القرار لا يستهدف الاسلام ولا الأديان الأخرى، وان الهدف منه هو صون التقاليد العلمانية وضمان الحياد في القطاع العام خصوصاً في المدارس الرسمية. واكد ان مشروع القانون لا يهدف الى منع الحجاب وانما الى منع العلامات الدينية الظاهرة، وذلك طبقاً لقانون العلمانية السائد في فرنسا منذ سنة 1905. وقال ان تاريخ فرنسا شهد انقسامات مديدة أدت الى قانون سنة 1905 وان مشروع القانون الجديد ليس موجهاً ضد الاسلام ولا الحجاب وينطبق فقط على المدارس العامة. وعلى رغم تطمينات الوزير بأن القانون المرتقب لن يؤثر في احترام الاسلام في فرنسا، هناك اسئلة كثيرة عن كيفية تطبيق القانون وسبل تجنب المغالاة في هذا المجال من جانب معلمين ليسوا على درجة الانفتاح والتفهم والثقافة التي يتميز بها عدد من المسؤولين الفرنسيين. فكيف سيكون رد فعل المعلمة في المدرسة الرسمية ازاء تلميذة ترفض خلع الحجاب قبل الدخول الى الصف؟ هل تطردها؟ واذا طردتها أين تذهب هي وسواها من الفتيات اللواتي يرفضن الخروج عن تقاليد عائلاتهن؟ وما الذي يضمن ألا يؤدي ذلك الى المزيد من الانعزال في أوساط جاليات المهاجرين المسلمين؟ لا شك ان تنفيذ مشروع القانون يحمل في طياته تساؤلات عدة. فهل سيجري منع انشاء المدارس الدينية، علماً بأن مثل هذا القانون يشجع على انشائها؟ وهل من الواقعي ان يجول مفتشون على الدوائر والمدارس العامة لقياس حجم العلامات الدينية التي يلبسها التلاميذ أو الموظفون لمعرفة ما إذا كانت كبيرة أم صغيرة وما إذا كانت بالتالي محظورة أم مسموحة؟ وكيف يتعاملون مع جالية "السيخ" الهندية الموجودة في ضواحي مدينة ليون؟ فلماذا هذا القانون، خصوصاً ان فرنسا حققت انتصاراً كبيراً باعتمادها على قانون العلمانية سنة 1905، وهو قانون كان أثار صدمة الأوساط المسيحية والكنيسة الكاثوليكية في فرنسا، لكنه نجح في تكريس التسامح والعلمانية وحرية الأديان في المجتمع الفرنسي. ان المشكلة في فرنسا ليست الحجاب، ولا ارتداؤه أو خلعه، انما المشكلة هي في عدم اندماج اسلام فرنسا في المجتمع الفرنسي بسبب فشل الطبقة السياسية في معالجة هذه المشكلة التي تتنامى مع تنامي عدد المسلمين الذي قارب حوالى 6 ملايين. فوزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي اعتقد أنه بانشائه المجلس الفرنسي للديانة المسلمة حقق نجاحاً على هذا الصعيد، لكن هذا المجلس غير تمثيلي للأوساط المسلمة في فرنسا، وهو يقتصر على الذين أرادوا التعامل مع وزير الداخلية واستقطاب اعجابه، في حين ان مشروعه الطموح هو الحصول على تأييد الناخبين المسلمين له. وواقع الحال ان مشروع القانون حول حظر العلامات الدينية هو اضافة مشكلة جديدة للاسلام في فرنسا، وليس حلاً لمشكلة صعبة ومعقدة في مجتمع علماني.