حرصت أوساط الجالية المسلمة الفرنسية ممثلة ب"المجلس الفرنسي للديانة المسلمة" على ابداء استعدادها للتعامل الايجابي مع التوجه الذي عرضه الرئيس جاك شيراك في خطابه عن العلمانية، لكنها لم تخف تحفظها وربما تخوفها حيال القانون المزمع اصداره لحظر المظاهر الدينية في المدارس والمؤسسات العامة. وعقب اجتماع مع وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس، أصدر المكتب الرئاسي للمجلس بياناً أكد فيه رغبته المشاركة في اعداد القانون حول صون العلمانية بحيث "تضمن بنود القانون الحريات والحقوق الدينية المكتسبة". وقال البيان ان المجلس "يتحفظ عن مبدأ اللجوء الى قانون لحظر العلامات الدينية في المدارس". لكنه يعتزم المشاركة بنشاط "في الحوار الذي فتحه رئيس الجمهورية" والذي سيترتب عليه هذا القانون. وأشار الى ان المجلس "أخذ علماً بارتياح" بما أعلنه شيراك عن انشاء سلطة مستقلة تتولى مكافحة التمييز المفروض على أبناء الجالية العربية والمسلمة وعن انشاء جهاز موحد لمراقبة العلمانية، يرغب المجلس بالمشاركة فيه. ودعا مسلمي فرنسا "الى التروي في هذه الفترة من التفكير المكثف التي تظهر ان الإسلام بات ديانة لها مكانتها في المجال الجمهوري". وعكس البيان رغبة المجلس في تنسيق مواقف اعضائه، عقب التباعد الذي عكسته ردود فعلهم الأولى على خطاب شيراك وتراوحت بين الترحيب المبالغ على لسان رئيس المجلس دليل بو بكر والرفض التام على لسان نائبه فؤاد علوي الذي اعتبر ان الرئيس الفرنسي عبّر عن "ارادة في تقييد حرية المسلمين الدينية". لكن هذا البيان لا يلغي فترة التجاذب التي من المرتقب ان تواكب إعداد القانون ومناقشته، كونه سيحدد صيغة التعايش بين العلمانية والحريات الفردية والدينية. فشيراك حسم بخطابه الجدل الحاد بين مؤيدي اصدار مثل هذا القانون ومعارضيه، لكن هذا الجدل سينتقل في الفترة المقبلة ليتناول الجوهر الذي سيستند اليه. وأوضح احد نواب رئيس مجلس الديانة المسلمة محمد البشاري ل"الحياة" ان قرار شيراك اللجوء الى التشريع لحظر الحجاب "أثار حزناً عاماً لدينا"، ولكن "وجدنا انفسنا أمام خيارين: اما التمسك برفضنا للقانون أو لعب دور فاعل في اطار اعداده وخصوصاً في اجراءات تطبيقه". وقال ان حظر الحجاب بموجب قانون او عدم حظره لن يغير الكثير في النظرة الملقاة على المسلمين في فرنسا "فنحن كجالية ما زلنا ندفع فاتورة 11 أيلول سبتمبر وما واكب هذه الاحداث من تصاعد في العنصرية حيال المسلمين". وسأل هل ان الصخب الذي شهدته فرنسا منذ نحو سنة "استهدف فقط الحجاب ام انه تعبير عن رفض بعض الاوساط لنا ولوجودنا في هذا البلد؟". وعبر البشاري عن ثقته بالارادة الحسنة لشيراك وبصدقه في الحديث عن الاندماج ومكافحة التمييز وضمان المساواة في الفرص، لكنه شكك في "ان يلقى هذا الطرح تفاعلاً ايجابياً من جانب الاحزاب والمؤسسات والهيئات الفرنسية، فنشهد انتخاب نواب من المسلمين ونشهد تعيينهم في الوظائف العامة البارزة". واعتبر مفتي مرسيليا مجيب بن شيخ وهو من الاعضاء البارزين في مجلس الديانة المسلمة ان تفادي ازمات لاحقة حول موضوع الحجاب، "رهن بقانون واضح وصريح سيحملنا في هذه الحال لأن نوصي بناتنا وأولادنا باحترام قوانين البلد الذي احتضنهم". لكن بن شيخ ابدى أسفه لعدم اخذ شيراك باقتراح "لجنة ستازي" القاضي بادراج عيد الاضحى على جدول العطل الدراسية الرسمية. وقال ان فرنسا تحتفل بأربعة أعياد مسيحية و"في دولة تدعي انها علمانية وتفرق بين الدين والادارة، فعليها الا تأخذ بأي دين أو تعامل جميع الأديان بالطريقة نفسها"، وهذا "مسلب في اطار" التوجه الذي اعتمده رئيس الجمهورية.