يومك الجديد لا يطلب إذناً منك لا يسألك إن كنت مستعداً لاستقباله! اليوم وقح وأناني. اليوم يصر على القدوم كل يوم! تحس بفجره يصعد الدرجات قبل ان يقتحم عليك البيت، تماماً كما تحس بهم قادمين لاعتقالك قبل ان يكسروا الباب، قبل ان تفرك عينيك، قبل ان تدعى الى فنجان قهوة هناك بصحبة الضبع الضبع ذي السن الذهب، والماكياج الكثيف. أما العصافير! ألا تعرف هذه المخلوقات ان هذا الوقت ليس للغناء؟ ها هي تغني كعادتها! تغمغم ألحاناً لا تفهمها أو ربما كانت تردد الصدى: لا شيء يعدل ساعة أخرى معك! يتنقل "اليوم" في دروب الخليقة، يصنع به الناس ما يشاؤون أو يصنع بهم ما يشاء! لكنك / بعد ان تلمع مساماته عرقاً ويتعبه ما يتعبه من أهله وتصبح مسامات غروبه قشرة برتقال بحجم الأفق / تأخذه الى فراغ غرفتك تحاسبه ويحاسبك "اليوم" يشيب أمام عينيك / يكتهل على حافة سريرك / يدس جسمه تحت غطائك / أنت مشغول به وهو مشغول عنك! أنت عدالة نفسك، قاضيها وجلادها وهو لا يتقن الاكتراث! / عندما تستيقظ تمد يدك فلا تجد "اليوم" بجوارك! بإمكانك فقط ان ترى "الغد" هائماً في هواء الكون كفيلسوف فقد الذاكرة، بينما الفجر المختال يتقدم بفرح زائد لاستلام وظيفته الجديدة بين صفين من السنونو. *** عما قليل تخرج الشمس من غرفة نومها وببطء ملكي تفكّ الضماد السميك عن حواس الكون: تفيق البراعم من بنج الشتاء تثرثر، سكرى بلونها النبيذي تندفع الزهور المنقوشة على صدر قميص البنت قلبها يتعلم الرنين خطاها تتعلم الالتفات ومخدتها تشتاق لشعرها الهائج، الماعز يحك الجدار الضوء يحك أوراق الحور اذ تقلبها الرياح ويحك سرير النحاس وخاصرة العروس، روح الكون تتخذ لها جسداً من الحشائش والمرار والزيران من الهديل والندى، ومن نشاط البغل، من شهوة الحصان ومن تولدن القرود في أقفاصها، ويعلو الدبور في ضلال الجهات، تطلّ أولى وريقات البازلاء واللفت، وهندباء البراري يقفز الحب الوحشي بين ولد وبنت كارتطام وعلين في الرذاذ، يلعب المهر الأحمر، ينقلب على ظهره يحك صهوته بالتراب يرفس شياطين لا يراها سواه ويلعب! ينطلق السيل في مجراه فيلغي الفارق بين الحصى والحجر الكريم تستيقظ أوجاع العظام! تأخذ الجدة شايها الى مستطيل الشمس قرب العتبة تتململ الشرور الصغيرة! ويمارس الأولاد مكائدهم ضد الولد الطيب تمارس زهور الخباز فجورها العلني في الشرفات تتلفت الحرباء الصغيرة بعنقها كعارضة أزياء فخور يخرج النمل من مخازنه الذكية والحلزونات من قلاعها البيضاء والمقاهي تخرج كراسيها الى الأرصفة أراجيح الأولاد النائمة مثل حصان الحلوى ترفع ضحكاتهم الى أبعد نافذة مفتوحة يفكر الزوجان مبكراً في أسماء سخيفة للمولود الأرملة التي صبرت صبر الرماد تحت زعفران الجمر تبحث، فجأة، عن مرآتها! وتحار طويلاً أمام خزانتها! أما أنت! أنت برسغك المقيّد الى رسغ اللعنة تتابع، مكرهاً، ما يفعله خنزير "التاريخ" في متحف يومك كأن لك شمساً تخصك دون العالمين شمساً لن تضيئك الا اذا ركلتها بقدمك إلا اذا ضربتها بالسوط! *** تأخذ من موقدك البارد إصبع فحم وبيد قوية، تكتب على جدارك الأملس: - لا بد ان يكون لي يوم يناديني باسمي! - لا بد ان يكون لي وطن غير هذه الصفحة! * مقطع من قصيدة "منتصف الليل" التي تصدر اليوم عن دار رياض الريّس، بيروت.