عندما شاهدت راندة، الفتاة الايطالية المصرية السمراء، التي لم يكن عمرها تجاوز الخمسة عشر ربيعاً، الطفل الفلسطيني محمد الدرة يُقتل أمامها على شاشة التلفزيون، برصاص جندي اسرائىلي، تأثرت، وهي الفتاة الرقيقة ذات الحس الأدبي المرهف. لم تصدق عينيها. لم تكن تعرف عن القضية الفلسطينية الا القليل مما ينقله الاعلام الغربي. لم تصدق ان ما رأت يقع على مرأى ومسمع العالم كله، حتى سمعت ذاك الجندي يقول متفاخراً: "قتلت الابن وتركت الأب حياً حتى يتعذب". ذهلت، وقررت ان تبحث عن الحقيقة. راحت تسأل والديها، وتقرأ في الكتب، وتبحر عبر صفحات "الانترنت". اكتشفت وفهمت، وكتبت قصة قصيرة فازت بها بجائزة أدبية للأطفال في ايطاليا وحولتها، بطلب من الناشر الايطالي، الى رواية لاقت إقبالاً كبيراً. فطبعت 3 مرات، وكتب فيها أكثر من مئة عرض وتعليق، ثم بدأت ترجماتها تظهر. وبدأت معها الشهرة الدولية، والمهاجمات من اللوبي اليهودي الذي لا يريد ان يقرأ العالم، أو يرى، أو يسمع، الا وجهة نظره وحده. كل هذه العبارات مأخوذة، حرفياً، من مقدمة ناشر رواية "حالم بفلسطين" راندة غازي، الصادر عن دار الشروق. ولا أدعي شرف كتابتها. ولكن اذا كان لا بد لي ان أضيف شيئاً فهو الإشادة بهذه الكاتبة التي يحسب لها، على رغم صغر سنها، قدرتها على الغوص في الحوادث المتشعبة، والتفاصيل اليومية لشخصيات تمثل أبطال هذه الرواية أكثر من 15 شخصية، وهم مجموعة أفراد، من أعمار متقاربة واهتمامات ووجهات نظر مختلفة. تبدأ الرواية بحوار طويل بينهم، ثم تعود الكاتبة، في القسم الثاني، لتشرح بإسهاب ظروف تكوّن هذه المجموعة، منذ ان كانت تقتصر على صديقين، هما ابراهيم ونضال، الى ان اصبحت في شكلها النهائي. ثم تروي، في القسم الثالث، تفاصيل انفراط عقدها بعد استشهاد معظم افرادها. تركز الكاتبة على البعد الديني للشهادة، وللجهاد في سبيل الله، ذاكرة الآيات القرآنية التي تحث على ذلك، على رغم كونها عاشت وترعرعت في بيئة غربية. الرواية جميلة، ولا غرابة في ذلك، بل يجب ان تكون كذلك كي تستحق ان تهدى الى الشهيد محمد الدرة، وأطفال أطفال انتفاضة الأقصى المباركة. مهدي محمد علي زلزلي