ربما اهتمت الدراما السورية، في شهر رمضان الفائت، بالتفاصيل الحياتية للمرأة السورية، ولعلها ارتقت في تقديم صورة لها، تحاكي واقعها المعاش، وتناولت مواضيعها الحساسة كقضية الزواج المختلط بين الأديان، ولكنها بقيت عموماً في الاطار الوصفي ان صح التعبير، ولم تستطع الخوض في جوهر قضية المرأة، باعتبارها اشكالية، مجتمعية ثقافية متعددة المستويات. بأية حال يمكن القول انه لا يمكن مطالبة الدراما بأكثر مما تسمح به الهوامش المتاحة، لها، كما لا يمكن في جو الانغلاق الاجتماعي والثقافي إعادة انتاج صورة درامية، جديدة للمرأة، تخترق حدود الدراما القائمة أصلاً في بيئة خصامية، تخلق امرأة واقعية في علاقتها بالرجل والأسرة والمجتمع، وتبدع صورة فنية أخرى لها، تكاد تناقضها في معظم الأحيان. لكن كما سبق وأشرنا، ثمة تقارب من نوع ما هذا العام بين المرأة الواقعية، وصورتها الفنية، ولعل ذلك يعود الى تبلور الرؤية الدرامية لكتاب السيناريو، لا سيما ان الأعمال الدرامية، والاجتماعية المعاصرة، حيث صار تفعيل دور المرأة ومقاربة صورتها الواقعية، باتت جزءاً من اقناعية العمل الدرامي. هكذا تأتي صورة المرأة هذا العام، تتويجاً لمسيرة تمتد منذ التسعينات، حيث تشكل طيفاً واسعاً من النماذج، منها ما هو هامشي، أو مهمش، ومنها ما هو فاعل، لكنها جميعاً تستند الى أرضية الاشكالات الاجتماعية والاقتصادية، الجديدة، التي بدأت تتعمق في المجتمع السوري، وتطاول مختلف شرائحه، رجالاً ونساء. وعلى رغم ان نماذج المرأة في الأعمال التاريخية، والتاريخية المعاصرة، لم يطرأ عليها أي تعديلات تذكر، إلا أنها في الأعمال المعاصرة، طاولت المرأة المهمشة، الرازحة تحت أثقال الفقر والتفكك الأسري، وتخلخل القيم، كما طاولت المرأة المثقفة، والمتعلمة، وقدمت تصورات دونكيشوتية من نساء يصارعن الطاغية - الرجل الذي"جلد"المرأة و"قتلها"معنوياً، وذلك ما عكسه مسلسل"رجال تحت الطربوش"من إخراج هشام شربتجي، وتأليف فؤاد حميرة، حيث قدم المرأة على أنها ضحية الرجل، فهي رمز الاخلاص، والتفاني، وهو الأناني المتجبر، وهكذا مثلاً يكافئ الفنان عماد خالد تاجا زوجته الفنانة وفاء نادين على تركها عملها، من أجل أسرتها، بالزواج من أخرى فتية، ولا يكتفي بذلك، بل يمعن في اضطهادها، فتسعى للبحث عن كيانها من جديد، فتجده في العودة الى العمل والفن، واضعة أولادها أمام خيارات قاسية، وزجه أمام امتحان مسؤولية الأبوة، وقد كسرت بذلك قاعدة قدسية الأم. أما مسلسل"الخيط الأبيض"اخراج هيثم حقي، تأليف نهاد سيريس، فبدا انه مخصص لامرأة واحدة، - فصل النص على القد -، يشاركها نمط وحيد من النساء اللاهيات، اللواتي لا عمل لهن سوى ملاحقة نجم تلفزيوني وصاحب الطلة الدونجوانية رأفت الشمالي جمال سليمان أسقط رابطة الزواج من حساباته، لكن امرأة وحيدة سهام البنا جومانة مراد منتجة العمل، بينهن تحرك قلبه، لا سيما أنه ساعدها في الوصول الى الشهرة، فتسعى الى رد المعروف، على رغم مشكلاتها ومعاناتها كامرأة مطلقة، بالغ العمل في الحديث عن معاناتها، فهي امرأة تسكن في منزل فخم - وحيدة مع ابنها، على رغم توسط حال أسرتها، وتركب سيارة فخمة، وترتدي الكعب العالي، ذا الرنين الهامس في الآذان همساً - ربما أراد الكاتب التعبير عن انوثتها، وعصريتها! ألا يوحي هذا ان العمل كتب خصيصاً للممثلة بعينها؟ لكل هذه الأسباب نقول ان العمل لم يستطع أن يقدم أكثر من صورة تزيينية، واستعراضية للمرأة، وممسوخة، لذلك كانت بنية العمل برمته، موضع تساؤل وشك في أن الأمر لا يتعدى معركة، مخترعة للوصول الى أهداف أخرى، وقع في شباكها المخرج والكاتب معاً. في حين أن الأعمال التاريخية قدمت صورة عن المرأة بأسلوب منسجم مع سياق العمل، ربما لوجود موضع محوري مهم، قادر على دمج مختلف العناصر في نسيجه، بما فيها قضايا المرأة. ف"التغريبة الفلسطينية"، من اخراج حاتم علي، وسيناريو د. وليد سيف، أبرزت المرأة مثقلة بأحمال الموروث الاجتماعي، وضمور الوعي، لكن محنة التهجير تضعها في تناقض عنيف بين القيم التي عاشتها، والقيم التي يفرضها عليها الواقع الجديد، وبين هاتين الحالين، تتبلور صورة المرأة والرجل معاً، في علاقتها بالهم الوطني العام، وتنفتح على أفق أرحب. لكن معظم الأعمال لم تستطع الخروج من ثنائية العلاقة، رجل - امرأة، لترصد واقع هذه العلاقة، من منظور اجتماعي أشمل، فالمرأة ضحية الرجل، أما هذا الأخير، فهو مجرد مستبد، متسلط، تحركه أهواؤه، وشهواته. وهكذا يتزوج المحامي بسام زهير عبدالكريم - في مسلسل"رجال تحت الطربوش"- مرتين، بسبب عجزه عن الإنجاب، وفي كل مرة يداوي هذا العجز بالتسلط، وممارسة العنف ضدهن، وفي حين تجد المرأة السلبية نفسها مضطرة للاستكانة الى قدرها، والاستجابة الى الثورة، ورفض الواقع، وحتى خارج المنزل وخارج العلاقة الأسرية، تجد المرأة نفسها مقيدة بهذه العلاقة كحكم القانون تماماً، فحين تتعرض الصيدلانية سميرة كاريس بشار للاعتداء عليها، من جانب مدمن مخدرات، يبرز الموقف السلبي لزوجها، الكاتب الفاشل، ويفرض عليها التنازل عن حقها، حرصاً على سمعتها، التي تجرأ المجتمع عليها أيضاً بلا رحمة!