لا تزال النظرة ايجابية للاسثمار في أسواق أسهم دول المنطقة، مع توقع ان تحقق الاقتصادات الاقليمية معدلات نمو جيدة السنة الجارية والسنة المقبلة أيضاً، اضافة الى توفر معدلات سيولة فائضة تبحث عن منافذ استثمار في العقارات والأسهم. ومع الارتفاع الكبير في أسعار الأسهم الاقليمية، ظهرت مغالاة في أسعار أسهم بعض الشركات المدرجة، خصوصاً تلك التي استفادت من ايرادات قد لا تكون متكررة السنة المقبلة، ما يجعل الحفاظ على معدلات نمو أرباحها الحالية صعباً. ويتطلب ذلك أن يصبح المستثمرون أكثر انتقائية، وأن يتجهوا نحو الشركات الجيدة، والتي لها تاريخ أداء متميز، لأن مثل هذه الشركات هي التي يتوقع لها أن تشهد نمواً في ربحيتها السنة المقبلة. وهناك نوعان من المستثمرين، منهم من يركز على اختيار الأسهم المقومة بأقل من مستوياتها العادلة والانتظار حتى ترتفع أسعارها في السوق لتحقيق الربح، وهناك من يفضل الاستثمار في أسهم شركات ذات معدلات نمو واعدة، حتى ولو كانت أسعار أسهمها مرتفعة نسبياً، لأن النمو في ربحية هذه الشركات سيعطي حاملي الأسهم عائداً جيداً على استثمارهم. وفي المراحل الأولى لطفرة السوق، تكون معظم الأسهم مقومة عند مستويات متدنية، سواء من حيث مكرر سعر السهم الى العائد أو سعر السهم الى قيمته الدفترية أو مقارنة مع الأسهم المتداولة في أسواق أخرى. وفي هذه الحالة يمكن للمستثمر شراء الأسهم بأسعارها المتدنية والانتظار حتى ترتفع هذه الأسعار قبل بيعها. الا أنه بعد فترة من الارتفاع المتواصل في الأسعار، كما حدث في العامين الماضيين للعديد من أسواق دول المنطقة وقبل وصول الأسواق الى أعلى مستوياتها، يزيد الطلب على الأسهم ذات النمو الواعد، ويتم الابتعاد عن الأسهم التي تظهر مؤشرات التقويم مغالاة في أسعارها. وفي السنة الجارية، سجل مؤشر"شعاع كابيتال"المركب لأسواق الأسهم العربية ارتفاعاً بنسبة 60 في المئة حتى الآن، بعد الزيادة الكبيرة العام الماضي. وجاء هذا الأداء المميز نتيجة ارتفاع أرباح الشركات المدرجة، والتي تعدت 45 في المئة في التسعة أشهر الأولى من 2004، مقارنة بمستوياتها العام الماضي. وعلى سبيل المثال، أصبح مكرر سعر السهم الى العائد لسوق الأسهم السعودية 31، ولسوق الأسهم الاماراتية 24، ولسوق الأسهم الأردنية 23، وتلك مستويات مرتفعة لأسواق تعتبر ناشئة. الا أنه، وفقاً لأرباح الشركات لسنة 2004، والمقومة استناداً الى نتائجها المعلنة للأشهر التسعة الأولى من السنة، يصبح مكرر سعر السهم الى العائد لسوق الأسهم السعودية أقرب الى 22، ولسوق الأسهم الاماراتية 20، ولسوق الأسهم الأردنية 18. أي أن معظم أسواق الأسهم العربية لا يزال أمامه مجال للارتفاع، تماشياً مع النمو الاقتصادي لدول المنطقة والزيادة المتوقعة في أرباح الشركات المدرجة في الأسواق السنة المقبلة. وأدى ارتفاع أسعار الأسهم العربية بشكل كبير في النصف الثاني من السنة الى تقليص الفجوة بين الأسواق الاقليمية والأسواق الدولية. وعكس هذا الانتعاش تحسن الأوضاع الاقتصادية في دول المنطقة وتعاظم ربحية الشركات المدرجة، اضافة الى أحجام السيولة المرتفعة، التي ظهرت جلياً في زيادة حجم التداول اليومي للأسهم، مقارنة مع المعدلات التي سادت في الاعوام السابقة. وعندما يكون هناك فائض في أحجام السيولة التي تبحث عن مجالات استثمار، غالباً ما تتجه أول الأمر الى الودائع المصرفية ومنها الى أسواق العقارات والأسهم. وبما أن العرض المتوفر في الأسواق يبقى محدوداً على المدى القريب، فان هذا يشجع الشركات الخاصة للتحول الى شركات مساهمة عامة، عن طريق طرح أسهمها في السوق الأولية، مستفيدة من زخم الطلب على الأسهم، ما يساعد على امتصاص السيولة الفائضة ويقلص من فائض الطلب في السوق المالية. ومع أن متطلبات ادراج الأسهم الأولية في أسواق معظم الدول العربية لا تزال متشددة، الا أن اجمالي قيمة الطرح العام للأسهم في السوق الأولية لدول المنطقة تجاوز بليوني دولار السنة الجارية. ولا تزال الأسهم محافظة على جاذبيتها، مقارنة بالفرص الاستثمارية الأخرى المتوفرة في الأسواق الاقليمية والدولية. واذا ما أخذنا مكرر سعر السهم الى العائد، استناداً الى الأرباح المتوقعة لسنة 2004، والذي يراوح بين 15 الى 20، نجد أن معدل ربحية السهم، أي العائد على السهم الى سعره، لا يزال مقبولاً في حدود خمسة الى 6.7 في المئة. ويفوق ذلك العائد على السندات ذات آجال خمس سنوات، التي تصدرها حكومات دول المنطقة، ويراوح بين اربعة وخمسة في المئة. وتماشياً مع السياسة النقدية المتشددة للاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الأميركي، رفعت المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية أسعار الفائدة الرسمية بنحو واحد في المئة في الخمسة أشهر الماضية. وعلى رغم أن ذلك أدى الى ارتفاع أسعار الفائدة على الودائع الشهرية للمصارف الى ما بين 2.5 وثلاثة في المئة، الا أن مثل هذه الفائدة لا تزال أقل من معدل الربح الموزع على السهم للشركات العربية المدرجة. ومع استمرار ارتفاع أسعار أسهم الشركات المدرجة، وقبل وصول أسواق الأسهم الى أعلى مستوياتها للدورة الحالية، من الافضل للمستثمرين التركيز في هذه المرحلة على أسهم الشركات ذات معدلات النمو الواعدة في ربحيتها، خصوصاً تلك التي لها تاريخ ادارة وأداء جيد. فقد لا تتكرر المعدلات المتحققة لنمو أرباح الشركات السنة المقبلة، خصوصاً وأن التقويم أصبح مرتفعاً لبعض منها. فهناك عوامل عارضة قد لا تتكرر السنة المقبلة، مثل اعادة تقويم أسهم وعقارات تمتلكها الشركات المدرجة وتقليص حجم الديون الهالكة، اضافة الى الأرباح المتوافرة في أسواق الأسهم أو المضاربة في هذه الأسواق. وهكذا يبدو ان الوقت حان للذين سجلوا أرباحاً دفترية، جراء ارتفاع أسهم المضاربة التي استثمروا فيها، كي يسيّلوا هذه الاستثمارات لتصبح أرباحهم محققة، ويتجهوا الى أسهم الشركات التي يُتوقع لها أن تحافظ على معدلات نمو جيدة السنة المقبلة، تماشياً مع النمو الاقتصادي ككل. وتشمل تلك الشركات الواعدة الاتصالات وشركات التصدير، خصوصاً البتروكيماويات والأسمدة، وشركات الانشاءات، وتلك التابعة لها مثل الحديد والاسمنت والألمنيوم والأثاث، والنقل والفنادق وشركات الخدمات، بما فيها شركات الوساطة والمؤسسات الاستثمارية. واستفادت المصارف العاملة في دول المنطقة، وخصوصاً التي لها ادارة واعية واستراتيجية عمل واضحة، من الارتفاع التدريجي لأسعار الفائدة، ومن زيادة الطلب على الاقتراض من قبل الأفراد والشركات. وبدأ عدد كبير من مدراء محافظ الاستثمار وصناديق التقاعد الدولية التفكير جدياً في الدخول الى أسواق أسهم دول الشرق الأوسط، والتي يُتوقع لاقتصاداتها أن تسجل السنة الجارية أعلى معدلات نمو في العالم. وبما أن بعض أسواق أسهم دول الخليج لا يزال مغلقاً أمام الاستثمار الأجنبي، وجد البعض أنه بامكانهم الدخول بشكل غير مباشر الى هذه الأسواق عن طريق شراء أسهم شركات تعمل على الساحة الاقليمية ومدرجة في أسواق تسمح بالاستثمار الأجنبي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك"البنك العربي"المدرج في سوق عمّان وشركة"التلفونات المتنقلة"المدرجة في سوق الكويت، وغيرها من الشركات التي لها تواجد في عدد من الدول العربية، ويعكس اداؤها، بشكل أو بآخر، النمو الاقتصادي للمنطقة. ومع أن أسعار أسهم تلك الشركات ارتفع بشكل كبير في الأشهر الماضية، الا أنها لا تزال مقومة عند مستويات مقبولة. الرئيس التنفيذي جوردانفست.