لا يسع المرء إزاء إعلان الكاتب محمد دكروب رئيس تحرير مجلة "الطريق"، أن المجلة ستتوقف نظراً للأزمة التي تتعرض لها، وهو يبدي أسفه الشديد لهذا التوقف. ولا بد من تقديم التحية الواجبة والتقدير الوافر لكل من أسهم في استمرار هذه المجلة التي صدر عددها الاول في كانون الاول ديسمبر عام 1941 برئاسة تحرير مهندس شاب مغامر ومتحمس هو المناضل انطون ثابت، لتلعب المجلة دوراً ثقافياً رائداً. وتعتبر مجلة الطريق هي وارثة مجلات سابقة في لبنان مثل "الطليعة" و"الثقافة الوطنية" و"الدهور"، وهي حملت الثقافة اللبنانية الى آفاق بعيدة. ربما يكون حرص مجلة "الطريق" عبر ستين عاماً، على تقديم الخطاب الماركسي/ الايديولوجي، خصوصاً بعد انحسار هذا الخطاب مع سقوط التجربة السوفياتية، سمة نضالية تحسب لها، اكثر مما تحسب عليها، لأن المشرفين على المجلة، لن يستطيعوا ان يغيروا جلودهم بسهولة تغيير القمصان، على رغم أن الساحة الفكرية عالمياً، لم تنجب من ينقذ هذا الخطاب من انهياره الوشيك، لذلك كان الاغلاق الحتمي لأبواق سياسية وفكرية طبيعياً، والأزمة لم تكن مالية فحسب بل ازمة خطاب، وأزمة رؤية، وأزمة ذوبان في الخطابات الاخرى، حتى خطاب السلطات البورجوازية ذاتها. لذلك نجد ان الحماسة المتأججة التي كانت تعم الماركسيين الافراد، والمنظمات والأحزاب والعاملين، لم تصبح حماسة، بل تحولت الى فتور، وربما الى انسحاب، مثلما توقفت مجلة "الطليعة القاهرية"، اثر ازمة متأججة مع السلطة الساداتية آنذاك عام 1978، وحاولت معاودة الصدور، من دون جدوى، وبعد رحيل مؤسسها ومنظرها وراعيها لطفي الخولي، توقفت المجلة الى الابد، بعد ان لعبت دورها التاريخي، المحتوم بنهايته المرحلية. لا تبتعد مجلة "الطريق" عن هذا التحليل، مع الاعتبار ان المجلة لم تدخل "حفل التواطؤات" التي عمّت الماركسيين والاشتراكيين العرب، الذين كانوا يساريين، بل ظلت تقدم مقالات ودراسات وإبداعات، تحافظ على التراث الماركسي الاصيل، حتى أعدادها الاخيرة. وعلى المستوى الفكري والسياسي والثقافي، استطاعت ان تلبي احتياجات شريحة معينة من المثقفين، وكانت أقلام كثيرة تحاول ان تنأى عن التكرار والتقليد، والابتعاد عن الخطاب - البوق، الى الخطاب الابداعي، لكنّ كل ذلك كان وما زال قائماً تحت شروط عالمية راهنة ومستقبلية غير مؤاتية. وتغيير هذه الشروط مرهون بعوامل اخرى، لا يستطيع هذا الخطاب وحده، منفرداً مواجهتها، بعد انهيار الاحزاب الشيوعية، أو تراخيها، أو اندماجها. محاولة البحث عن تمويل كما صرح الكاتب والمناضل النبيل محمد دكروب، لن تجدي، وإن وجد هذا التمويل وصدرت المجلة بالمواصفات ذاتها، فلن تكون الا تكريساً للأزمة، وليس خروجاً منها. وفكرة التجديد هذه ليست بالنيات، وإنما بالدم الجديد والقنوات الحقيقية الفاعلة التي تستطيع ان تكون جديرة بالتغيير. تحية لمجلة "الطريق" التي أدت دورها على أكمل وجه، ووصلت به حدها الاقصى. القاهرة